معركة شاملة مع الغازي
في المعركة الشاملة :
أهداف الحملة الرومانية قبل الميلاد تكاد تكون نفس أهداف وطموحات الأكسوميين بعد الميلاد وهي ذات الأسباب الدافعة للإمبراطورية الساسانية للتدخل والهيمنة على اليمن وهي نفس الأهداف بالنسبة للأيوبيين وبعدهم المماليك والأتراك والبرتغال والبريطانيون، فقد تصدر الجانب الاقتصادي من خلال الاستغلال والنهب والمصادرة والاستفادة قائمة أهداف الغزاة على مختلف ألوانهم فالاحتلال والسيطرة العسكرية من أجل الثروة والمال والنفوذ والهيمنة يليه الجانب الثقافي الديني من خلال نشر الأفكار والديانات وتغيير الثقافات واستهداف المجتمع في تفكيره وعاداته وتقاليده ، ولهذا فإن الصراع مع المستعمر والغازي لا يقتصر على الجانب العسكري القتالي بل يمتد إلى الفكري والثقافي إلى العادات والتقاليد إلى الموروث الشعبي وإلى الثوابت الدينية أي أنها معركة شاملة فلا يمكن للغازي أن يستمر في استغلاله ونهبه وسطوته ونفوذه ما دام وثقافة الناس تدفعهم للانتفاضة وتحرضهم على الثورة وتستفز حماستهم لاستعادة الحرية ونيل الاستقلال .
إنها معركة مصيرية لأن الغازي لا يتردد في استهداف الوجود البشري اليمني على هذه الأرض وفي القضاء على كل مقومات الحياة ومن أجل تحقيق أهدافه قد يلجأ إلى أبشع الوسائل وإلى أحقر الطرق دون أن يضع أي اعتبار للأخلاق والأديان والشرائع والكرامة الإنسانية ، وشمولية المعركة المجالات كافة ينبع من شمولية أهداف الغازي نفسه فالانتصار العسكري بالنسبة له ليس نهاية المطاف بل مقدمة لفرض كل ما يستهدف عادات الشعب وتقاليده ولا يهدأ له بال إلا والمجتمع يدور في فلكه ويعتقد بما يعتقده ويؤمن بما يؤمن به ويتماهى ويذوب في مشاريعه وخططه وخطواته وقد شهدت البشرية أمواجاً عنيفة من الاستعمار الذي يستهدف كل شيء من البشر إلى التاريخ إلى الهوية والثقافة والدين واللغة .
في اليمن حاول الأحباش فرض ثقافتهم وديانتهم المسيحية بالقوة واستخدم الأيوبيون المذهب لمحاربة المذاهب الأخرى واستدعى الأتراك المناطقية والعشائرية حتى يحققوا أهدافهم وتعرضت الكثير من العادات والتقاليد اليمنية للتجريف والاستهداف سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر فقد ورث اليمنيون عن المراحل الاستعمارية المختلفة الكثير من العادات والتقاليد السيئة كالفساد المالي والإداري الذي انتشر في العهد التركي الثاني وبشكل غير مسبوق حتى أنه صار عرفاً وعادة لا تستدعي الاستهجان والتقزز وانتشر الفساد الأخلاقي في فترات الاستعمار المختلفة إضافة إلى بروز ظواهر جديدة يعمل الغازي على توسيعها وتبرير وجودها كالارتزاق والعمالة والانتقال من مربع الوطنية إلى مربع العمل لصالح العدو بأساليب وأشكال مختلفة .
من هذا المنطلق فإن مفهوم مواجهة المعتدي والتصدي للغزاة ومقاومة الاستعمار بكافة أشكاله لا يقتصر على القيام بالمسؤولية المستندة إلى عوامل وطنية ودوافع لها علاقة بالتراث والعادات والتقاليد بل بكونها واجباً دينياً وأخلاقيا وإنسانياً وثقافياً ووطنياً ،أي أنه واجب لا يمكن التنصل عن القيام به أو التهرب من أدائه ومسؤولية لا تسقط إلا بعملها وترجمتها على أرض الواقع .