سيناريو الوضع بالمحافظات الجنوبية بعد تمكين السعودية من الوصاية عليها رسمياً
-
المساء برس| تقرير: يحيى محمد
منذ مارس 2015 وحتى الآن بقي التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ومعها الإمارات ضد اليمن وصياً على الشرعية التي جاء التحالف بحجة إنقاذها وإعادتها إلى السلطة، غير أن ما سيتغير من اليوم وصاعداً في المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن والخاضعة لسيطرة التحالف هو أن هذه الوصاية على الشرعية وعلى المناطق المسيطر عليها من قبل التحالف السعودي ستتحول إلى وصاية رسمية باتفاق رسمي.
معنى ذلك أننا أمام شرعنة صريحة للوصاية السعودية على المناطق التي تسيطر عليها في اليمن بموافقة ومباركة قيادة سلطة الشرعية المنفية خارج اليمن حتى الآن.
تداعيات تحول الوصاية السعودية على اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرته من وصاية غير معلنة إلى وصاية معلنة ومعمدة باتفاق ستشهد عليه الأمم المتحدة، ستتمثل – أي التداعيات – في الإبقاء على حالة عدم الاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف، وفتح المجال أمام استمرار الحرب على اليمن، بالإضافة إلى فتح المجال أمام استمرار حالة الاحتراب الداخلي في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف نظراً لأن اتفاق جدة أشرك طرفاً واحداً من الفصائل الجنوبية المتعددة الممثلة للجنوب في حين معظم تيار الجنوب السياسي غير موافق على اتفاق جدة كما أنه يرفض أيضاً التواجد الأجنبي للتحالف في الجنوب منذ بداي الحرب وحتى الآن.
الوصاية.. وموقف صنعاء والقوى الجنوبية المعادية للتحالف
بالنسبة لموقف صنعاء من اتفاق جدة فلا يحتاج إلى إعلان واضح أو تفسير أو موقف رسمي، فبالنظر إلى السبب الرئيسي الذي شن التحالف بسببه الحرب على اليمن وهو رفض أنصار الله “الحوثيين” ومعهم قطاع واسع من النخب السياسية والأحزاب بالإضافة إلى حلفائهم من القبائل في 2014 ومطلع 2015 للوصاية الخارجية على اليمن والمتمثلة في الوصاية الأمريكية عبر سفيرها في صنعاء حينها والوصاية السعودية المستمرة منذ صعود الرئيس الأسبق علي عبدالله منذ 1978 حتى 2011 ومروراً بالمبادرة الخليجية ووصولاً إلى 2014، بالنظر إلى ذلك فإنه يمكن بسهولة معرفة موقف صنعاء من اتفاق جدة وما سيترتب عليه من وضع في المحافظات الجنوبية.
فالقيادة السياسية في صنعاء والتي تحارب التحالف السعودي منفردة منذ بداية الحرب وحتى الآن دفاعاً عن سيادة واستقلال اليمن ورفع الوصاية، لن تقف مكتوفة الأيدي أو مسلمة بالأمر الواقع الذي سيفرضه اتفاق جدة، بمعنى أن الحرب ستستمر حتى رفع الوصاية الخارجية على كامل الأراضي اليمنية وهذا ما يؤكد عليه مسؤولو صنعاء في العديد من خطاباتهم وبياناتهم الرسمية وعلى رأسها قيادة المجلس السياسي الأعلى وقيادة وزارة الدفاع بحكومة الإنقاذ.
بالإضافة إلى ذلك فإن القوى الجنوبية الرافضة للوصاية السعودية أو الإماراتية على المحافظات الجنوبية من الممكن جداً أن تتحالف بشكل أو بآخر مع سلطات صنعاء نظراً لتوحيد الهدف المشترك بينهما في هذا الشأن، وهو ما بدأت بوادره تتضح جلياً خاصة في كل من شبوة والمهرة وهما المحافظتان اللتان تحتضنان شخصيات وزعامات قبلية مرموقة تحظى بقدر كبير من الاحترام والتقدير من قبل قيادة السلطة السياسية في صنعاء، وبينهما تواصل مباشر غير معلن.
باختصار فإن ما كان ينادي به قيادات أنصار الله منذ بداية الحرب وهو أن اليمن في وضع شبه محتل وأن هناك وصاية خارجية كانت تمارس على سلطة هادي وأن الحرب على اليمن أساسها وهدفها الإبقاء على البلاد تحت الوصاية الأجنبية هو ما ينادي به اليوم مسؤولو الشرعية أو جزء منهم والقيادات السياسية التابعة لها، وصحيح أن هذه القيادات لم تعترف بهذه الحقائق إلا بعد أن اكتوت بنار التحالف الذي شرعنت له ولتدخله في اليمن، إلا أنها أكدت أن الحوثيين وحلفاءهم كانوا على حق منذ البداية، وذلك سيعني بالضرورة ازدياد القاعدة الشعبية لأنصار الله وقيادة السلطة في صنعاء بما في ذلك نشوء قواعد شعبية لصنعاء في المحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف بما فيها المحافظات الجنوبية البعيدة، وبالتالي انحسار القبول المجتمعي بالتدخل العسكري الأجنبي في المحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف وهو ما سينعكس على حجم التحشيد العسكري من هذه المناطق لصالح القتال مع التحالف ضد قوات صنعاء.
عدن خارج الفوضى المصطنعة
بناءً على بنود الاتفاق التي تسربت وتم التأكد من صحتها فإن الوضع في المحافظات الجنوبية سيبقى متوتراً بشكل مستمر باستثناء عدن، وستبقى حالة الاقتتال مستمرة، هذا بالإضافة إلى استمرار الانفلات الأمني خاصة في جانب الاغتيالات والتفجيرات نظراً لأن طرفي الصراع جنوب اليمن سيعمل كلاً منهما على تصفية شخصيات ورموز الطرف الآخر، كمحاولة انتقامية.
في غضون هذه الفوضى ستبقى عدن التي ستكون مركز الحكم السعودي على جنوب اليمن خارج هذا الصراع، ما يثبت ذلك هو بنود الاتفاق ذاتها والتي نصت على إخراج كافة المعسكرات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة من مدينة عدن سواءً كانت هذه المعسكرات تابعة للشرعية أم تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وبات من المعروف أن الرياض ستعمل على تنفيذ ما تسعى له منذ عقود في اليمن من خلال وصايتها على الشرعية وعلى المحافظات الجنوبية ولكي يتسنى لها فعل ذلك فإن عليها الإبقاء على حالة الاقتتال والصراع في المحافظات الجنوبية كي لا يتفرغ الجنوبيون لمواجهة أي مخططات سعودية، وهذا ما ستؤول إليه الأمور في الجنوب من الآن وصاعداً وهو ما يمكن توصيفه بـ”الفوضى المصطنعة جنوب اليمن”.
من هذه الأهداف مثلاً: مد أنبوب النفط من السعودية إلى محافظة المهرة وصولاً إلى بحر العرب، ولهذا لم يتضمن اتفاق جدة أي نقطة تتعلق بمحافظة المهرة حيث بقيت هي وأرخبيل سقطرى خارج الاتفاق، ففي حين نص الاتفاق على نشر القوات المشتركة بعد دمج قوات الانتقالي فيها في الموانئ والمطارات والمقرات الرسمية للدولة في محافظات حضرموت وشبوة وعدن ولحج والضالع وأبين والجزء الجنوبي الغربي من تعز فإن محافظتي سقطرى والمهرة لم يرد ذكرهما في هذا الاتفاق، الأمر الذي يعزز من فرضية أن مخططاً سعودياً بتوافق مع الإمارات سيكون مسرحه المهرة التي تسيطر عليها قوات من الجيش السعودي بما في ذلك ميناء نشطون وسقطرى التي تتواجد فيها قوات من الجيش السعودي والإماراتي منذ أكثر من عام ونصف.