بن سلمان وحيداً.. بعد ضرب الحوثيين لأرامكو ترك الجميع الرياض غارقة بمستنقع اليمن
صنعاء – المساء برس| مر أكثر من شهر على أكبر ضربة عسكرية واقتصادية معاً تتعرض لها السعودية منذ تدخلها العسكري في اليمن على رأس تحالف تقوده وتدعمه وتشرف عليه بشكل الولايات المتحدة الأمريكية، إنها ضربة أرامكو النفطية في كل من منشأتي بقيق وخريص شرق الرياض منتصف سبتمبر الماضي.
قبل أن تعلن الرياض، سارعت واشنطن إلى اعتبار أن الضربة التي أوجعتها قبل الرياض نفذتها طهران، ولم يكن ذلك اتهاماً من واشنطن بقدر ما كان محاولة للتقليل من قدرة قوات صنعاء العسكرية في إمكانية تنفيذ مثل هذا الهجوم على الرغم من أن هناك هجمات مشابهة في المسافة والسلاح المستخدم جرى تنفيذها من قبل قوات صنعاء في أوقات سابقة هذا العام والعام الماضي أيضاً وفي السعودية والإمارات أيضاً، ذلك من جانب ومن جانب آخر كان هدف هذا الاتهام هو التهرب الأمريكي من المسؤولية أمام السعوديين كون واشنطن فشلت وباتت عاجزة عن التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية رخيصة الثمن رغم أنها – أي واشنطن – هي المشرفة والمشغل لمنظومات الدفاع الجوي الباتريوت في المملكة ككل، وهي المسؤولة بشكل مباشر عن تأمين منشآت أرامكو في مختلف مناطق السعودية، سواءً على مستوى الأمن الداخلي أو الأمن الخارجي.
كانت الاتهامات الأمريكية وحدة التصريحات الصادرة عن كبار مسؤولي البيت الأبيض توحي بأن ثمة ضربة عسكرية ستوجهها واشنطن إلى طهران خلال ساعات، غير أن تلك اللهجة سرعان ما تلاشت وخفتت تدريجياً بل وانقلبت من تهديد مباشر لطهران إلى اتصالات سرية ووساطات عبر أطراف أخرى للبحث جلسة مفاوضات مباشرة مع قادة طهران.
وأدت الهجمات اليمنية على أرامكو منتصف سبتمبر الماضي إلى إبقاء المملكة السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان وحيدين بعد أن انكفأ معظم الأصدقاء وانشغال كل واحدٍ منهم بمشاكله الداخلية فيما فضل بعضهم الاتجاه إلى طهران مباشرة لكسب ودها وقطع حالة الجمود في العلاقات معها.
ترامب يحلب الرياض ثم يتخلى عنها ثم يحلبها من جديد
كانت أمريكا أول من تخلى عن السعودية بعد ضربة أرامكو، فعلى الرغم من أن مراقبين دوليين اعتبروا أن تلك الضربة مثلت إحراجاً وصل لمستوى الإهانة لمنظومات الدفاع الجوية الأمريكية والتي تعتمد عليها السعودية لحمايتها والتي تعد الرياض من أكبر المشترين لها على مستوى باقي دول العالم، رغم ذلك كله، إلا أن أمريكا فاجأت الجميع وصدمت بشكل رئيسي أكثر دولة تابعة لها في المنطقة وهي السعودية، وتمثل ذلك بالتراجع المفاجئ من واشنطن عن تنفيذ تهديداتها ضد إيران بعد أن كانت تلوح بها منذ ضرب أرامكو.
هذا التراجع الأمريكي زاد أكثر بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترامب استعداده للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكان لذلك اللقاء أن يحدث لولا أن الرفض جاء من طهران احتجاجاً على سياسات البيت الأبيض تجاه طهران والاتفاق النووي والحصار الاقتصادي.
حتى الظروف لم تساعد الرياض في محنتها، فقد غرق كل حليف لمحمد بن سلمان في مشاكل داخلية ما إن تشب واحدة ثم تهدأ حتى تظهر مشكلة جديدة، فترامب وإدارته، مثلاً، انشغلوا بعد ضربة أرامكو بظهور مشكلة اتصالات الرئيس بأوكرانيا وهي المشكلة التي تعرض فيها ترامب بالتهديد المباشر بعزله من منصبه.
ترامب الذي قال ذات يوم إن السعودية لم تكن باقية لولا الحماية الأمريكية لها، وأنه لولا حماية واشنطن للرياض لكان إيران قد احتلت السعودية في 6 ساعات فقط، قال بعد الهجمات على أرامكو بأيام قليلة بأن حماية المنشآت السعودية هو شأن يخص السعوديين ولا علاقة لأمريكا بها، وأن على الرياض أن تدفع المال إذا أرادت أن تحصل على المزيد من الحماية، ورغم فشل السلاح الأمريكي في حماية منشآت أرامكو مؤخراً إلا أن الرياض سرعان ما استسلمت لتوجيهات ترامب التي قضت بدفع السعودية أموالها مقابل إرسال 3 آلاف جندي أمريكي إلى السعودية وإرسال المزيد من بطاريات منظومات الدفاع الجوي بنوعيها (باتريوت وثاد) وإرسال سفينة حربية والمزيد من الضباط والمستشارين العسكريين للمشاركة، حسب ما قالت الإدارة الأمريكية والبنتاغون، في العمليات الحربية على الأرض والمشاركة في حماية منشآت المملكة وإدارة قيادة العمليات المشتركة.
أبوظبي أول الهاربين
قبل أن تبدأ واشنطن بالانسحاب تدريجياً من مسؤوليتها تجاه حماية السعودية، كانت الرياض قد تلقت طعنة موجعة من أبوظبي ثاني مشارك رئيسي في التحالف السعودي بالحرب على اليمن، حيث ذهب محمد بن زايد ولي العهد إلى استجداء صلح مع طهران وحاول أن يلتمس منها إمكانية التخاطب مع حكومة صنعاء وأنصار الله والطلب منهم عدم استهداف أبوظبي أو أي إمارة أخرى بالطائرات المسيرة أو الصواريخ الباليستية والمجنحة كما يحدث مع السعودية، في مقابل التزام أبوظبي بالانسحاب من اليمن، فما كان من طهران إلا أن رتبت لاتصالات مباشرة بين أبوظبي وصنعاء وتركت الأمر لليمنيين كونهم أصحاب الشأن والقرار، ولم تتأخر أبوظبي من الاتجاه نحو صنعاء مباشرة لإدراكها بالفعل أن قرار حكومة صنعاء ليس في طهران.
سيسي مصر يتنصل
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي صاحب شعار “مسافة السكة” وهي الكلمة التي ألقاها في اجتماعات الجامعة العربية بداية الحرب السعودية على اليمن قبل سنوات، وكان يقصد بها، أن مصر وجيشها سيكون تحت إمرة التحالف السعودي وأن أي نداء سعودي لمصر سيقابل باستجابة سريعة وفقط مجرد مسافة الطريق من مصر إلى السعودية أو اليمن، هو الآخر تنصل وتخلى عن السعودية بعد تعرضها لهجمات أرامكو الشهر الماضي.
فالرجل انشغل بانتفاضة شعبية كادت تطيح به من سدة الحكم، وما إن استفاق منها حتى عاد ملف سد النهضة للواجهة من جديد.
السعودية إذاً يصفها البعض بأنها وجدت نفسها بعد هجمات أرامكو وسط محيط متلاطم الأمواج، فما كان منها إلا أن اتجهت هي الأخرى نحو طهران، لكنها تريد أن تمنح نفسها شيئاً من الثقل السياسي، ففضلت إرسال وساطة باكستانية وأخرى عراقية إلى طهران هدفها التفاهم مع الإيرانيين وكسب اتفاق معهم لخفض التوتر في المنطقة.
غير أن طهران أبلغت السعوديين عبر الوسطاء بأن إيران لا تملك أي قرار على اليمنيين وحكومة صنعاء بشكل عام ولا تملك أي سلطة على أنصار الله بشكل خاص، وأن على الرياض أن تتخاطب مباشرة مع الحوثيين أصحاب الشأن، وهو بالفعل ما اتجهت إليه الرياض بعد أن وعدتها طهران بأن تنسق لاتصالات مباشرة بينها وبين صنعاء، وهو ما تمثل في فتح الرياض اتصالاً مباشراً مع رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط.
وبغض النظر عما نتجت عنه اتصالات الرياض بصنعاء إلا أن بوادر الحل السياسي للحرب في اليمن بدأت تلوح في الأفق، في حين يصف سياسيون عرب مطلعون على طبيعة الحرب على اليمن والصراع في المنطقة والإقليم ككل، أن الحرب في اليمن تشهد فصلها الأخير، وأن أنصار الله الحوثيين وحلفائهم انتصروا بكل المقاييس وخرجوا من الحرب بمكاسب لم يكن لهم أن يحققوها بهذه السرعة لولا إطالة السعودية لحربها في اليمن هذه السنوات كلها.