تقرير لـ”ميدل ايست اي” من شهادات بعض الأسرى المفرج عنهم بصنعاء يكشف حقائق ويؤكد أخرى
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد| على مدى قرابة الـ5 أعوام ظلت حكومة ومسؤولي الشرعية في اليمن، المقيمة في المنفى – العاصمة السعودية الرياض وعواصم أخرى – إلى جانب التحالف السعودي يرددون اسطوانة “تجنيد الحوثيين للأطفال للقتال في صفهم” وبحكم أن التحالف السعودي بحكم المال يسيطر على وسائل إعلامية كبيرة ويؤثر على وسائل إعلامية دولية فقد طغت روايتهم حتى بات معظم العالم يصدقها.
لكن وبمجرد أن اختلفت معظم الوسائل الإعلامية العالمية مع السياسة السعودية، بما فيها وسائل الإعلام التي تتلقى دعماً غير مباشر من النظام السعودي لتلميعه، خصوصاً بعد حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في تركيا، بدأت هذه الوسائل الإعلامية بالحديث بشكل صريح عن طبيعة الحرب في اليمن وما يفعله التحالف السعودي، وكشف حقائق ظل التحالف السعودي يعكسها على خصومه الحوثيين ومقاتلي قوات صنعاء طوال هذه السنوات، وواحدة من هذه الحقائق هي “تجنيد الأطفال للقتال” حيث تبين أن من كان يجند الأطفال للقتال معه في مختلف الجبهات هو التحالف السعودي وأدواته المحلية بما فيهم من مسؤولين عسكريين يمنيين يتبعون الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي وآخرين ينتمون لحزب الإصلاح – التيار السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن -.
-
تجنيد الأطفال للقتال مع التحالف السعودي
في تقرير موسع، كشف موقع ميدل ايست اي البريطاني عن نموذج من تجنيد التحالف السعودي وحلفائه المحليين في اليمن للأطفال للقتال معه والزج بهم في الجبهات وفي الخطوط الأمامية دون تدريب أو خبرة قتالية أو عتاد عسكري أو حتى وسائل حماية ودعم لوجستي، الأمر الذي أدى إلى مقتل أعداد كبيرة منهم خلافاً لوقوع معظمهم في الأسر بيد قوات حكومة صنعاء العسكرية بكل سهولة.
محمد سراج، عام 2015 كان طفلاً يبلغ من العمر 13 عاماً، انتقل مع والده ووالدته إلى مدينة مأرب، حيث عمل والده هناك طباخاً في أحد المطاعم، مأرب شرق اليمن تحولت إلى مركز لتجمع قوات الشرعية – وهي مجاميع مسلحة عقائدية تنتمي معظمها لحزب الإصلاح التيار الديني الموالي للسعودية منذ عقود ومن هنا تشكلت قوات “الشرعية”.
محمد سراج، هو أحد الأسرى الذين أفرجت عنهم سلطات صنعاء أمس الأول، في مبادرة أحادية الجانب رحبت بها الأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي، وهو حالياً يبلغ من العمر 17 عاماً، أجرى معه موقع “ميدل ايست اي” مقابلة هو ووالدته، وقد تبين أن سراج ترك دراسته هو ومجموعة قليلة من أصدقائه وانضموا للقتال مع التحالف السعودي ضد قوات صنعاء عام 2017، وبسهولة وقع في الأسر في إحدى المعارك، ومنذ ذلك الحين أصبح واحداً من آلاف الأسرى المحتجزين لدى سلطات صنعاء.
هذا يعني أن محمد سراج انضم للقتال مع التحالف وهو لا يزال قاصراً وحسب التصنيف الدولي وفق الأمم المتحدة فإن الشخص يظل طفلاً حتى عمر الـ18، وبناءً على هذه المعايير يُصنف المقاتلون الأقل من هذا العمر مع أي طرف في أي نزاع مسلح في أي بلد كان على أنهم أطفال وتعتبر الجماعات التي تتزعم الصراع هي جماعة أو جهة أو كيان يعمل على تجنيد الأطفال.
-
كان محمد طفلاً يحتاج للدراسة
يقول موقع “ميدل ايست اي” في تقريره “كان محمد طفلاً يحتاج إلى الدراسة وبناء مستقبله، لكن بعض الأصدقاء خدعوه وأقنعوه بالانضمام إلى القتال. لطيفة، والدة محمد، قالت: لم أكن أعرف أنه انضم إلى المعارك، لكنني عرفت متى تم اعتقاله”، وتضيف أم محمد أنه وبعد إبلاغها بأسر ابنها في إحدى المعارك “لم تترك لطيفة أي فرصة فقد ذهبت لرؤية القادة العسكريين التابعين للشرعية في مأرب وذهبت لزيارة منظمات مختلفة، ولأنها في مأرب لم يكن أمامها سوى الاتصال بقيادات السلطة في صنعاء وقيادات من حركة أنصار الله طالبة إطلاق سراح ابنها.
-
سلطات صنعاء تسمح لأقارب الأسرى باللقاء بذويهم
يكشف الموقع البريطاني حقيقة أخرى وهي أن الأسرى التابعين للتحالف وحلفائه المحليين الموجودين لدى قوات صنعاء ليسوا مخفيين وليسوا ممنوعين من اللقاء بأسرهم وأقاربهم، وهذا ما يتضح من حديث أم محمد “عندما نُقل إلى سجن صنعاء المركزي، ذهبت لزيارته وهناك عبر لي عن أسفه للانضمام للقتال وترك والدته تشعر بالعجز”، هكذا تقول لطيفة.
-
مفاوضات استوكهولم بشأن الأسرى تكشف استهتار الشرعية والتحالف بآدمية المقاتلين معها
حفيفة أخرى يؤكدها الموقع الإخباري وهي أن التحالف السعودي لا يعرف من يقاتلون معه من اليمنيين الذين يجري إيهامهم أنهم أصبحوا جنوداً رسميين في قوات “الشرعية”، والدليل على ذلك أن الشرعية لم تكن تعرف كم هو عدد الأسرى التابعين لها المحتجزين لدى سلطات صنعاء الذين كانوا يقاتلون في الجبهات، وحتى اللحظة لا تزال قوات الشرعية تفتقر إلى الكشوفات والأسماء الخاصة بمن كانوا يقاتلون معها في مختلف الجبهات، وهذا ما كُشف أثناء مفاوضات استوكهولم بين سلطتي صنعاء والتحالف السعودي في ديسمبر العام الماضي، حيث بحثت الشرعية عن أسماء وبيانات الأسرى التابعين لها في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي مثّل فضيحة مدوية لها وللتحالف برمته، في حين كانت سلطات صنعاء ووفدها المفاوض جاهزين بكشوفات كاملة بشأن الأسرى التابعين لهم الموجودين لدى التحالف السعودي وحلفائه المحليين، وكانت كشوفات صنعاء تتضمن “الاسم، تاريخ ومكان الأسر، مكان تواجد الأسير وقت تقديم الكشوفات أثناء المفاوضات”.
تقول لطيفة “أم محمد” إنه عندما تم الاتفاق على تبادل للأسرى في ستوكهولم في ديسمبر 2018، ذهبت على الفور إلى السلطات في مأرب لتسجيل محمد على القائمة، ما يعني أن ابنها لم يكن موجوداً في قائمة وكشوفات سلطة الشرعية، ذلك يمثل استهتاراً بالآدمية والحق الإنساني من قبل سلطة “الشرعية” تجاه من تستغلهم للقتال نيابة عن القوات السعودية أو نيابة عن قوات الشرعية “الوهمية”.
-
مبادرة صنعاء الأحادية أحيت الأمل والسعادة في قلوب ذوي الأسرى
يقول الموقع البريطاني إن أسرة محمد كانت في قمة السعادة عندما علمت بجهود للإفراج عن الأسرى أثناء مفاوضات استوكهولم، لكن هذه السعادة لم تدم طويلاً، لكون عملية تبادل الأسرى لم تتم في ذلك الوقت.
-
مبادرة صنعاء تؤكد أن التحالف هو من عرقل اتفاق تبادل الأسرى في استوكهولم
فشل عملية التبادل تعثرت بسبب رفض التحالف السعودي من جهة ولعدم جاهزية “الشرعية” بكشوفات وبيانات عن أسراها، والتي اضطرت في الأخير إلى تقديم كشوفات تضمنت نصف الأسماء فيها ما بين (محكومين بأوامر قضائية في جرائم جنائية، ومعتقلين لدى جهاز المخابرات لانتمائهم لتنظيمات إرهابية كتنظيمي القاعدة وداعش ومن بينهم من وردت أسماؤهم في قوائم الولايات المتحدة للإرهاب، وأسماء وهمية وغير موجودة على أرض الواقع، وأسماء لأسرى سبق أن قامت سلطات صنعاء بالإفراج عنهم إما من جانب واحد أو عبر عمليات تبادل للأسرى مع الطرف الآخر).
يقول مراقبون إن مبادرة صنعاء بالإفراج عن 350 أسيراً تابعين للتحالف والشرعية بدون مقابل – مبدئياً – يؤكد أن من كان يعرقل تبادل الأسرى بعد اتفاق استوكهولم هو طرف التحالف السعودي الإماراتي.
ظلت أسرة محمد حزينة جداً لعدم نجاح عمليات تبادل الأسرى، إلى أن أعيد لها الأمل من جديد عندما أبلغتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ابنها محمد سيكون من الأسرى الذين قررت سلطات صنعاء الإفراج عنهم الأسبوع الجاري.
قالت لطيفة: “سافرت إلى صنعاء للاحتفال بإطلاق سراح ابني ولا يمكن لأحد أن يتخيل سعادتي عندما قابلت محمد خارج السجن”.