تقرير: السعودية في وضع متأزم للغاية بين ابتزاز الحماية غير المجدية وخيارات الحل المكلفة
واشنطن – المساء برس| تقرير: يحيى محمد| يرى مراقبون إن السعودية غرقت في شبكة معقدة من الأزمات منذ شنها حرباً على اليمن بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في مارس 2015، وبعد 4 أعوام ونصف من الحرب العبثية على اليمن لا يوجد أي مؤشرات تدل على قرب نهاية الوضع المتأزم في السعودية على ثلاثة مستويات رئيسية “سياسياً وعسكرياً واقتصادياً”.
ومما زاد الوضع تأزماً لدى السعودية هو دخول الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب في الوضع السعودي المتأزم بحرب اليمن، فبعد كل أزمة سعودية لم يزد دخول ترامب خط المواجهة إلا تعقيد الوضع لدى السعوديين، وحسب وسائل إعلام دولية، منها أمريكية، فإن آخر التدخلات غير الإيجابية الأمريكية في السعودية “تغريدة لترامب يقول فيها: هناك سبباً للاعتقاد بأننا نعرف الجانب – يقصد منفذي الهجوم الجوي على بقيق وخريص التابعتين لأرامكو – لكننا ننتظر أن نسمع من المملكة حول من يعتقدون أن يكون، وبأي شروط سنواصل العمل”، في الوقت ذاته قال ترامب أيضاً أن واشنطن يدها على الزناد وجاهزة للرد على من هاجم المملكة.
-
| ماذا يقصد ترامب بـ”بأي شروط سنواصل العمل”؟ |
عبارة “بأي شروط سنواصل العمل” التي وردت في تغريدة ترامب تشير إلى أنه يجهز لجولة جديدة من ابتزاز السعودية، ولكي يزيد ترامب من قيمة هذا الابتزاز ويرفع رصيد الكاش السعودي، ذهب ترامب إلى إبعاد التهمة عن الحوثي ووجهها إلى إيران، علماً أنه يدرك أن الرياض ليست في وارد دخول حرب مع إيران، بالتالي فإن أمامه فرصة ذهبية لابتزاز السعودية من خال تقديمه عرض الحماية بشكل أكبر والتي سيكون لها ثمنها وعبارة “بأي شروط سنواصل العمل” يقصد بها ترامب إمكانية التفاوض مع السعوديين بشأن ما سيدفعونه مقابل زيادة الحماية الأمريكية للسعودية.
لا تستطيع السعودية مواجهة الأمريكيين صراحة ومخاطبتهم بكونهم المسؤول الأول عن الفشل العسكري الذي وصلت إليه الدفاعات السعودية للتصدي للهجمات اليمنية، فكلا من الرياض وواشنطن يدركان أن صنعاء هي من تنفذ الهجمات على السعودية بمنشئاتها العسكرية والاقتصادية، لكن الرياض تخفي معلومات عسكرية إذا كشفت عنها صراحة فستكون في موقف محرج أمام العالم وأمام خصومها الرئيسيين في المنطقة، فالحماية الأمريكية للسعودية تصل إلى 80% من إجمالي قوة الردع السعودية، وعلى سبيل المثال يوجد في البحر الأحمر 3 بوارج أمريكية استأجرتها الرياض بطاقمها وقواتها منذ بداية الحرب على اليمن وتدفع الرياض ملايين الدولارات يومياً مقابل تكاليف عمل هذه البوارج ورغم ذلك لم تستطع هذه البوارج التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية التي تمر فوقها وتسلك طريقها عبر البحر ثم تدخل العمق السعودي لتضرب المنشأت العسكرية والاقتصادية.
-
| ترامب بين ابتزاز السعودية والتقرب لإيران |
يقول مراقبون إن الهجوم اليمني على منشآت أرامكو أربك الحسابات الأمريكية في الوقت الحالي. حيث يعمل ترامب حالياً على التقرب والتودد لطهران، ومن العناوين الرئيسية لهذا التقرب والتودد هو الإعلان عن مفاوضات سرية مع الحوثيين، وهو ما نفاه الأخيرين وكشفوا أنه مجرد تصريحات حتى الآن، ليتبين لاحقاً أن الأمر وما فيه هو محاولة سياسية في إطار كسب الشارع الأمريكي قبيل الانتخابات الرئاسية 2020، بالمثل أيضاً جاءت تصريحات ترامب عن استعداده للجلوس مع الرئيس الإيراني للبحث عن اتفاق يقضي بتخفيف العقوبات على طهران مقابل تخفيض برنامجها النووي، ومن الواضح أن حركة ترامب الأخيرة هدفها كسب ورقة سياسية يمكن استثمارها في معركته الانتخابية، وفي الوقت ذاته فإن ترامب إذا استطاع أن يتفق مع السعودية على مسألة تعزيز الحماية، وبالتالي تعزيز ضخ الأموال السعودية للخزينة الأمريكية، فسيكون ترامب قد كسب ورقة أخرى يقدمها لناخبيه ويقول بأنه استطاع حماية شريان العالم النفطي من الخطر، وذلك لأن أي اتفاق مع إيران ستشترط فيه واشنطن الضغط على أنصار الله في اليمن بوقف الهجمات على المنشآت النفطية السعودية، لكن المؤكد أن صنعاء لن تستجيب لدعوات طهران مهما كانت علاقة الود بينهما إلا في حالة واحدة هي تقديم كلاً من واشنطن والرياض ثمن وقف الهجمات على النفط السعودي ولعل هذا الثمن سيكون – معنوياً على الأقل – باهضاً بالنسبة للرياض التي ستبدو أنها استسلمت لليمن الذي يقوده أنصار الله.
-
| طبيعة الحماية الأمريكية وخيارات الرياض المأزومة |
من خلال الاطلاع على معلومات عسكرية حصل عليها “المساء برس” من مصدر عسكري يمني رفيع في صنعاء، فإن الدور الأمريكي العامل في الماكينة العسكرية السعودية كبير جداً وعميق لدرجة أن كبار الضباط السعوديين بعد كل هجوم ناجح لليمن على السعودية يوجهون الاتهامات للضباط الأمريكيين بالتقصير في عملهم والفشل في التصدي للهجمات، لكن السعودية لا تستطيع الاعتراف أمام الإعلام بأن من فشل في صد الهجمات اليمنية هم الأمريكيون الذين يعملون مقابل أجور سنوية تقدر بمئات الآلاف من الدولارات لكبار الضباط ومئات الملايين من الدولارات الموردة لصالح الخزينة الأمريكية مقابل تأدية هذه المهام العسكرية داخل السعودية.
وحسب المصادر العسكرية اليمنية فإن الحماية الأمريكية للسعودية أكبر مما تنشر وسائل الإعلام الأمريكية ذاتها وأن الأمر يصل إلى تفاصيل دقيقة جداً، “وعموماً لن تسمح واشنطن بأن تعترف الرياض بحقيقة الدور العسكري الأمريكي في الحرب على اليمن أو في إدارة العمليات العسكرية وحماية الأراضي السعودية من أي هجوم يمني”، فبقدر ما سيكون ذلك فضيحة للسعودية، فهو أساساً فضيحة أكبر لواشنطن، ولهذا ليس من المستغرب أن يجيب الأمريكيون على السعوديين بشأن الفشل في التصدي للهجمات اليمنية على أرامكو بإلقاء التهمة على طهران، ورغم أن السعوديين يدركون عدم صحة ادعاءات واشنطن إلا أنه ليس أمامهم سوى مجاراة تلك الادعاءات، وهو ما يعني أن المملكة في وضع متأزم جداً فلا هي قادرة على وقف الحرب ورفع صوتها عالياً أمام الأمريكيين ولا هي قادرة على مواجهة القدرات العسكرية اليمنية والاعتماد على نفسها بدلاً من الأمريكيين الذين يشفطون أموالها بدون نتيجة ملموسة على أرض الواقع ولا هي قادرة على كشف الحقائق وإعلان الانسحاب من حرب اليمن وترك اليمنيين لشأنهم وانكفائها حفاظاً على ما تبقى من ماء الوجه وحفاظاً على ما بقي لها من أموال قد يستنزفها ترامب في جولته الحالية الابتزازية.
-
| وضع معقد للغاية لكن الحل لا يزال متاحاً |
رغم تعقيدات الوضع بالنسبة للسعودية، إلا أنه لا يزال أمامها فرصة للخروج من أزماتها المتتالية ولا يتطلب الأمر سوى امتلاك الجرأة بحدها الأدنى أمام الأمريكيين.
فالسعودية إذا استسلمت للابتزاز الأمريكي الجديد، فلن يكون ذلك ذو جدوى، فهذا الابتزاز الذي سيقود إلى دفع الرياض مزيداً من الأموال لواشنطن لن يحميها من أي هجمات يمنية قادمة، لأن من فشل في التصدي للهجمات السابقة هم الأمريكيون العاملون في السعودية والمديرون لمنظومات الدفاع الجوي ومراقبة الأجواء والملاحة البحرية وهم أنفسهم من يطلبون مزيداً من الأموال مقابل تقديمهم مزيداً من الحماية، هذا أولاً.
ثانياً: لو افترضنا أن الرياض قررت مواجهة الأمريكيين بكلمة “كفى” و”نحن سننهي الحرب في اليمن وسنتفاهم مع الحوثيين، وخدماتكم العسكرية لحمايتنا أخذتم ما يكفي من الأموال لقاءها”، فإنه ليس من المستبعد أن تواجه الرياض حرباً أمريكية شعواء وليس من المستبعد أن تتبنى واشنطن خطاب العداء للسعودية أكثر من اليمنيين أنفسهم، وتتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان ومقاضاة السعودية جراء جرائم الحرب المرتكبة في اليمن منذ 5 سنوات من الحرب، كما ليس من المستبعد أن تحتجز واشنطن الأموال السعودية المودعة في البنوك الأمريكية المقدرة بـ700 مليار دولار.
ولا تحتاج الرياض للخروج من هذا المأزق إلا اتخاذ قرار جريء يقضي بـ: مد يد السلام إلى أنصار الله وحلفائهم في اليمن ووقف الحرب نهائياً وبهذا تضمن السعودية عدم تعرضها لهجمات من اليمن مرة ثانية بالتزامن مع تحرك دبلوماسي لإنهاء القطيعة مع إيران لضمان وقوف الأخيرة إلى جانبها في حال قررت واشنطن الانتقام من الرياض، وبالمحصلة هو قرار صعب بالنسبة للسعودية لكنه ليس مستحيلاً وليس أسوأ من سواه من الخيارات الضيقة التي تتقلص يوماً بعد آخر.