فوضى عارمة جنوب اليمن.. بداية مرحلة التصفيات والاغتيالات السياسية.. ما الذي يحدث؟

عدن – المساء برس| تقرير – يحيى محمد|
شهدت المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي بغطاء “الشرعية” تطورات أخيرة خلال الـ 6 أسابيع الماضية أدت إلى طرد من تبقى من مسؤولي “الشرعية” من عدن – برعاية سعودية وتنفيذ إماراتي – إلى الرياض، وتمكين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي من المدينة وجميع مقرات ومؤسسات ومعسكرات حكومة هادي المنفية بالإضافة إلى تمكينها من محافظات أبين ولحج والضالع ولا يزال النزاع مستمراً على شبوة وأجزاء من أبين.

وسبق أن نشر “المساء برس” في تقارير وتحليلات سابقة عن أن ما شهدته المحافظات الجنوبية مؤخراً سيتبعه حالة من الانفلات الأمني المفرط، خلافاً لما تم التأكيد عليه من أن المرحلة المقبلة في الجنوب ستشهد حملة تصفيات واغتيالات سياسية، وبالنظر لحالة الصراع الدامي الذي شهدته المحافظات الجنوبية منذ استقلالها من الاحتلال البريطاني وصولاً إلى ما قبل عام 1990م والتي اتسمت بالتصفيات الجسدية حسب الهوية والمنطقة، فإن التوقعات لما سيحدث في المحافظات الجنوبية بعد الأحداث الدموية الأخيرة التي رعتها كلاً من السعودية والإمارات، ستكون مشابهة إلى حد كبير لما حدث في العقود الماضية، وهو بالفعل ما يحدث اليوم جنوب اليمن من تصفيات لا تطال الخصوم السياسيين والعسكريين لكل طرف من طرفي الصراع هناك فحسب بل تجاوزتها إلى التصفيات حسب الهوية وبموجب مكان صدور البطاقة الشخصية ولقب حاملها.

مفخخات

صباح اليوم الخميس أصيب جندي ومواطن إثر انفجار عنيف هز مدينة شبام في الساعات الأولى من صباح اليوم بوادي حضرموت.
ووفق مصدر عسكري تم تفخيخ دراجة نارية وتفجيرها عن بعد قرب مقر للسلطة المحلية بمديرية شبام، الهدف كان “القوة المرابطة التي تقوم بمهمة التعزيز الأمني”، النتيجة: إصابة جندي وجرح مواطن واحتراق 3 سيارات.
في حضرموت أيضاً افادت وسائل إعلام، اليوم، بان مواطنين عثروا على جثة شاب مقتول على مشارف مدينة المكلا، مركز المحافظة، ونُقل عن مصادر مقربة من أسرة الضحية أن الشاب محمد جعفر لحمدي عُثر عليه مقتولاً بمنطقة نائية تبعد 6 كيلو مترات عن المكلا، وذلك بعد أن تم اختطافه الأحد الماضي، والضحية يعمل سائق تاكسي وانقطع عنه الاتصال منذ يوم اختطافه.

قتل في وضح النهار

في هذا اليوم أيضاً، ولكن في عدن – معقل الانتقالي – قُتل مواطنان اثنان في حادثين منفصلين، الأول على يد مسلحين أطلقوا النار عليه من مسدس كاتم للصوت، ويدعى محمد باديب، في الشيخ عثمان، وحسب الشهود، فإن المسلحين لاذوا بالفرار.
أما الثاني فيدعى أيمن حسن، وهو شاب، قتل برصاص مسلحين تابعين للانتقالي في إحدى نقاط التفتيش بمدخل منطقة المعلا، وبحسب أسرة الضحية فإن “المسلحين التابعين للنقطة أطلقوا النار على أيمن أثناء محاولتهم احتجازه مع أشخاص آخرين”، وقد جرى نقله إلى المستشفى لكنه فارق الحياة.

طرف ثالث

هناك من يقول في عدن بأن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات تتحول إلى طرف ثالث إذا ما تدخلت في فض اشتباك بين جماعتين مسلحتين أو مجموعتين من المواطنين تتشاجران على قضية معينة أو عقار معين، فمثلاً شهدت مديرية الشيخ عثمان في عدن مواجهات مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة اندلعت في حي السيسبان بين مسلحين من حي “السيلة” وآخرين من حي “المحاريق”، وسبب الاشتباك “نزاع بين الطرفين حول ملكية بعض الأراضي”، غير أن قوات الحزام الأمني التابعة لانتقالي حين تدخلت لم يتوقف الاشتباك ولا تزال مستمرة حتى اللحظة منذ يوم أمس.
بما أن المجلس الانتقالي هو السلطة الفعلية في عدن وبما أن الحزام الأمني هو السلطة الأمنية حالياً هناك فإن المفترض بهم أن يمارسوا سلطة الدولة، غير أن ما يحدث في مناطق سيطرة الانتقالي ليس كذلك، إذ يتدخل الانتقالي فقط ليكون طرفاً ثالثاً في النزاع ليصل الأمر إلى دعم طرف ضد آخر أو – وهو ما يحدث في معظم الأحيان – إلى منازعة الطرفين على العين المتنازع عليها ويصبح بهذا الانتقالي – الذي يفترض به أنه سلطة أمر واقع – طرفاً في النزاع وخصماً للمواطنين في المحافظات الجنوبية التي يسيطر عليها.

تصفيات سياسية لا أكثر

انا ارفض مشروعك وارفض تبعيتك وارفض بيعك للبلاد وهذا لايعني اني مؤتمري أو عفاشي أو اصلاحي أو حوثي .. بن لزرق

واصفاً ما يحدث جنوب اليمن يقول الصحفي اليمني فتحي بن لزرق، إن مشكلة جنوب اليمن هي أن “المشاريع الفاشلة يُعاد تطبيقها مرتين رغم كارثيتها”.

ويضيف بن لزرق في مقال على صفحته الشخصية بـ”الفيس بوك”: “في السبعينات وُصم المعارضون بإنهم “امبرياليون” خونة يعملون لصالح امريكا والخليج وبعد سنوات طويلة اكتشف الناس ان هؤلاء الخونة كانوا اشرف الناس واصدقها ولم يكونوا لا امبرياليين ولا عملاء وبعد عقود ارتمى من اتهمهم في حضن الخليج وامريكا”.
ويؤكد الصحفي وهو رئيس تحرير موقع “عدن الغد” إن ما حدث في الجنوب في تلك الفترة بقوله “كان الأمر بمجمله “تصفيات سياسية” لا أكثر”، مؤكداً أن الشيء ذاته يحدث اليوم، بل وأكثر من ذلك، وبنفس المنطق وبنفس الأدوات، مضيفاً “وبعد سنوات من اليوم سيأتون ليعتذرون للناس لتظل الناس تدور في نفس الدائرة المخضبة بالدم والكراهية والانتقامات”.

موقف مشرف

يبدو أن صنعاء ومن يحكمها هي الطرف الوحيد الذي فهم ما يحدث في الجنوب منذ اليوم الأول، وخلافاً لمجمل التصريحات للساسة في صنعاء والتي خاطبت جميع الأطراف المتصارعة جنوب اليمن، بالتعقل والعودة إلى طاولة الحوار وترك التمسك بالتحالف السعودي الإماراتي وإدراك أن الحل في اليمن لن يكون إلا بالحوار اليمني اليمني من غير تدخل أي طرف خارجي على الإطلاق، إلا أن قيادة صنعاء فضّلت السير في إجراءات دعوات مسؤوليها هذه بشكل رسمي، فبادرت إلى تشكيل “لجنة المصالحة الوطنية”، لجنة رسمية تحظى بدعم سياسي ومتابعة من رأس هرم السلطة بشكل مباشر، واختير فيها جملة من الشخصيات السياسية والاجتماعية المقبولة لدى جميع الأطراف والمشهود لها برجاحة العقل والمنطق والطرح.

هدف اللجنة ومهامها يبدو وفق ما ورد في مسودة “الرؤية الوطنية 2030” التي وضعتها سلطة صنعاء كبرنامج عمل لها لـ11 عاماً أنه لن يقتصر على تحقيق المصالحة الوطنية مع الأطراف الموالية والداعمة والتي تقاتل حتى اليوم مع التحالف السعودي الإماراتي، رغم ما بدر من هذا التحالف تجاهها، بل يشمل عملها أيضاً أهدافاً أوسع، لدرجة أن خصوم سلطة الأمر الواقع بصنعاء من أنصار “الشرعية” شهدوا لهذه السلطة وقرارها بتشكيل لجنة المصالحة الوطنية في هذا التوقيت تحديداً “بالموقف المشرف”.

حركة ذكية

وفي الحقيقة لم تكن سلطة صنعاء بحاجة لتشكيل لجنة المصالحة الوطنية وتدشين عملها في هذا التوقيت تحديداً، فالأحداث التي شهدتها المحافظات الجنوبية أكسبت سلطة صنعاء ثقة شعبية أوسع بما في ذلك ثقة شعبية في المحافظات الجنوبية، وبات “العدو قبل الصديق” يعترف أن ما يحدث في الجنوب لا يخدم إلا “جماعة أنصار الله وحكومة صنعاء” ويؤكد صحة ما يقولونه ويحذرون منه منذ بداية الحرب على اليمن.

وقد بدأت موازين القوى تتجه بقوة نحو سلطة صنعاء، وبالتالي – وفق مراقبين – فإن سلطة صنعاء لم تكن مضطرة لتقديم تنازل في هذا التوقيت حالياً في الوقت الذي ينهار فيه خصومها المتعددين وهم يتصارعون فيما بينهم، ويسارعون عبر قياداتهم إلى الاتصال بصنعاء بشكل سري.

إنها حركة ذكية أثبتت فيها صنعاء – وفق شهادات ناشطين سياسيين داعمين للشرعية ومن أوائل المؤيدين للتدخل العسكري الخارجي في اليمن – أنها تسعى بالفعل لتحقيق السلام الشامل والعادل في اليمن وأنها جادة في ذلك، ولو كانت سلطة صنعاء تشعر بشيء من الغرور والاستعلاء والانتفاخة جراء ما يحدث في المحافظات الجنوبية بين خصومها، لكانت تركت هؤلاء الخصوم حتى يأتوا هم لطلب المصالحة مع صنعاء، وليس تشكيل لجنة للمصالحة والمبادرة بدعوة الخصوم للمصالحة الوطنية، وهي خطوة من صنعاء يجب احترامها من قبل الخصوم لأنها أرادت أن تحتفظ لخصومها بكرامته.

تأكيداً على ذلك يقول القيادي في جماعة أنصار الله وعضو المكتب السياسي للجماعة محمد البخيتي “تدشين لجنة المصالحة الوطنية والحل السياسي لعملها اليوم بالتزامن مع ميل موازين القوى لصالح القوى الوطنية “التي تدافع عن سيادة وإستقلال اليمن” يؤكد على جديتها في تحقيق السلام الشامل والعادل.. نأمل من المكونات السياسية التي استدعت العدوان أن تستجيب لدعوات التصالح والتسامح والسلام من أجل بناء عملية سياسية تقوم على أساس مبدأي الشراكة العادلة والتوافق مالم فإن الشعب سيتجاوزها”.

قد يعجبك ايضا