واشنطن وأحداث الجنوب.. سيناريو المرحلة المقبلة ودور أنصار الله وقبائل الجنوب
تقرير خاص – المساء برس| من خلال تصريحات مسؤولين أمريكيين على وسائل الإعلام ومنها الجزيرة ومنهم السفير الأمريكي لدى اليمن سابقاً جيرالد فيرستاين، تبين أن السياسة الأمريكية متطابقة مع السياسة السعودية والإماراتية في التعامل مع أحداث عدن وما تبعها، وهي تطبيع الأوضاع في الجنوب على قاعدة “عدم الاستقرار وعدم الحسم لأي طرف” وإبقاء الأدوات المتصارعة في حالة تأهب ويدها على الزناد من جهة، والتحكم بالتصعيد العسكري تارة والتهدئة تارة ثانية من جهة أخرى.
| الموقف الأمريكي ودورها المتوقع مما يحدث جنوب اليمن بين الشرعية والانتقالي |
الواضح أن السياسة الأمريكية هي من تصنع القرار والسعودية والإمارات تنفذان سياسة أمريكا، حيث أن خطاب واشنطن ومسؤوليها متطابق تماماً مع خطاب الرياض وأبوظبي ومسؤوليها فيما يتعلق بتبريرات الدول الثلاث لما حدث ويحدث في عدن وجنوب اليمن عموماً.
الخارجية الأمريكية أصدرت بياناً بعد أن سيطر الانتقالي على معظم المعسكرات في عدن، دعت فيه جميع الأطراف إلى ترك العنف والجلوس إلى طاولة حوار وأن أي صراع في اليمن لن يزيد الوضع في اليمن إلا سوءاً وأن أي قتال سيطل أمد الحرب.
كان من الواضح أن الأمريكيين يحاولون ألا يكونو في الصورة خلال أحداث عدن على عكس البريطانيين الذين ربما قد يكونوا استغلوا المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث وهو بريطاني الجنسية، في هذه الأحداث والذي التقى في أبوظبي بعيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي قبل يوم واحد من بدء أحداث عدن.
الأمريكيون لا يزالون يتبنون وقوفهم مع الشرعية، وفي الوقت ذاته يتعاطون مع أحداث عدن بنفس الآلية والتعاطي السعودي والإماراتي.
جميع المسؤولين الأمريكيين والمحللين والسياسيين يجمعون على حقيقة واحدة وهي أن واشنطن هدفها صناعة سلطة حاكمة في اليمن تكون تابعة كلياً للإدارة الأمريكية، وليس ذلك فحسب، بل إن هدف واشنطن وما تسعى وسعت إليه من بداية الحرب وحتى الآن هو التغلغل في صناعة المسؤولين اليمنيين وتمكينهم من مناصب تمكنهم من صناعة القرارات وتمرير السياسات التي تطلبها وتريدها أمريكا في اليمن، سواءً كان هؤلاء المسؤولون سيتولون هذه المناصب حالياً أو حتى في حكومات لاحقة.
من المراكز الحساسة التي يعمل الأمريكيون على السيطرة عليها في مؤسسات السلطة في اليمن، هي المراكز والوحدات العسكرية مثل “الاستخبارات العسكرية، خفر السواحل، القوات البرية المنتشرة في الحدود”.
ولا يعترف الأمريكيون صراحة بهذا المشروع لكنهم يعبرون عن هدفهم من خلال الحديث عن أن أمريكا تريد مساعدة اليمن وإنهاء الانقلاب، وأن أمريكا لها هدف أساسي وهو مساعدة الحكومة اليمنية في استعادة سلطتها ومساعدتها في بناء مؤسساتها الأمنية والعسكرية وهذا ما يجمع عليه جميع المسؤولين السياسيين والمحللين الأمريكيين.
ويحاول المسؤولون الأمريكيون التعبير عن عدم اهتمامهم كثيراً لما حدث ويحدث في المحافظات الجنوبية لليمن مؤخراً، وذلك من خلال الترويج على أن ما يحدث هو “أحداث عرضية وتفاصيل صغيرة من المتوقع حدوثها هنا وهناك في ظل التعقيد في الطبيعة التي ترسم الصراع في اليمن” وأن هذه التفاصيل لا تهتم ولا تركز ولا تتدخل فيها الإدارة الأمريكية وأنها فقط تهتم بشيئين رئيسيين هما “محاربة التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وعدم تمكين إيران من اليمن” وأن ما دون ذلك مجرد تفاصيل صغيرة لا تتدخل فيها السياسة الأمريكية.
هنا وبحسب محللين سياسيين عرب فإن هذا التوصيف الأمريكي لما حدث جنوب اليمن واعتباره أمراً عادياً، هو بمثابة التبرير الأمريكي ومؤشر على أن ما حدث في عدن بعلم واشنطن وربما بدعم منها عبر وكلائها الرياض وأبوظبي.
| المستفيد مما حدث جنوب اليمن |
الواضح أنه: غير صحيح أن أنصار الله هم المستفيدون مما حدث في عدن، والصحيح هو أن العدو الأول لأنصار الله وهي “الإدارة والسياسة الأمريكية” هي المستفيدة الاستفادة القصوى من أحداث عدن.
فلقد قال الأمريكيون في بيانهم بعد سيطرة الانتقالي على عدن، إن أي صراع وقتال وتصاعد للعنف جنوب اليمن سيطل أمد الحرب، وهذا بالضبط ما تريده واشنطن على وجه التحديد وهو “إطالة أمد الحرب في اليمن”.
| لماذا اللجوء لتفتيت الجنوب طالما الهدف هو إطالة أمد الحرب؟ |
واشنطن هي الآمر الناهي للحرب في اليمن، وكان بإمكانها أن تطيل الحرب في البلاد من دون اللجوء لأحداث عدن ومن دون الحاجة لتمكين الانتقالي من السيطرة العسكرية وبسلاح التحالف على عدن، وربما الجنوب لاحقاً، لكنها – أي واشنطن – والإدارة الأمريكية وصانعي السياسة فيها – يدركون أيضاً أن المجتمع الدولي لم يعد يحتمل تبريرات واشنطن وغطاءها السياسي والعسكري المفتوح للرياض وأبوظبي، وبالتالي لا بد من إيجاد صيغة جديدة للحرب في اليمن تسمح باستمرارها مع تغيير الأدوات والعناوين.
بشكل مختصر يمكن القول إن استمرار الحرب في اليمن للعام الخامس يجب أن يأخذ شكل وتوصيف وفاعلين جدد.
لمعنى أن الحرب منذ 5 سنوات أبرز عناوينها: الحوثيين، الانقلاب، الشرعية، التحالف السعودي الإماراتي، إنهاء الانقلاب، دعم واستعادة الشرعية ودعم التحالف.
ومنذ 5 سنوات لم يتغير شيء سوى تلطخ سمعة واشنطن بالتسبب بأكبر كارثة إنسانية في العالم للقرن الـ21.
بالتالي فإن أمريكا تسعى لإطالة الصراع في اليمن ولكن بشكل وأدوات جديدة بحيث تبقى السعودية والإمارات تشتريان السلاح الأمريكي بهدف حماية نفسها وبدلاً من محاربة “الانقلاب” المزعوم، واستعادة “الشرعية” المزعومة، التي لم ولن تعود، يتم خلق صراع جديد تكون فيه السعودية والإمارات عدوين لبعضهما البعض بدلاً من بقائهما حليفين وبدلاً من استمرار الفشل في محاربة أنصار الله، تكون هناك محاربة “الانفصاليين” أو على الأقل إدارة الحرب بين “الشرعية” و”الانتقالي” وهذا السيناريو سيطيل الحرب لعام أو لعامين قادمين على الأقل.
| الهدف إطالة الصراع في المنطقة أياً كانت أطرافه |
وفقاً لما يراه سياسيون يتابعون مسار الأحداث في الشرق الأوسط عموماً والجزيرة العربية خصوصاً فإنه من غير المستبعد أن تكون أمريكا قد ابتكرت فكرة وأسلوب جديد لإطالة الصراع والحرب ومن الممكن أن يكون هناك أدوات صراع جديدة ومن الممكن أيضاً أن يمتد هذا الصراع إلى خارج اليمن، فالمهم بالنسبة لواشنطن هو إبقاء المنطقة مشتعلة أطول فترة ممكنة وإبقاء دول البترودولار فاتحة خزينتها أمام أمريكا.
| البقاء للأقوى.. والأقوى هي صنعاء وأنصار الله |
على مدى السنوات العشرين الماضية أثبتت لنا السياسة الأمريكية في المنطقة أن البقاء للأقوى، واليوم القوي على أرض الواقع هم جماعة أنصار الله وحكومة صنعاء.
ذلك يعني أن قطع الطريق على أمريكا لمواصلة تنفيذ مخططها أو على الأقل دفعها لنقل هذا الصراع من اليمن إلى خارجه، وتجنيب البلاد المزيد من الدمار والقتل، لتحقيق هذه الغاية يجب على كل فرد في المجتمع اليمني أن يدرك أن استمرار تصاعد القوة العسكرية للجيش اليمني واستمرار قوة أنصار الله وقوة القبائل اليمنية، هو أمر ضروري جداً لقطع الطريق على الأمريكيين لاستكمال تنفيذ مخططهم.
الأمر الآخر الضروري جداً لقطع الطريق على واشنطن، هو بيد الأدوات التي تنوي واشنطن استخدامها في اليمن لإطالة هذا الصراع وتجديده، وبالطبع فإن على رأس هذه الأدوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” وإلى جانبه “القبائل اليمنية الجنوبية”، فهؤلاء بيدهم أن يحولوا موقعهم من أدوات بيد الغرب إلى حلفاء وشركاء مع أنصار الله ليشكلوا جميعهم قوة إقليمية يضرب لها الأمريكي والخليجي ألف حساب، وتؤثر سياساتها واستراتيجيتها على موازين القوى في المنطقة بل والشرق الأوسط بأكمله.
وسيحدث ذلك فقط إذا استمرت صنعاء وأنصار الله في زيادة قوتهم وتعاظمها ونموها بالتزامن مع سحب الجنوبيين أنفسهم تدريجياً من تحت العباءة الخليجية والتكتيك تدريجياً أيضاً للتحالف أو الانضمام لأنصار الله وسلطة صنعاء.
حينها فقط سيقرر الأمريكي أن يبحث له عن بقعة جغرافية أخرى غير اليمن ليكمل فيها سياسة إدارته للصراع في المنطقة ويبقي على أموال الخليج مستمرة في التدفق إلى الخزينة الأمريكية.