“بازار بصنعاء” بخور وعطور اليمن نحو إنتاجها وتصديرها بـ450 مليون دولار
صنعاء – المساء برس| تقرير – يحيى الشرفي|
يبدو أن الحصار على اليمن سيتحول إلى فرصة ذهبية للنهوض بالصناعات المحلية والمنتجات الأسرية التي بدأت بعض الأسر تتحول من الإنتاج على مستوى الأسرة إلى مؤسسات وشركات وأصحاب علامات تجارية تنافس بضائعها ومنتجاتها البضائع والمنتجات المستوردة ومن أرقى الأنواع والصناعات.
هذا ما تبين لـ”المساء برس” من خلال النزول الميداني الذي أجراه طاقم الصحيفة للبازار الذي الذي أقامته مؤسسة بنيان، وقامت بدعوة الأسر المنتجة لعرض منتجاتهم مجاناً في المعرض.
و”بنيان” هي مؤسسة تنموية تتبع جماعة “أنصار الله” تم إنشاؤها بهدف قيادة الدور الذي يفترض بمنظمات المجتمع المدني القيام به لدعم المجتمع المحلي ودفعه للإنتاج المحلي والنهوض بالواقع الاقتصادي المحلي.
| منتجي البخور والعطور |
سنكتفي في هذا التقرير بالتطرق لمنتجين اثنين من صناعات الأسر المنتجة اليمنية وهما البخور والعطور، وفي تقارير قادمة سنتطرق إلى القفزة النوعية التي بدأ المجتمع اليمني يشهدها في مجال الصناعات المحلية والمنتجات البديلة للمنتج المستورد نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع.
كانت اليمن تعتبر إمبراطورية البخور في العالم وكان ميناء المخا مركزاً تجارياً هاماً لتصدير البخور اليمني إلى مختلف ممالك وإمبراطوريات أوروبا وآسيا وأفريقيا، وبإمكان اليمن في الوقت الراهن أو بعد رفع الحصار الذي يفرضه التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات وتدعمه وتشرف عليه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، استعادة الريادة في مجال إنتاج البخور وتصديره إلى مختلف دول العالم، كيف؟ هذا ما خرج به “المساء برس” من استنتاجات بعد المعلومات والأرقام التي خرج بها من البازار الرمضاني المجاني الذي أقيم في ثانوية جمال عبدالناصر.
| سوق الخميس |
سوق الخميس هو سوق ستقوم مؤسسة بنيان بافتتاحه في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء بحيث يتم عرض المنتجات المحلية الصنع التي تنتجها الأسر من مختلف الأصناف والأنواع، وسيكون موعد هذا المعرض هو كل خميس من كل أسبوع، بحسب ما صرحت به أحلام الضياني ضابط مشروع الأسر المنتجة ومندوبة المؤسسة في البازار المجاني المقام بثانوية عبدالناصر والمستمر منذ 15 رمضان وحتى 28 من الشهر الكريم.
| المُنتِجة وئام نعمان |
تقول وئام نعمان وهي من محافظة عدن، أنها تستفيد من البازارات والمعارض المفتوحة التي تقام لعرض المنتجات لأنها تتمكن من بيع منتجاتها بكميات كبيرة على عكس باقي الأيام التي تبيع فيها بضاعتها المنتجة محلياً، سواءً بشكل مباشر أو عبر نقاط البيع التي تتعامل معها.
تنتج وئام المواد الأساسية والأولية التي تصنع منها مادة “البخور”، ومن المعروف أن البخور هو من ضمن المنتجات المحلية الصنع القليلة جداً في اليمن، لكن وئام تمكنت من إضافة سلعة جديدة للسوق المحلية فبدلاً من أن تقوم وئام بشراء المواد الأساسية التي يتم استيرادها أصلاً من الخارج لصناعة البخور، قامت وئام بإنتاج هذه المواد الأساسية إلى جانب إنتاجها أيضاً للبخور.
| 10 آلاف ريال هي صافي أرباح وئام من إنتاج وبيع البخور |
تحدثت وئام لـ”المساء برس” بالقول إنها تشتري المواد الأولية لصناعة البخور أو تقوم بإنتاجها بنفسها بتكلفة 5 آلاف ريال ومن هذه المواد وبهذه التكلفة تستطيع وئام من إنتاج 8 أقراص بخور ذات جودة عالية وبسعر يتراوح ما بين 1500 إلى 2500 ريال للقرص الواحد، وهي تبيع في البازارات والمعارض المفتوحة وتبيع في الأحياء السكنية بحكم علاقاتها الشخصية بين النساء ولديها نقاط بيع تتعامل معها مثل محلات أدوات التجميل ومحلات العسل أو التحف.
بعد تلقي وئام دورات تدريبية لتحسين منتجها وزيادة إنتاجها وتسويق المنتج تحصل على متوسط صافي أرباح شهري يبلغ 10 آلاف ريال، وهو مبلغ لا يزال قليلاً، لكنها لم تكتفِ بإنتاج البخور فقط بل اتجهت لإنتاج وصناعة “المعمول والمبسوس والعودة الملبسة” وهذه هي المواد الخام والأولية لصناعة البخور، وتتوقع وئام أن يزيد معدل دخلها وإنتاجها إذا حصل على مساعدة في مجال الترويج والتسويق لمنتجاتها.
في اليمن تعمل عدد كبير من النساء في إنتاج أقراص البخور، ولكن للأسف لم يجد هذا النشاط في عهد الأنظمة السابقة، الدعم اللازم والتنسيق والسياسة العامة التي كان يفترض أن تضعها الدولة للنهوض بهذا النشاط وجعله رافداً اقتصادياً للبلاد بشكل عام.
| دعم بنيان لمنتجي البخور |
إلى جانب توفير المكان المجاني لعرض المنتجات وإقامة الدورات التدريبية العملية لتأهيل المنتجين والترويج لمنتجاتهم عبر الإنترنت وتوفير نقاط البيع في الأسواق وهو ما تقدمه مؤسسة بنيان من دعم للمنتجين إلى جانب أنواع أخرى من الدعم، فإن بإمكان المؤسسة أيضاً القيام بدور أكبر وأكثر جدوائية لرفد القطاع الاقتصادي للبلاد من خلال استغلال الأيادي العاملة من النساء المنتجات لمادة البخور وتوفير المواد الخام بسعر رخيص كي يتمكن من إنتاج كميات أكبر وبتكلفة رخيصة وبكميات تجارية تسمح بتصديرها للخارج.
تقول المنتجة وئام إن أكبر عائق في إنتاجها للبخور هو أن المواد الأولية إذا قامت بشرائها ولم تنتجها بنفسها تكلفها مبالغ كبيرة وذلك لأنها لا تشتري بكميات كبيرة بل تشتري بقدر ما تحتاجه لإنتاج كميات قليلة من أقراص البخور، وهنا يمكن لمؤسسة بنيان أن تقوم بتوفير المواد الأولية لمنتجي البخور بكميات كبيرة جداً وذلك كون سعرها عند الشراء بكميات كبيرة سيكون مختلفاً عما لو كان الشراء بالتجزئة وبعد ذلك تقوم المؤسسة ببيع المواد الأولية للمنتجين بسعر التكلفة وبدون ربح، هذا أولاً.
ثانياً، بإمكان المؤسسة أن تجمع أكبر قدر ممكن من النساء المنتجات لأقراص البخور وتدريبهن على إنتاج المواد الأولية اللازمة لصناعة البخور بدلاً من استيرادها، ومن ثم دفع النساء المنتجات لإنتاج كميات كبيرة من أقراص البخور، وحسب ما تقول وئام فإن بإمكانها إنتاج 30 قرصاً من البخور في اليوم الواحد، وهو ما يعني أن بإمكانها إنتاج 900 قرص خلال الشهر الواحد وهذه الكمية من مُنتجة واحدة فقط، فكيف لو كان عدد المنتجات للبخور يبلغ (10) آلاف امرأة تُنتج كل واحدة منهن نفس الكمية؟، وبعملية حسابية بسيطة يمكن القول إن بإمكاننا وكحد أدنى إنتاج 9 ملايين قرص بخور في الشهر الواحد أي أن الإنتاج السنوي سيكون (108) ملايين قرصاً من البخور سنوياً ويمكن تصديرها للخارج، وعلى افتراض أن سعر القرص الواحد من هذا المنتج يبلغ 4 دولارات فقط فإن العائد السنوي من بيع هذه الكمية سيبلغ ما يقرب من 450 مليون دولار.
| الطفل محمد الحكيم يُنتج 50 قارورة عطر شهرياً |
في البازار التقى “المساء برس” بالطفل محمد الحكيم (15) عاماً، وقد اضطر محمد للعمل لإعالة أسرته التي تعرض عائلها الوحيد “والد محمد” للأسر لدى قوات التحالف السعودي الإماراتي.
ينتج محمد عطوراً محلية، مستخدماً أدوات ومواد أولية يشتريها من السوق وفي الغالب تكون هذه المواد مستوردة، وتقول بعض النساء المُنتِجات المتواجد في البازار إنه بإمكان مؤسسة بنيان أن تقوم بدعم مشاريع لإنتاج المواد الأولية المستخدمة في صناعة العطور بدلاً من استيرادها.
يستطيع محمد، على الرغم من صغر سنه وعلى الرغم من أنه لا يعمل إلا في أوقات الإجازات والعطل المدرسية، إنتاج 50 قارورة عطر شهرياً، وبدعم بسيط وبرنامج مدروس يمكن لمنتجي العطور أن يغطوا جزءاً كبيراً جداً من احتياج السوق المحلي من العطور وإبقاء النسبة الأقل للمنتجات المستوردة.
يستورد التجار كميات كبيرة من العطور الخارجية رديئة الجودة وبدرجة كبيرة جداً من الرداءة ورغم ذلك تجد هذه المنتجات طريقها إلى المستهلك اليمني الذي يبحث عن المنتجات المستوردة ظناً منه أنها ذات جودة أفضل من المتنجات المحلية، وهناك يمكن أن تمارس مؤسسة بنيان دوراً في تحويل المستهلك بشكل غير مباشر إلى اقتناء المنتجات المحلية من العطور، إذ بإمكان المؤسسة التخاطب مع الجهات الرسمية والطلب منها تخفيض نسبة العطور المستوردة من الخارج من ناحية ومنع استيراد المنتجات الرديئة من العطور نهائياً مقابل تعزيز السوق بالمنتج المحلي كي يجد المستهلك نفسه أمام منتج محلي ذات جودة عالية وبسعر رخيص ومتوفر في السوق.