دلالات الهجوم اليمني على مطار نجران الإقليمي.. التوقيت وظروف الإقليم
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
استهدفت القوات اليمنية باستخدام الطيران المسير مطار نجران الإقليمي جنوب السعودية وأخرجته عن الخدمة في هجوم هو الثاني على التوالي خلال أسبوع واحد يستهدف منشآت حيوية اقتصادية داخل العمق السعودي.
الهجوم الذي وقع في ساعات الفجر الأولى من اليوم الثلاثاء واستهدف مخزناً للأسلحة في مطار نجران أدى إلى اشتعال النيران لمدة طويلة، أدى إلى إخراج المطار عن الخدمة، لكون المطار الذي أعادت الرياض افتتاحه وتشغيله من جديد مطلع رمضان بعد توقف دام 4 أعوام بسبب الهجمات اليمنية على نجران ومعسكراتها، وهو ذاته المطار الذي لا يزال يستخدم كقاعدة جوية عسكرية لانطلاق الطائرات المقاتلة التي تقصف داخل اليمن، ما يعني أن الهجوم استهدف عصباً اقتصادياً آخر للرياض بالنظر إلى توقفه عن العمل بعد أيام فقط من إعادة تشغيله.
| توازن رعب وقوى |
ورصد “المساء برس” مواقف لمراقبين ومحللين عرب وأجانب بشأن هذا التصعيد، أدلوا بتصريحاتهم لوسائل إعلام عربية وعالمية، بعضهم يقول إن ما حدث “تطور لافت إذا ربطناه بما حدث خلال الأسبوع الماضي سواء لنفط ينبع أو عملية الفجرية المجهولة بالإمارات، فهو تطور يشير إلى شيء من توازن الرعب لدى الطرفين”، هذا الرأي يوافقه القيادي في جماعة أنصار الله وعضو الوفد الوطني المفاوض عن صنعاء عبدالملك العجري والذي قال أمس الإثنين إن السلام لا يتحقق إلا بخلق ظروف إقليمية عادلة وعلاقات متكافئة ومصالح مشتركة.
وقال العجري في تغريدة على حسابه بتويتر إن “الذي يهدد السلام والاستقرار هو من يعمل على تكريس الهيمنة والوصاية وفرض شروط مجحفة للعيش المشترك”، مشيراً إلى أن “تصحيح الوضع وإعادة التوازن لا يتحقق بإقفال ملفات المقاومة وبناء قدرات دفاع وردع ذاتية وتبويس الذقون”.
تغريدة العجري يراها مراقبون بأنها تأتي تفسيراً لتوجه قوات صنعاء نحو استغلال القدرات العسكرية التي تم تطويرها خلال الفترة الماضية وتمكنت من خلالها تحقيق توازن عسكري شبه جزئي مع التحالف السعودي الإماراتي عسكرياً في مجال الهجمات الجوية باستخدام الطيران المسير.
وتشير تغريدة العجري إلى أن جماعة أنصار الله ترى بأن تحقيق تكافؤ قوى في المنطقة هو ما سيدفع إلى إنهاء الحرب على اليمن.
| ليست في سياق التوتر الإيراني الأمريكي.. واستراتيجية يمنية منفصلة عن طهران كلياً |
بالعودة إلى دلالات تنفيذ قوات صنعاء هجومها الثاني الذي استهدف مطار نجران الإقليمي والذي يعد الهدف الثاني من قائمة تضم بنك أهداف من 300 هدف عسكري وحيوي، حسب تعبير وزارة الدفاع بصنعاء في تصريح لها عبر مصدر عسكري أرادت من خلاله إرسال رسالة للسعودية، علّها تدركها، بالعودة إلى دلالات تنفيذ هذا الهجوم يرى البعض بأنه “يأتي في السياق الإقليمي المتفجر ما بين أمريكا وإيران بدعم وتحريض من السعودية ضد الطرف الإيراني”، وفقاً لما طرحه الباحث السياسي مختار الشنقيطي في مقابلة له على قناة “الجزيرة” القطرية في ملف الحصاد الذي تم تخصيصه لمناقشة الضربة اليمنية على مطار نجران، لكن هذه الجزئية لا تزال مشكوكة في صحتها، أي أنه لم يثبت حتى الآن إن كانت هجمات قوات صنعاء مؤخراً تأتي في سياق تصاعد التوتر بين أمريكا وإيران، وذلك لأن مراكز الدراسات الأمريكية هي نفسها تنقل عن زعماء سياسيين كانوا من مستشاري رؤساء البيت الأبيض السابقين قولهم أن الحوثيين في اليمن لا يمثلون ذراعاً لإيران وأن ما تسوقه واشنطن وتحالفها في الخليج من تصريحات مبالغ فيها بشأن علاقة صنعاء بطهران.
يضاف إلى ذلك تأكيد مراكز الدراسات الأمريكية أن إيران لا تستطيع مطلقاً التحكم أو التأثير في جماعة أنصار الله في اليمن، الأكثر من ذلك هو أن هذه المراكز بدأت تدعوا واشنطن إلى التفاوض والتحاور مع أنصار الله مباشرة لأن إيران لا تستطيع السيطرة والتحكم فيهم، وأنهم – أي الحوثيون – يتحركون وفق استراتيجيتهم ورؤيتهم الخاصة بمعزل عن الاستراتيجية الإيرانية وظروفها سواءً كانت سلماً أو حرباً.
| دلالة التوقيت.. الثابت هو حق الرد الطبيعي وتطبيق تهديدات القيادة الاقتصادية لصنعاء بعد فشل مشاورات عمّان |
وما هو ثابت ومؤكد هو أن الرد اليمني على السعودية هو مكفول ومشروع في سياق الحرب التي دخلت قبل شهرين عامها الخامس، وأما بالنسبة للتوقيت فلا يرى مراقبون أي دلالة على اختيار هذا التوقيت للتصعيد اليمني في الرد فيما يخص تصاعد التوتر بين إيران وأمريكا، في الوقت ذاته يعتبر المراقبون إنه إذا كانت هناك من دلالات توقيت لهذا التصعيد فإن دلالاته الوحيدة هي التأكيد على صدقية التهديدات التي أطلقتها اللجنة الاقتصادية العليا في صنعاء مطلع مايو الجاري والتي أعلنت صراحة إن أي تصعيد سعودي وإماراتي ضد الملف الاقتصادي واستخدام التحالف أوراق ضغط اقتصادية أكثر على صنعاء لن يكون له تبعات إيجابية على التحالف.
ومن هنا يجب العودة قليلاً إلى تصريحات قيادات صنعاء الاقتصاديين وعلى رأسهم وزير المالية بحكومة الإنقاذ رشيد أبو لحوم والذي أعلن في اليوم الثاني لانعقاد مفاوضات عمّان التي عقدت بشأن الملف الاقتصادي الأسبوع الفائت ومطلع الجاري، وأتت تباعاً للتطور الذي شهده ملف اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة عبر انسحاب قوات صنعاء من موانئ الحديدة الثلاثة من جانب واحد إثباتاً لحسن النية، وهي التصريحات التي حملت نبرة تهديدة للتحالف في حال حاول إفشال المفاوضات، حيث قال أبو لحوم “ننتظر نتائج المفاوضات مع المبعوث الأممي في الملف الاقتصادي المنعقدة في الأردن وإذا ما فشلت فستكون الخيارات أقسى”، في إشارة منه إلى خيارات الرد الاقتصادي من صنعاء على تصعيد الرياض للحرب الاقتصادية في اليمن.
أبو لحوم قال أيضاً “لا يمكن أن نسكت على استهداف شعبنا ومقدراتنا وأوضحنا سابقاً في بيان اللجنة الاقتصادية أن خياراتنا لم تبدأ بعد”.
| بالنسبة لاقتصاد التحالف.. الثابت أن العسكرية اليمنية باتت قادرة على شلل الحيوية الاقتصادية |
على مستوى الاقتصاد السعودي أو الإماراتي فإن الثابت في هذا التصعيد الأخير والتطور النوعي لقوات صنعاء، وما يقابله من فشل عسكري واستخباري للتحالف عموماً والسعودية خصوصاً، يرى مراقبون عرب أن الثابت في هذا الجانب هو أن “العمليات اليمنية أصبحت قادرة على شلل الحيوية في الحياة العامة المتعلقة بالاقتصاد السعودي”.
وليس ذلك فحسب بل يتوقع مراقبون من دول إقليمية وموالون للرياض إن هذا الشلل سيزداد وسيسوء، كما يؤكدون بأنه يمثل تهديداً للأمن القومي السعودي، وأنه “يفترض به أن يدفع بالرياض إلى البحث عن مخارج حقيقية لإنهاء الحرب في اليمن والخرج سلاماً بسلام من هذه الحرب طالما وقد بدأت بتهديد فعلي للسعودية واقتصادها”.