إجراءات رسمية أزعجت الأمم المتحدة.. تطور الصراع بين صنعاء والغذاء العالمي
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
تلوّح الأمم المتحدة بإيقاف مساعداتها الغذائية المقدمة إلى اليمن، على الرغم من أن جزءاً كبيراً من هذه المساعدات لا يصلح للاستخدام الآدمي، ولا يزال الصراع بين برنامج الغذاء العالمي وسلطة صنعاء قائماً بسبب إجراءات الأخيرة التي أوقفت فساداً بملايين الدولارات في مجال الإغاثة.
| رسالة لصنعاء.. برنامج الغذاء العالمي قد ينظر في تعليق مساعداته |
على ضوء تطور الصراع بين برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة والهيئة الوطنية لتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث التابعة لسلطة صنعاء، أعلن البرنامج أمس الإثنين إنه يواجه تحديات يومية بسبب القتال المستمر وانعدام الأمن في اليمن، وأضاف البرنامج في بيان “مع ذلك فإن التحدي الأكبر الذي يواجهه لا يأتي من الأسلحة بل من الدور المعيق وغير المتعاون لبعض قادة الحوثيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم كما قال البرنامج”.
بيان الغذاء العالمي جاء بعد حملة إعلامية شنتها وسائل الإعلام الرسمية والموالية التابعة لسلطة صنعاء والتي كشفت المستور عن فساد برنامج الغذاء العالمي والمساعدات الغذائية المنتهية والفاسدة التي يقوم بتوزيعها للمستفيدين، وهي حملة إعلامية استمرت عدة أيام جرى فيها تغطية وسائل الإعلام المختلفة لحملات هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية والإغاثية على مخازن الغذاء العالمي والمنظمات المحلية الوسيطة التي تحتوي على كميات الأغذية المختلفة والتي تبين عدم صلاحية استخدامها واستهلاكها الآدمي.
في بيان الغذاء العالمي، بعث البرنامج برسالة تهديد لسلطة صنعاء، إذ لوح البرنامج بتعليق مساعداته الغذائية تدريجياً لليمن “إذا لم يلتزم الحوثيون بالتزاماتهم السابقة بشأن توزيع المساعدات الغذائية وتسهيل الوصول إلى المستفيدين”.
وعلم “المساء برس” من مصدر مطلع بصنعاء أنه لا يوجد أي عرقلة من قبل سلطة صنعاء وليس هناك عدم التزام من قبل الحوثيين كما قال البرنامج، مشيراً بالقول: “المسألة وما فيها أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بين البرنامج والجهات المختصة في صنعاء لأن ما تطالب به الجهات المختصة ممثلة بالهيئة لم يعجب القائمين على برنامج الغذاء العالمي في اليمن الذين يبدو كانوا مستفيدين هم وبعض المنظمات الوسيطة التي كانت تعمل كشريك محلي مع المنظمات الأممية لتوزيع المساعدات من الآلية السابقة التي استمرت تعمل بها خلال الفترة الماضية منذ بداية الحرب إلى ما بعد إنشاء هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية بعدة أشهر”.
| بداية الصراع |
في فبراير الماضي توالت التحقيقات التي أجرتها السلطات اليمنية في صنعاء على وقع ما ورد في تقرير برنامج الغذاء العالمي الصادر نهاية يناير الماضي والذي اتهم السلطات في صنعاء ببيع المواد الإغاثية وتوجيهها لغير المستحقين، بالإضافة إلى اتهامه لجماعة أبو العباس في تعز بسرقة كميات الإغاثة المخصصة للمناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف في تعز.
وكان احتجاج السلطات في صنعاء على تصريحات ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التي وردت في التقرير، واعتبرت صنعاء في ردها على تقرير الغذاء العالمي إن تصريحات المدير التنفيذي تكشف ضعف التواصل بينه وبين مكاتب البرنامج في اليمن، مشيرة إلى أن التصريحات أخذت طابعاً سياسياً وأنها استُخدمت كورقة سياسية ضد السلطات في صنعاء، لكن الأخيرة لم تشر في بيانها الصادر على لسان الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية ومواجهة الكوارث حينها، لم تشر إلى طبيعة وأسباب استخدام برنامج الغذاء العالمي لهذه التصريحات كورقة سياسية ضد صنعاء.
| صراع خفي نشأ بين صنعاء والغذاء العالمي بعد محاصرة الأخير وإخضاع أدائه لرقابة هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية |
في تقرير سابق هذا العام، كشفت مصادر في الرئاسة اليمني بصنعاء لـ”المساء برس” عن وجود صراع بين بعض المنظمات الإغاثية الأممية العاملة في اليمن وبين السلطات اليمنية التابعة للمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، مشيرة أن الصراع نشأ بعد أن قامت الرئاسة بإنشاء الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية نهاية العام 2017 وحينها كان برنامج الغذاء العالمي يعمل في المناطق التي تديرها صنعاء عبر منظمات محلية وسيطة بعضها كانت لها علاقات مباشرة بمسؤولين عاملين في مكاتب المنظمات الإغاثية الأممية في صنعاء وأن هذه العلاقات أثرت بشكل كبير على طبيعة اختيار مكاتب المنظمات الدولية بصنعاء للمنظمات الأهلية والجهات المجتمعية العاملة كشريك محلي مع المنظمات الدولية لتوسيع المساعدات، لافتة أيضاً إلى أن عمليات المنظمات الإغاثية في صنعاء والمحافظات الشمالية الغربية لليمن ذات الكثافة السكانية والشراكة مع المنظمات المحلية كانت تتم بدون تنسيق عبر الجهات الحكومية الرسمية وأن التنسيق مع الجهات الحكومية كان يقتصر على بعض الخطوط العريضة والجوانب البروتوكولية اللازمة فقط وأما بقية التفاصيل فكانت غائبة عن السلطة الممثلة بوزارتي الشؤون الاجتماعية وحقوق الإنسان.
تضيف المصادر إنه وعلى إثر الوضع القائم في السابق بخصوص أعمال الإغاثة في المناطق التي تديرها سلطة صنعاء تم إقرار إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث لتكون هي الجهة الرسمية الأولى والوحيدة المشرفة على عمليات الإغاثة مع المنظمات الدولية وللتحكم أكثر بعمليات الإغاثة وضبطها وإنهاء حالة الفساد الذي كان قائماً في عمليات توزيع الإغاثات والذي كان يتم بعلم مسؤولين تابعين للمنظمات الدولية.
| لماذا أنشئت الهيئة وكيف أثرّت على علاقة صنعاء ببرنامج الغذاء العالمي؟ |
كما كشفت المصادر لـ”المساء برس” أنه كان بإمكان السلطة في صنعاء مخاطبة المنظمات الدولية العاملة في اليمن بشكل مباشر ومواجهتها بما لديها من معلومات تكشف فساد توزيع الإغاثات عبر المنظمات المحلية التي تتدخل في اختيارها مكاتب المنظمات الدولية بصنعاء، ولفتت المصادر إلى أن فتح مواجهة مباشرة مع المنظمات الإغاثية الدولية من شأنه أن يضعف موقف السلطة في صنعاء أمام الأمم المتحدة ويمكن أن يدفع بهذه المنظمات إلى استغلال الأمر لمحاربة سلطة صنعاء وتوظيف ذلك ضمن الحرب على اليمن، وأن السلطة في صنعاء حينها وجدت أن الأنسب هو إنشاء هيئة رسمية تكون هي المعنية والجهة الأولى المخولة بضبط عمليات الإغاثة ووقف التلاعب الذي كان يحدث ويضعف من العمليات الإنسانية ويذهب بكميات كبيرة من الأموال المخصصة للعمليات الإغاثية في اليمن في دهاليز المرتبات والنفقات الخاصة بالعاملين في مجال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة وشركائهم المحليين من العاملين في هذا المجال.
وأضافت المصادر أن مكتب برنامج الأغذية العالمي في صنعاء “يبدو أنه استاء من خطوة الرئاسة اليمنية بإنشاء هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية”، وطوال فترة عمل برنامج الغذاء عن طريق الهيئة الوطنية والتي بلغت مدتها منذ إنشاء الهيئة وحتى وقت صدور تقرير الغذاء العالمي عاماً كاملاً، قالت المصادر إنه طوال هذه الفترة “يبدو أن عمل البرنامج عن طريق الهيئة أدى إلى حصار الفساد الذي كان قائماً من قبل ليتحول الأمر بعد ذلك إلى حرب وصراع هادئ بين البرنامج والهيئة ، هذا الصراع الخفي كشف عن نفسه من خلال ما ورد في تقرير البرنامج نهاية يناير الماضي”.
| ما الذي فرضته هيئة صنعاء واتفقت عليه مع الغذاء العالمي |
في البيان الصادر عن الهيئة الوطنية للشؤون الإنسانية رداً على تقرير الغذاء العالمي، ورد فيه ما يلي “أولا:- إن حجم الاحتياج اكبر بكثير من حجم المساعدات المقدمة، ثانيا:- لقد تم توقيع اتفاقية بين الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية وبرنامج الأغذية العالمي التي تضمن كافة الإجراءات لوصول المساعدات الى المستفيدين والتي نصت على الآتي:-
1. اعادة النظر في قوائم المستفيدين في كافة المديريات عن طريق لجان مجتمعية منتخبة من المجتمع يشرف على تشكيلها وتدريبها برنامج الغذاء العالمي والهيئة الوطنية.
2. يقوم الشريك المنفذ لبرنامج الغذاء العالمي والهيئة في المديرية بالنزول الميداني للتحقق من ان القوائم المرفوعة من اللجان المجتمعية ومدى مطابقة المعايير على الفئات المستهدفة المتفق عليها.
3. يقوم برنامج الغذاء العالمي بالنزول الميداني وإجراء عملية تحقق للمرة الثانية.
4. تم اختيار شركة عالمية متخصصة في الرقابة والتقييم كطرف ثالث لإجراء عملية تحقق ثالثة لقوائم المستفيدين.
5. تم الاتفاق على منح كل مواطن مستحق للمساعدات الغذائية بطاقة ذكية بموجبها يتم استلام المساعدات الغذائية.
6. تطبيق نظام البصمة الالكترونية المرتبط بالبطاقة الذكية لكل مستفيد.
7. تم التعميم على فرع الهيئة الوطنية والجهات ذات العلاقة للتنفيذ جميع بنود الاتفاقية”.
وحسب البيان فإن الهدف من توقيع الاتفاقية مع برنامج الغذاء العالمي “تقليص نسبة الخطأ في قائمة المستفيدين إلى الصفر”، غير أن الهيئة اصطدمت بتأخير برنامج الغذاء لتنفيذ أي إجراءات تصحيحية لقوائم المستفيدين، وحين تلقت الهيئة بعض الشكاوي من المستفيدين حاولت الهيئة التأكد من قوائم المستفيدين ومقارنتها إلا أن برنامج الأغذية اعترض على إجراءات الهيئة “بحجة سرية البيانات وحقوق المستهدفين والتي للأسف تم تسريبها والتعامل معها كورقة سياسية وإعلامية مخالفاً بذلك جميع المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية”، حسب بيان الهيئة.
| الغذاء العالمي في موقف محرج |
يرى مراقبون إن السلطات في صنعاء اعتبرت أن تقرير الغذاء العالمي الذي اتهمها بالتلاعب بالإغاثات وبيعها يعد بمثابة إعلان حرب على الهيئة الوطنية لتنسيق الشؤون الإنسانية، فما كان منها – أي سلطات صنعاء – إلا أن بادرت بالرد الرسمي على “ادعاءات الغذاء العالمي ومديره التنفيذي وتفنيد ما تم الاتفاق عليه عبر اتفاقية تم التوقيع عليها رسمياً ولم يتم تنفيذ بنودها من قبل مكتب الغذاء العالمي بصنعاء”، ولم يقتصر هذا الرد على نصوص البيان الصادر عن الهيئة فقط بل تعزز ذلك بالوثائق التي تثبت تهرب مكتب البرنامج في اليمن من التزاماته التي تم الاتفاق عليها وفقاً لنصوص العقد وقالت الهيئة إن هذا التهرب لم يكن مبرراً وغير مفهوم وأنها أبلغت مكتب الأمم المتحدة بذلك وأبلغت الهيئات العليا لبرنامج الغذاء العالمي بالأمم المتحدة وحين زار مديرها التنفيذي “بيزلي” صنعاء تم إبلاغه وإطلاعه على الوضع وعلى مجمل التفاصيل كما تم إطلاعه على التقارير الخاصة بالمواد الإغاثية والأغذية المقدمة ومدى نسبة صلاحيتها للاستخدام الآدمي.