حصاد 2018 اليمن.. تحليل لحسابات الربح والخسارة بين صنعاء والرياض
صنعاء – تقرير: يحيى محمد – المساء برس| استهل اليمنيون العام 2018 على وقع الأحداث التي انتهى بها العام 2017 والذي شهد في أواخره تطوراً مهماً تمثل بأحداث ديسمبر التي انتهت بطي حقبة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح بعد إعلانه تأييد التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات ضد اليمن منذ العام 2015م وأدى إلى اقتتال داخلي بين مسلحين يتبعون صالح من جهة والقوات الحكومية التابعة لسلطة المجلس السياسي الأعلى وحلفائها من المقاتلين الشعبيين المؤيدين لجماعة أنصار الله من جهة أخرى.
على وقع هذه الأحداث وتداعياتها التي اعتبرها البعض إنها قلبت موازين القوى في الساحة الداخلية اليمنية، فيما يخالف نخبويون هذا الرأي بالقول إن نتيجة ماحدث كانت طبيعية ولم يحدث أي تغيير في موازين القوى لأن جماعة أنصار الله كانت قد تضاعفت قوتها منذ العام 2011 ولم يكن تعاظم هذه القوة بفعل التحالف مع حزب المؤتمر وصالح الذي حدث بعد مارس 2015، على وقع هذه الأحداث، بنت القوى السياسية اليمنية المتحالفة مع السعودية والإمارات كما بنت الأخيرتان مواقفها تجاه تلك الأحداث واعتبرت إن العام 2018 سيشهد توحداً في جبهة “الشرعية والتحالف” وتفككاً في جبهة صنعاء، بل إن البعض اعتبر إن نهاية جماعة أنصار الله قد شارفت باعتبار أن خسارتها لحليفها صالح سيقود إلى تفجر الموقف من الداخل وانهيار السلطة بصنعاء، لكن ما حدث بعد ذلك كان مخالفاً تماماً وعلى عكس الحسابات التي بنتها دول التحالف.
بل الأكثر من ذلك إن العام 2018 انتهى بتحقيق جماعة أنصار الله وسلطتهم مكسباً سياسياً على المستوى الدولي، ولم يخطر على بال قادة الرياض وأبوظبي وحلفائهم في الشرعية أن تحصل سلطة صنعاء عليه فيما تقف هي عاجزة عن فعل شيء للحيلولة دون حصول صنعاء على هذا المكسب، ولقد اعترف العالم بما في ذلك الأمم المتحدة بشرعية سلطة صنعاء وفيما كانت المنظمة الدولية والمجتمع الدولي يصف جماعة أنصار الله بـ”المتمردين” باتت اليوم ومنذ الإعداد لمفاوضات السويد تصفهم بطرف سياسي وحيد وتساويهم بطرف آخر يمثله “الرياض وأبوظبي ومن خلفهما واشنطن ولندن وأخيراً تأتي مجموعة من المؤيدين للتحالف من اليمنيين الذين غادروا اليمن في 2015 هم قوام سلطة منفية منذ ذلك الحين يطلق عليها (الشرعية)”.
من عدن إلى باب المندب وذباب والمخا ومعسكر خالد والخوخة وسواحل الحديدة الجنوبية
هل خسرت صنعاء أم ربحت بعد ديسمبر 2017
في أكتوبر الماضي كشف مروان الغفوري – ناشط يمني بحزب الإصلاح أبرز حلفاء الرياض السياسيين والعسكريين في جبهات القتال ضد قوات صنعاء، كشف عن أن سقوط مدينة عدن في 2015 من يد “الحوثيين” كان بسبب خيانة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح لحلفائه “أنصار الله” حيث اتفق مع الإماراتيين على تسليمهم عدن مقابل إبقاء تعز تحت سيطرة صنعاء، ولم يعتبر الحوثيون حينها سقوط عدن خيانة من قبل صالح الذي كان جنوده يسيطرون على المدينة أكثر من غيرهم من المقاتلين الجدد المعروفين باسم “اللجان الشعبية”، اعتبر “أنصار الله” إن سقوط عدن كان بسبب عدم صمود من كانوا يقاتلون إلى جانبهم من العسكريين القدامى الذين كانوا يسيطرون على معسكرات عدن المتحصنة في جبالها.
لقد استمرت قوات الجيش التابعة للسلطة المؤقتة في صنعاء التي كانت تديرها اللجنة الثورية بقيادة محمد علي الحوثي في القتال في الجبهات جنباً إلى جنب مع المقاتلين الشعبيين من أبناء القبائل اليمنية المختلفة بما في ذلك مقاتلين من محافظات جنوبية، أما المؤيدون لحزب المؤتمر والرئيس الأسبق صالح كانوا يقاتلون مع “أنصار الله” طواعية وكانوا ينضمون للقتال باعتبارهم “لجان شعبية” حتى وإن كانوا عسكريين قدامى ويتبعون وحدات عسكرية رسمية كالحرس الجمهوري فإن قتالهم ومشاركتهم في المعارك كانت بدافع شخصي، ورغم ظهور صالح على أنه يقف ضد التحالف إلا أن انضمام عسكريين من أتباعه ومؤيديه إلى جبهات القتال كان يغضبه جداً، وفي مرة من المرات حاول صالح أن يثني عميداً في الحرس الجمهوري هو حسن الملصي من أبناء سنحان التي ينتمي إليها صالح قبلياً، حاول أن يثنيه عن العودة إلى الجبهة للقتال مع “أنصار الله”.
يجمع سياسيون بارزون في صنعاء على أن صالح كان متحالفاً من تحت الطاولة مع الإماراتيين منذ البداية، نجله أحمد، يقيم في أبوظبي وفرضت فرض الأمم المتحدة عقوبات عليه وهو من يدير أموال العائلة في الخارج بما فيها استثمارات صالح في دبي وأبوظبي، وهذا التحالف القديم بين صالح وأبوظبي دفع بالأخيرة إلى الضغط على صالح لتمكينها من السيطرة العسكرية على بعض المناطق الساحلية الغربية الجنوبية لليمن والتي كانت تحت سيطرة المعسكرات التابعة لسلطة صنعاء ولكنها لا تزال تحتفظ بمؤثرين على المعارك من القادة العسكريين الذين بقو يدينون بالولاء لصالح حتى بعد مغادرته كرسي الرئاسة في 2012.
تساقطت مواقع عسكرية استراتيجية وهامة جداً بيد الإمارات بدءاً بـ”باب المندب وجزيرة ميون، والمناطق الساحلية المطلة على المنفذ المائي الدولي كذباب وبعدها المخا التي تحول ميناؤها إلى منطقة عسكرية مغلقة لقوات أبوظبي وأعقب ذلك سقوط معسكر خالد بن الوليد المطل على المخا وباب المندب وأخيراً سقوط الخوخة أول مدينة تتبع الحديدة من الجهة الجنوبية”.
استمرت الإمارات في الضغط على صالح للانقلاب على حلفائه “أنصار الله” وتفجير الموقف من الداخل، كانت الإمارات ترى في هذا المخطط ورقة أخيرة لإسقاط أنصار الله وسلطتهم بعدما عجزت – رغم ما تملكه من حشود عسكرية من “جيوش من المرتزقة الأجانب” ودعم عسكري وتسليحي مفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية – عن تحقيق ذلك باستخدام القوة العسكرية، وكان الضغط المستمر من قبل الإمارات على صالح لتفجير الموقف من الداخل قد دفع بالأخير إلى إعلان انقلابه على حلفائه في 2 ديسمبر 2017، ولم تمضِ سوى 48 ساعة حتى أذيع نبأ مقتل صالح أثناء هروبه من العاصمة صنعاء باتجاه مأرب، بعد أن مهد له الطيران الحربي التابع للتحالف الطريق بضربه نقاط التفتيش الأمنية والعسكرية التي كان من المفترض أن يمر منها صالح بسيارته المدرعة.
بعد مقتل صالح شنت الإمارات هجمات عسكرية متعددة بهدف التقدم في الساحل الغربي واستمر هذا التقدم بدءً من الخوخة أقصى جنوب الحديدة غرب اليمن مروراً بالشريط الساحلي للمحافظة ووصولاً إلى تخوم مدينة الحديدة، واستمرت أبوظبي قرابة العام الكامل للسيطرة على الشريط الساحلي لكنها كانت سيطرة هشة وكان المقاتلون الجنوبيون والعقائديون المتشددون يتعرضون لكمائن ووقوعهم في الحصار طوال هذا العام وقد قُتل الآلاف منهم بسبب دفعهم للقتال دون تخطيط عسكري ودون تلقيهم تدريبات عسكرية كافية، بعضهم تعرضوا للقصف الجوي من التحالف أثناء هروبهم من نيران قوات صنعاء، ويصف ناشطون جنوبيون مؤيدون للتحالف إن أبوظبي تقود أبناءهم إلى محارق ومجازر جماعية في الساحل الغربي.
يرى مراقبون إنه وعلى الرغم مما خسرته قوات صنعاء من مناطق في الساحل الغربي، إلا أن ذلك لا يعد خسارة مقابل تخلصهم من صالح الذي كان بمثابة “خنجر في خاصرة المناهضين للتحالف السعودي الإماراتي”، ويعتبر المراقبون إن انكشاف الدور الذي كان يلعبه صالح من الداخل أمام أنصار الله وإفشال الأخيرين مخطط التحالف الذي كان ينوي تنفيذه عبر صالح يعد مكسباً هاماً لهم، إذ لم يكن من الطبيعي أن يستمر الحوثيون في المقاومة وهم يترقبون تعرضهم للطعن من الخلف في أي لحظة.
قُتل صالح وتقدم التحالف في الساحل الغربي بعد أن ضحى بآلاف المقاتلين الجنوبيين الذين تعتبرهم أبوظبي “مقاتلين قليلي التكلفة”، لكن الحديدة وميناؤها الاستراتيجي بقيا تحت سيطرة سلطة صنعاء، وبدلاً من أن يؤدي مقتل صالح إلى تقهقر “أنصار الله” وتراجعهم عسكرياً وتعزيز موقف الطرف الآخر المتمثل بـ”الشرعية”، انتهى الأمر ببقاء الحديدة تحت سيطرة “أنصار الله” إدارياً وضمنوا تجنيب الحديدة أي معركة عسكرية للسيطرة عليها، وصادق المجتمع الدولي على هذا الوضع بقرار دولي يلغي القرار السابق (2216)، وضمنوا سحب الهيمنة السعودية والإماراتية على الميناء الاستراتيجي عبر حصاره بحجة تفتيش السفن من أي أسلحة قادمة إلى صنعاء وذلك بإيكال مهمة التفتيش حصراً على الأمم المتحدة، وهو مكسب آخر يُضاف إلى مكسب الاعتراف الدولي بأنصار الله وإسقاط تسمية “متمردين وانقلابيين” عنهم، ومساواتهم بالطرف الآخر بكل مكوناته الإقليمية والمحلية.
2018 يوحّد صنعاء ويشرعن سلطتها ويشتت “الشرعية” ويعرّي التحالف
شهد العام 2018 أحداثاً وتطورات دفعت إلى تسليط الضوء على ما يحدث في اليمن وما يتسبب به التحالف من دمار وحرب ومجاعة وانتهاكات إنسانية ضد المدنيين “ترقى لجرائم حرب” حسب تقرير لجنة الخبراء بالأمم المتحدة الصادر هذا العام.
منذ الشهر الأول لهذا العام بدأ الصراع بين أطراف التحالف في عدن إلى التحول من صراع سياسي ومماحكات على وسائل الإعلام إلى صراع مسلح حيث تقاتل حلفاء الإمارات وحلفاء الإصلاح فيما بينهم لينتهي الأمر بمحاصرة مقر الرئاسة “قصر معاشيق” بمن فيه من مسؤولين في حكومة “الشرعية” من قبل مسلحي المجلس الانتقالي المدعومين من الإمارات والذين تلقوا مساندة عسكرية حتى بطائرات الأباتشي الإماراتية أثناء معاركهم مع قوات الألوية الرئاسية التابعة للشرعية ويدين قياداتها بالولاء لحزب الإصلاح.
عززت الإمارات من نفوذها على المدن الجنوبية عموماً وعلى عدن خصوصاً وقلصت إلى أبعد حد من أي تأثير أمني أو عسكري لـ”الشرعية” على هذه المدن، وبلغت سيطرة الإمارات ومليشيات على جنوب اليمن حداً وصل ببعض مسؤولي “الشرعية” بينهم وزيري الداخلية والنقل إلى التصريح علناً لوسائل إعلام محلية وغربية بأن “الشرعية” لا تستطيع ممارسة أبسط مقومات السيادة على المحافظات التي تم “تحريرها من الحوثيين”.
حتى عمليات الحديدة التي قادتها الإمارات لم يكن لمسؤولي “الشرعية” المقيمين في فنادق العاصمة السعودية الرياض منذ 2015 لم يكن لهم علم بأي تحركات عسكرية في الحديدة، ووفقاً لمسؤول بارز في رئاسة حكومة هادي في الرياض، تحدث لـ”المساء برس” ورفض كشف هويته، فإن “الرئيس هادي ورئيس الأركان ورئيس الحكومة لم يكونوا يعرفون بالعمليات العسكرية للتحالف في الحديدة وفي 13 يونيو الماضي لم يعرف أي من هؤلاء عن العملية العسكرية الواسعة التي أطلقتها الإمارات للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها إلا عبر قنوات التلفزيون”.
واليوم تصف كبريات الصحف الغربية قوات الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي بـ”المليشيات المحلية المتحالفة مع الرياض” وكشفت تقارير وتحقيقات لكبريات الصحف الأمريكية أن حلفاء واشنطن الخليجيين يمولون التنظيمات الإرهابية المحظورة دولياً والتي تكافحها واشنطن منذ سنوات تحت عنوان “مكافحة الإرهاب” وعلى رأس تلك التنظيمات تنظيمي القاعدة وداعش اللذين يقاتلان إلى جانب التحالف ضد قوات صنعاء، وخسرت كلاً من الرياض وأبوظبي دعماً عسكرياً هائلاً مقدماً من الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت الدولتان في نظر المجتمع الدولي بمجرمتي حرب في اليمن والمتسببين الرئيسيين في حدوث أكبر أزمة إنسانية في العالم في العصر الحديث.