عن مفاوضات السويد.. من هو الأقوى؟ ولماذا؟
ستوكهولم – المساء برس| بدأت اليوم الخميس في العاصمة السويدية ستوكهولم المفاوضات السياسية بين طرفي صنعاء والرياض، الأول يمثله أنصار الله “الحوثيين” وحلفائهم، والثاني يمثله وفد حكومة “الشرعية” المعترف بها دولياً وغير المعترف بها شعبياً، وإلى جانب الوفد الأخير يقف كل من سفراء السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا لدى اليمن، وهذه هي جولة المفاوضات الرابعة التي تنعقد برعاية أممية منذ بدء الحرب على اليمن في مارس 2015.
-
الحوثي يسجل أول انتصار قبل المفاوضات
أول انتصار حققه الحوثيون هو تمرير شروطهم – الطبيعية – للذهاب لمفاوضات استوكهولم التي ترعاها الأمم المتحدة بقيادة مبعوث أمينها العام إلى اليمن مارتن غريفيث.
هذه الشروط التي يراها مراقبون أنها انتصار مبدئي لأنصار الله كونها كانت مرفوضة من قبل السعودية، تمثلت في إخراج 50 من جرحى أنصار الله مع مرافقيهم إلى الخارج لتلقي العلاج رغم معارضة الرياض بذريعة أن الجرحى بينهم عناصر من حزب الله وإيران وهي ذريعة وصفتها شخصيات دبلوماسية في الأمم المتحدة بأنها مدعاة للسخرية من الرياض ولا تفسير لها سوى أن الرياض بهذه المطالب تسعى لإفشال الجهود الأممية والدولية لإنهاء الحرب في اليمن.
الشرط الآخر تمثل في توفير الأمم المتحدة رغم معارضة الرياض لدولة وسيطة تضمن خروج وفد صنعاء المفاوض من مطار العاصمة إلى مطار ستوكهولم بالسويد مباشرة دون توقف وبطائرة توفرها هذه الدولة وتضمن عودة الوفد مرة أخرى إلى صنعاء بعد انتهاء أولى جولات المفاوضات، وهو ما حدث بالفعل حيث التزمت الكويت لوفد صنعاء بهذه الضمانة ووفرت طائرة نقلت الوفد إلى السويد مباشرة، برفقة المبعوث الأممي.
الانتصار الآخر الذي حققه أنصار الله “الحوثيين” هو توقيعهم على اتفاق إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين ليس مع حلفاء الرياض “الشرعية” بل مع الرياض ذاتها وهو ما يعني تمكن أنصار الله من إقناع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن الحرب في اليمن هي بين أنصار الله وحلفائهم والقبائل اليمنية كطرف والسعودية كطرف مقابل، وهو ما أدى بالفعل إلى إدخال الرياض أمام العالم ضمن الحرب في اليمن، وأي مفاوضات يمنية يجب أن تكون السعودية طرفاً فيها لأنها – على الأقل – صاحبة قرار “الشرعية”، ورغم ذلك لا تزال الرياض مرتهنة للولايات المتحدة والتي من الممكن أن يكون لها دور فاعل في المفاوضات التي انطلقت اليوم في العاصمة السويدية خصوصاً مع وجود السفيرين الأمريكي والبريطاني لدى اليمن وحضورهما هذه المفاوضات.
-
السعودية أضعف
ويرى مراقبون أن الرياض وحلفائها المفاوضين ليسوا في موقف قوي يمكنهم من القبول بأي تسوية سياسية حالياً، وأن قبولهم الذهاب إلى المفاوضات في السويد يأتي تجاوباً مع الضغوط الدولية على الرياض لوقف الحرب في اليمن خاصة بعد قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي أثار مقتله السخط العالمي ضد الرياض وولي عهدها محمد بن سلمان وفتح عليه أكثر الملفات الدموية التي ارتكبها، وهو ملف الحرب في اليمن والانتهاكات الإنسانية التي ارتكبت منذ مارس 2015م، وهذه المرة ليست الرياض – أمام العالم – مجرد مُنقذ تدَخلَ عسكرياً بدعوة من الحكومة المعترف بها دولياً “حكومة هادي”، بل إنها في نظر العالم باتت مكشوفة بأنها هي من تقود الحرب والقرار السياسي في اليمن وأن حكومة هادي مجرد غطاء لشرعنة تدخلها العسكري.
وأي تسوية سياسية ستكون فيها الرياض وحلفائها هم الأضعف والأكثر خسارة بالنظر إلى المعطيات على أرض الواقع التي تثبت أن لا شرعية مكتسبة للسلطة الموالية للرياض وأكبر دليل على ذلك عدم وجودها على أرض الواقع في المناطق الجنوبية التي سيطر عليها التحالف هذا بالإضافة إلى أن السعودية والإمارات تمتلكان أو تتقاسمان القرار السيادي لسلطة الشرعية التي يتواجد معظم أعضائها في الرياض في وضع أشبه بالإقامة الإجبارية.
-
على ماذا يستند الحوثيون
بالنسبة لأنصار الله فإن موقفهم من كافة النواحي قوي جداً، فهم يسيطرون على مساحات جغرافية في اليمن تتركز فيها معظم الكتلة السكانية ما بين 70-75% من إجمالي السكان في اليمن يعيشون في المناطق التي تحكمها سلطة المجلس السياسي (الرئاسي) في صنعاء، بالإضافة إلى ذلك فإن وضعهم العسكري في مختلف الجبهات – على الرغم من الضغط العسكري الكبير من قبل التحالف مؤخراً – إلا أن وضع الحوثيين وحلفائهم في الجبهات متماسك جداً، ولا يبدو أن سيطرة التحالف أو تحقيقه تقدماً ميدانياً هنا أو هناك ستتم بسهولة وهو ما أثبتته مراحل التصعيد الميداني الأخيرة التي قادها التحالف ضد قوات صنعاء في الساحل الغربي بهدف السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي والتي فشلت وأدت إلى خسائر كبيرة جداً لم يسبق أن تكبدها التحالف ومقاتلوه من قبل على مدار الثلاث سنوات والنصف الماضية.
ولعل من أبرز نقاط القوة التي تعزز من موقف وفد صنعاء أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة هو تمسكهم بحل الملف الإنساني في اليمن ولو كبداية لحل شامل للحرب في البلاد، وهو الملف الذي يتضمن أيضاً فتح مطار صنعاء الدولي ووضع ميناء الحديدة ورفع الحصار الاقتصادي المفروض من قبل التحالف على كامل الشعب اليمني، وتحييد الجانب الاقتصاد عن الحرب بما يتضمنه من حل بشأن البنك المركزي وإعادة تسديد الرواتب التي منعت كل من واشنطن والرياض عبر “الشرعية” تسديدها بهدف تحقيق ضغط اقتصادي على الحوثيين.
هذا الملف أكسب وفد صنعاء خصوصاً وموقف سلطة صنعاء والحوثيين عموماً، موقفاً ووضعاً قويين أمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والدبلوماسيين الأوروبيين الذين يركزون على الملف الإنساني أكثر من أي ملف آخر، والذين أدركوا – وذلك موثق بتصريحات تلفزيونية لهم – عدم اهتمام “الشرعية” ودبلوماسيتها بالوضع الإنساني في اليمن وكل ما تبحث عنه “الشرعية” هو جمع الأموال من الدول الأوروبية والغربية تحت عنوان “محاربة الانقلابيين الحوثيين واستعادة السلطة الشرعية”، وحين يحاول الدبلوماسيون الغربيون مساعدة اليمن من الناحية الإنسانية يحاول مسؤولو الشرعية تجاهل الوضع الإنساني ويركزون فقط على طلب الأموال من هذه الدول لاستمرار مواجهة “الانقلابيين”، وهو ما جعل المجتمع الدولي مُدرك بشكل أكثر على طبيعة ووضع الصراع في اليمن وحقيقة أن القتال هو بين الرياض واليمن وأن الحكومة الموالية للرياض لا تملك سوى اعتراف المجتمع الدولي بها فقط وأنها تستغل هذه الورقة للاستفادة قدر الإمكان من جمع الأموال وبناء إمبراطورية مالية لصالح أشخاص يحضون بالاعتراف الدولي كمسؤولين بالحكومة الشرعية وهم لا يستطيعون السيطرة على مدينة واحدة من المدن الجنوبية والشرقية الخارجة عن سيطرة سلطة صنعاء.