ما بعد هادي.. هل يحظى علي محسن برضى واشنطن؟ وماذا قدم لهم؟
الرياض – المساء برس| ما كشفه “المساء برس” أوائل أكتوبر الماضي عن ترتيبات أمريكية وبريطانية تجريها الدولتان عبر دبلوماسييها وعسكرييها بشأن اليمن ومستقبله القريب، يتحقق اليوم بحذافيره.
-
تحرك أمريكي بريطاني لتوجيه “الشرعية”
في 9 أكتوبر الماضي نشر الموقع تحليلاً إخبارياً للتحركات الدبلوماسية التي أجرتها لندن وواشنطن لدى قيادات “الشرعية” في الرياض، وأضاف الموقع أن “ثمة سيناريو جديد تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا تنفيذه في اليمن”، استناداً إلى اللقاءات التي أجراها سفيرا لندن وواشنطن لدى اليمن بكل من الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي قبل أن يغادر الرياض مع عائلته نهائياً متجهاً إلى إحدى ولايات أمريكا وهو الخروج الذي لم يُعلن عنه إلا في وسائل إعلام غربية وكشفته مصادر مقربة من اللواء علي محسن الأحمر بأنه خروج نهائي ليس فقط من السعودية بل من الحياة السياسية وزعامة الشرعية اليمنية بكلها، لقاءات سفيرا لندن وواشنطن بقيادات الشرعية لم تقتصر على هادي فقط بل إنهما التقيا أيضاً أكثر بنائب هادي، اللواء علي محسن الأحمر ورئيس حكومة الشرعية السابق أحمد عبيد بن دغر، ولم تمضِ سوى أيام حتى أقيل بن دغر وتم تعيين معين عبدالملك خلفاً له وهو المقرب جداً من السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر الذي يدير فعلياً المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف في اليمن.
-
دور بريطانيا يقتصر على المصالحة بين الإصلاح وأبوظبي
بريطانيا عملت خلال الأيام الماضية على هندسة المصالحة الإماراتية الإخوانية، حيث جمعت ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مع محمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي في لقاءين منفصلين بينهما اجتماع سري في لندن جمع قيادة الإصلاح بالبريطانيين، بهدف الترتيب للمرحلة المقبلة في اليمن والتي لا يجب أن تواجه فيها أبوظبي أي معارضة من الإصلاح لما ستفعله في اليمن بعد مرحلة هادي حفظاً لمصالحها، المرتطبة أساساً بالمصالح البريطانية.
-
الدور الأمريكي.. التمهيد لما بعد هادي
أما على المستوى الأمريكي ففي الأيام القليلة الماضية ألمح الأمريكيون عبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بأن اللواء محسن قد يتولى قيادة البلاد خلفاً لهادي الذي تدهورت صحته بشكل كبير.
وحسب مصادر سياسية رفيعة تحدثت لـ”المساء برس” فإن هادي دخل إحدى مستشفيات ولاية كيفلاند بأمريكا مرتين خلال شهر، المرة الأخيرة كانت قبل أيام قليلة ولم يخرج حتى اليوم بالتزامن مع معلومات تؤكد وفاته إثر الأزمة القلبية التي ألمت به بعد أن أبلغه الأطباء بإصابته بمرض السرطان، وهو ما أقعده غرفة العناية الفائقة بالمستشفى والتي يعتقد بأنه لم يخرج منها حتى الآن بعد موته سريرياً “إكلينيكياً”.
-
التحالف في مهمة إبقاء “الشرعية” على قيد الحياة
وفاة هادي تسبب معظلة لدى البيت الأبيض، وذلك لأن الرجل يمثل – حسب مراقبين – “شرعية التدخل العسكري السعودي والإماراتي في اليمن الذي يتخذ من إعادة هادي للحكم في صنعاء مبرراً لهذه الحرب التي لم تنتهِ منذ أكثر من 3 سنوات ونصف”، وبالتالي فإن على واشنطن كما على الرياض وأبوظبي الترتيب للإبقاء على “الشرعية” قائمة حتى بدون وجود عبدربه منصور هادي، وهو ما سيتطلب وجود شخص بديل لهادي يجلس في مكانه إما بصفة نائب أو بصفة رئيس، فانتهاء هادي أو وفاته يعني انتهاء الشرعية وانتهاء الشرعية يعني انعدام المبرر الذي تتخذه الولايات المتحدة وحلفائها الرياض وأبوظبي من التدخل العسكري في اليمن، علماً أن مصطلح “الشرعية” هو مجرد غطاء تستخدمه واشنطن وحلفاءها أمام المجتمع الدولي فقط لا أكثر.
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يقدم تحليلات وتقارير مبنية على دراسات من باحثين وخبراء وأكاديميين وفي غالب الأحيان تعتمد سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالبيت الأبيض على هذه الدراسات لاتخاذ استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، هذا المعهد نشر تقريراً في 9 نوفمبر الجاري، وخاطب التقرير الإدارة الأمريكية أن عليها أن تتوقع وصول علي محسن الأحمر إلى القيادة كونه نائب الرئيس هادي الذي لم يعد بصحة جيدة.
لكن المعهد أشار إلى أن علي محسن قد لا يكون شخصاً مرغوباً فيه أمريكياً كما أنه غير مرغوب فيه داخل اليمن أيضاً، فبالنسبة للولايات المتحدة سيكون قبول محسن خلفاً لهادي أمراً صعباً لتورط الرجل في دعم الجماعات الإرهابية في تنظيم القاعدة بالجزيرة العربية منذ ثمانينات القرن الماضي، وهي الجماعة التي تحاربها واشنطن وتتدخل عسكرياً لقتل زعمائها في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها اليمن.
-
محسن خدم الأمريكيين أكثر من هادي نفسه
وما نشره المعهد الأمريكي صحيح، لكن هناك حقائق أخرى لم يتطرق لها التقرير، فحسب أحد القيادات العسكرية اليمنية التابعة لـ”الشرعية” تحدث لـ”المساء برس” فإن اللواء علي محسن سهل للأمريكيين العديد من المهام الأمنية والعسكرية التي تم تنفيذها في اليمن خلال فترة الحرب، منها على سبيل المثال تمكين القوات البحرية الأمريكية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط من إدارة قوات خفر السواحل اليمني وقوات عسكرية حدودية كما أنه اتفق مع قائد القيادة المركزية الأمريكية على أن لا تقوم قوات “الشرعية” بأي تحركات عسكرية أو أمنية إلا بعد إشعار قيادة القوات الأمريكية البحرية في الشرق الأوسط وأخذ موافقتها، هذا الاتفاق تم التوقيع عليه رسمياً ولكن بشكل ضمني حيث تضمن الاتفاق توسيع التعاون الأمني والعسكري بين اليمن وأمريكا وتدريب الأمريكيين لمجندين يمنيين سيتم نشرهم وتوليتهم مهام في خفر السواحل وحرس الحدود ومكافحة الإرهاب.
كما أن وكالة “سبأ” التابعة لـ”الشرعية” ومقرها الرياض، نشرت في 9 أكوبر الماضي خبراً عن لقاء علي محسن بممثلي اليمن في الفريق الأمني المنبثق عن أصدقاء اليمن، وهو فريق أمني يقوده ضباط في القيادة المركزية الأمريكية والأسطول الأمريكي الخامس المنتشر في الشرق الأوسط بالإضافة إلى قوات في سلاح البحرية الملكي البريطاني والذين كان قد وصل فريق منهم إلى مدينة عدن جنوب اليمن مطلع العام الجاري في سياق الدور العسكري البريطاني غير المعلن في المياه الإقليمية اليمنية وباب المندب.
وحسب مصادر سياسية مطلعة تحدثت حينها لـ”المساء برس” إن ممثلي اليمن في هذا الفريق أطلعوا محسن على ما يترتب عليه القبول به وتأكيده لدى الأمريكيين فيما يتعلق بالرقابة على المياه الإقليمية اليمنية وباب المندب والإشراف عليهما من قبل واشنطن ولندن تحت عنوان “التعاون الأمني بين اليمن وأصدقائه”.
وفي ذاته التقى محسن بالسفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر وحسب ما نشرته “سبأ” – نسخة الرياض – فإن اللقاء كشف عن قيام الجيش الأمريكي بتدريب يمنيين في مجالات “حرس الحدود، خفر السواحل، مكافحة الإرهاب”، وحسب ما قاله السفير الأمريكي فإن هذا التدريب يأتي في إطار تطور العلاقات بين “الشرعية” والولايات المتحدة “وفي مقدمتها علاقات التعاون الأمني التي تمضي على قدم وساق وأنجزت تدريب كوادر يمنية في مجالات حرس الحدود وخفر السواحل ومحاربة الإرهاب”.
-
محسن رجل أمريكا القادم في اليمن والمشرعن لاستمرار الحرب
ومما سبق يتبين أن واشنطن وبعد أن ضمنت إبقاء نفوذها ومصالحها على أهم الملفات الاستراتيجية في اليمن وهي المياه الإقليمية وباب المندب ونفوذها على قوات “الشرعية” الأمنية والعسكرية، فإنه من المتوقع أن تحتفظ باللواء علي محسن ليحل محل هادي المتوفي سياسياً وسريرياً.
وحتى بعد شيوع خبر وفاة هادي الذي بات شبه مؤكد، التقى السفير الأمريكي باللواء علي محسن قبل ثلاثة أيام، حسب وكالة “سبأ” نسخة الشرعية، فإن الأحمر قال لسفير واشنطن أن مهمتهم – أي مهمة الأمريكيين – تنفيذ القرار الدولي 2216 في اليمن وهو القرار الذي أصبح كل من يطالب به من الأطراف اليمنية الموالية للتحالف وبعد 3 سنوات ونصف من الحرب الفاشلة في اليمن، هو المبرر والشماعة التي يتمسك بها أي طرف لا يريد إنهاء الحرب ويعتبر وقفها فقداناً لمصالحه المستمرة منذ تدخل الرياض وأبوظبي في اليمن في مارس 2015.
والملاحظ أن لقاء السفير الأمريكي باللواء محسن قبل ثلاثة أيام واستماعه لمطلب اللواء محسن بتنفيذ القرار الدولي 2216 والذي يعني استمرار العمليات العسكرية، يأتي بالتزامن مع التصريحات الأمريكية المرتفعة مؤخراً بوقف الحرب في اليمن وانخراط الأطراف السياسية في عملية تفاوضية برعاية أممية، وهو ما يمثل ازدواجاً في الموقف الأمريكي، أو بمفهوم سياسي موقف أمريكي يؤكد عدم جديتها في الدعوات لوقف الحرب بدليل دفع واشنطن للواء محسن لرفض تجاوز القرار 2216 واستمرار تمسك أمريكا لفرضه وهو ما يعني استمرار الحرب واستمرار التدخل العسكري للتحالف ومنه التدخل العسكري للأمريكيين.