عابد المهذري يستضيف منير الماوري و”كشف قصة هروب هادي من صنعاء”
صنعاء – المساء برس| بعد غياب طويل من الساحة السياسية والصحفية عاد الكاتب الصحفي والسياسي اليمني المعارض منير الماوري المقيم في الولايات المتحدة، للظهور مرة أخرى والعودة إلى الساحة الصحفية والسياسية اليمنية بكشفه ملف وقصة هروب عبدربه منصور هادي من صنعاء عام 2015.
الماوري عاد مجدداً للكتابة على صفحته في الفيس بوك وحسابه بموقع “تويتر”، كاشفاً عن معلومات كشفت قصة هروب الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي من صنعاء عام 2015 والذي يعتقد أنه قد فارق الحياة في أحد مستشفيات ولاية كيفلاند بأمريكا، كما كشف عن معلومات وردت في تقرير تم تقديمه لرئيس حكومة الشرعية الجديد معين عبدالملك يتعلق بفساد حكومة أحمد عبيد بن دغر، بالإضافة إلى تسريباته عن الوضع الصحي لهادي وترجيح وفاته، وعن بعض الترتيبات التي تجريها السعودية وأبوظبي للمرحلة المقبلة بعد غياب هادي عن المشهد.
“المساء برس” رصد حلقة مدير قناة اللحظة الفضائية التي تبث من صنعاء، عابد المهذري، والذي يقدم برنامج “والناس نيام” وهي الحلقة التي خصصها المهذري لتسليط الضوء على ما كشفه الماوري، وأثناء الحلقة استضاف المهذري، الكاتب الصحفي منير الماوري عبر الهاتف من الولايات المتحدة الأمريكية والذي تحدث أكثر عن قصة هروب هادي من صنعاء وما الذي ارتداه الرجل أثناء خروجه من بين حراسة “أنصار الله” وما الذي قدمه الحوثيون للرئيس هادي قبل هروبه وما هي التوجيهات التي أصدرها زعيم أنصار الله بشأن هادي، وما مصير الشخص الذي قام بتهريب هادي إلى السعودية وكيف تعرض للغدر من قبل أسرة هادي والسعوديين، ومن كان يريد اغتياله في الرياض، كونه الحامل لأسرار هروب هادي من صنعاء.
-
فيما يلي يسرد “المساء برس” حديث الماوري لقناة اللحظة ومن ثم ننقل ما كتبه الماوري في صفحته بـ”الفيس بوك” بالتفصيل عن قصة هروب هادي بالعباءة العدنية.
“الواقع يا أستاذ عابد ما كتبته هو الحقيقة التي استقيتها من المصدر ذاته، من الشيخ وليد القيري نفسه، القصة التي نشرت، ليست كل ما جرى ولكن هو الجزء الأهم منها، وهي لم تكن للإساءة لشخص الرئيس عبدربه منصور هادي ولا للتجريح، هي فقط قول الحقيقة، هذا ما حدث بالفعل، ولا يهمني أنا إن كان سيفهمها أحد بطريقة مختلفة، ولكن هذا ما قاله لي وليد القيري، ولم يكن ليقول هذا الكلام لولا أن أسرة هادي والمملكة العربية السعودية ممثلة في سفيرها وفي وزير دفاعها غدروا بالرجل، ولم يفوا بوعودهم له، هو كان قد حصل على مكافأة من العاهل السعودي، تبلغ 50 مليون ريال سعودي تعويضاً له ومكافأة لما قام به من إنقاذ الرئيس هادي، لكن قايضوه فيما بعد على أن يأخذ نصف المبلغ ويتقاسم الفاسدون السعوديون وربما أعوانهم من اليمنيين نصف المبلغ الآخر، فهو رفض وفي النهاية خسر كل شيء ويتندم على ذلك هو الآن في حسرة، وأنا عندما اتصلت به قلت له بالحرف الواحد أنت ارتكبت جريمة بحق الشعب اليمني لو أنك لم تساعده على الخروج لما خان هذا البلد ولما سقطت هذه الضحايا باسم الشرعية وباسم عبدربه منصور هادي.
الذي عرفته منه ومن متابعتي مصادر أخرى أن أنصار الله لم يكونوا يريدون عبدربه منصور هادي أن يستقيل ولا حكومة خالد بحاح أن تستقيل، كانوا يخشون الانفراد بالسلطة لأنهم كانوا يشعرون وقتها أنهم غير جاهزين لتوليها، كانوا يريدون التعاون مع الرئيس ويريدوه أن يتعاون معهم، ولكن للأسف الشديد لم يحصل هذا، ولم يقبل الآخرين بالشراكة، في النهاية عندما فر الرئيس هادي، لم يفر إلا عندما تخلى عنه الجميع، هو بقي في منزله، يمارس سلطاته وصلاحيته بأمان من 21 سبتمبر وحتى 21 يناير، أي أربعة أشهر أو يزيد، في الشهر الأخير بعد ذلك بين 21 يناير و20 فبراير كان الرئيس فيما يشبه الإقامة الجبرية، وكان هناك بعض الوساطات لكي تخفف عنه الإقامة الجبرية ومن بين هذه الوسطاء الأستاذ آزال الجاوي نجل الوطني المناضل عمر الجاوي وذهب بنفسه إلى السيد عبدالملك الحوثي وطلب منه أن يسمح للرئيس هادي بالتحرك وأمر السيد عبدالملك الحوثي ببعض قيادات أنصار الله أن يذهبوا لمنزل الرئيس هادي ويعتذروا له عن بعض الإساءات التي حصلت من قيادات الأزمة، لدرجة أن أحد القيادات قبل رأس الرئيس معتذراً وحاولوا أن يتعاملوا معه بإشفاق بعد أن تخلى الجميع عنه، عندما دخل أنصار الله في 21 يناير إلى منزل الرئيس هادي الكل هرب جميع حراسه لم يبقَ معه سوى مهدي ناصر أحد أقاربه وحارسه الشخصي ولم تبقَ سوى بعض النساء من البيت، وجاءت الخطة، – كان هناك خطأ مني في كتابة القصة أنه الشخص الذي طرح عليه الفكرة القيري، الصحيح هو محمد هادي وتم التصحيح فيما بعد من قبله، قال لي هاتفياً أن الذي تحدث معه هو مهدي ناصر من حراس الرئيس وهو الذي أبلغ الرئيس بالفكرة، وتحمس لها الرئيس عبدربه منصور هادي، وكانوا يدركون أن جنود أنصار الله في منزل الرئيس هادي وحوله كانوا يتجنبون التعرض للنساء، ولذلك كانت الفكرة مواتية أن يخرجوا، ومما لم أقوله في تلك القصة أن سيارة الأجرة التي أحضروها جعلوا شعارات أنصار الله والموت لأمريكا في خلفية السيارة وجوانبها وحتى أنهم أحضروا بعض الأشرطة والسيديهات والزوامل التابعة لأنصار الله ولم يستوقفهم أحد إلا في إحدى النقاط العسكرية التابعة لأنصار الله، حتى أن جزء من العباءة خرج خارج باب السيارة واستوقفت ليخبروهم أن العباءة خارجة، وشعروا في تلك اللحظة أنهم قد اكتشفوا وأن المسألة ستفشل واستعدوا حتى للقتال، كان الرئيس هادي بجانبه سلاح شخصي ومستعد أيضاً للدفاع عن نفسه”.
-
منشور الماوري في صفحته على “الفيس بوك” بالكامل:
-
قصة الهروب الكبير
كيف خرج الرئيس هادي من صنعاء
-
بطل الهروب يتساءل:
هل من طبع الملوك أن يتراجعوا عن مكرماتهم؟!
كتب منير الماوري
في اليوم السابع من شهر يوليو عام 2014 اقتحمت القوات التابعة لحركة أنصار الله (الحوثيون) مدينة عمران شمال العاصمة صنعاء وأحكمت قبضتها على المدينة ثم قتلت الجنرال حميد القشيبي قائد اللواء 310 مدرع المناط به حماية محافظة عمران البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء. كان ذلك اللواء من أقوى الألوية العسكرية في اليمن ومسلح تسليحا جيدا.
في اليوم التالي لمقتل القشيبي طار الرئيس عبدربه منصور هادي برفقة مستشاره العسكري الجنرال علي محسن إلى جده بالمملكة العربية السعودية بعد أن استشعر الخطر من اقتراب الحوثيين من العاصمة صنعاء عقب سقوط أقوى خطوط الدفاع عن العاصمة.
عند وصولهما إلى جدة كان في استقبالهما الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي عهد السعودية آنذاك، حيث اصطحبهما للقاء الملك عبدالله، كما التقيا بمسؤولين سعوديين آخرين لمناقشة تطورات الأوضاع في محافظة عمران وسيطرة الحوثيين عليها إلى جانب المخاطر المحدقة بالعاصمة صنعاء.
وأثناء وجود الرئيس ومستشاره العسكري في السعودية تردد حينها في الشارع اليمني أن مغادرتهما إلى السعودية ليست إلا هروبا من الخطر الحوثي وأنهما قد لا يعودا إلى صنعاء خصوصا أن الزيارة المفاجئة جاءت عقب عودة اللواء علي محسن الاحمر من السعودية لأداء مناسك العمرة بيومين فقط وهو ما يشير إلى ان الزيارة كانت اضطرارية وغير مرتب لها مسبقا.
على الأرجح أن الرجلين حصلا على تطمينات على حياتيهما من العاهل السعودي الملك عبدالله، وتردد وقتها أنهما تلقيا تعليمات بتسهيل مهمة الحوثيين في مؤشر على أن السعودية في ذلك الوقت كانت تسعى لاستدراج الحوثيين إلى العاصمة صنعاء ربما في إطار خطة لضربهم فيما بعد، وربما تماشيا مع سياسات الملك عبدالله المعلنة تجاه جماعات الإخوان حيث أن حركة أنصار الله الشيعية أفضل من يخدم تلك السياسات نظرا لعدائهم الجارف مع تجمع الإصلاح اليمني (الإخواني).
عاد الرئيس هادي والمستشار علي محسن الأحمر من السعودية إلى صنعاء في التاسع من يوليو، ولم يتخذا أي إجراءات من أي نوع لتأمين العاصمة من الخطر القادم من الشمال.
وصحيح أن منصب الجنرال علي محسن كمستشار عسكري لرئيس الجمهورية لا يتيح له نظريا التحكم في وحدات عسكرية مقاتلة غير أن نفوذه الفعلي المستمد من منصبه السابق كقائد للمنطقة الشمالية الغربية وقائد للفرقة الأولى مدرع كان يتيح له عمل الكثير لعرقلة تقدم الحوثيين.
من المستبعد أن يكون عزوف الجنرال علي محسن عن التصدي للحوثيين نابعا من تواطئ ذاتي فهو عدوهم الأول بل وهدفهم المعلن من التقدم نحو العاصمة صنعاء، لكن على الأرجح أنه لم يكن بمقدوره تحدي إرادة أو تعليمات ولي الأمر الفعلي العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ومن المفارقات أن النفوذ السعودي في اليمن لم يكن قاصرا على الرئيس هادي والمستشار علي محسن بل كان يشمل كذلك بصورة قوية خصمهما اللدود الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي لم يكتف باستغلال نفوذه لغض الطرف عن تحركات الحوثيين بل ساهم كذلك في دعمهم قبليا وعسكريا وساهم في تسهيل انضمام بعض معسكراته السابقة إليهم.
وطبقا لمعلومات من مصادر مقربة جدا من الشخصيات المعنية فإن تعليمات الملك عبدالله كانت تقضي بإجراء مصالحة بين هادي ومحسن وصالح للتحالف لاحقا مع الحوثي ضد الإخوان. وبالفعل التقى الرجال الثلاثة في صلاة أحد الأعياد لكن علي عبدالله صالح كان أكثر جرأة في التحدي الجزئي لتعليمات الملك عبدالله بأن رفض أمام الكاميرات التلفزيونية مصافحة علي محسن وهو ما فهم منه أنه وإن كان قد قبل إنهاء القطيعة مع هادي إلا أنه يرفض المصالحة مع محسن تحت مبرر أن الأخير تآمر على حياته في تفجير مسجد النهدين عام 2011.
بعد عودة الرئيس هادي من السعودية إلى صنعاء تغيرت نبرته تجاه الحوثيين حيث صرح في الـثالث والعشرين من يوليو 2014 أن محافظة عمران “عادت إلى سيطرة الدولة”.
الحوثيون من جانبهم كان لديهم خططهم الخاصة بهم للتقدم من عمران إلى صنعاء وبالتالي إخضاع بقية أرجاء اليمن لنفوذهم، لكنهم كانوا بحاجة إلى مبرر لاقتحام العاصمة.
جاءت الفرصة المواتية لهم في منتصف أغسطس من نفس العام حيث قررت الحكومة الشرعية رفع أسعار الوقود برفع الدعم عنها، وهو ما أتاح للحوثيين تنظيم تحرك احتجاجي للمطالبة بإسقاط الحكومة والتراجع عن رفع أسعار الوقود. وأقامت جماعة الحوثي خيامًا للاعتصام حول مداخل العاصمة، قبل أن تقيم خياما أخرى قرب مقار حكومية وسط المدينة وتنظم مظاهرات حاشدة تطورت لاحقاً إلى قطع طرق رئيسية، مطالبين بإقالة الحكومة، وإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
وفي خضم الاحتجاجات زار الرئيس هادي، معسكر السواد وهو المقر الرئيسي لقيادة قوات الحرس الجمهوري المسماة لاحقا بقوات الاحتياط. جاءت زيارة هادي للمعسكر الواقع في منطقة “حزيز″ على المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء، وذلك بعد اشتباكات وقعت بين وحدات من الحرس الجمهوري ومسلحين تابعين لجماعة أنصار الله هاجموا المعسكر.
تردد وقتها أن الرئيس هادي رغم أنه كان يرتدي الزي العسكري بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية إلا أنه طلب من الضباط والجنود عدم التصدي للحوثيين وتجنب الاشتباك معهم مهما كانت الظروف.
في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، اقتحم مسلحو حركة أنصار الله (الحوثيون) عاصمة الجمهورية اليمنية صنعاء واستولوا على مقار الدولة ابتداء من المقار العسكرية إلى المستشفيات وانتهاء بالبنك المركزي، دون أن يواجهوا أي مقاومة تذكر. حتى قوات الأمن اليمنية التابعة لوزارة الداخلية تلقت أوامر من الوزير عبده ا لترب للتعاون مع مسلحي الحوثي على حفظ الأمن.
وقبيل سقوط مقر الفرقة الأولى مدرع سارع قائد الفرقة السابق علي محسن باللجوء إلى السفارة السعودية في صنعاء وتم تهريبه لاحقا إلى السعودية، بينما توارى الشيخ القيادي الإخواني الشيخ عبدالمجيد الزنداني عن الأنظار بعد حصار جامعة الإيمان من قبل الحوثيين، وكان موجوداً فيها لكنه تمكن من الفرار متنكرا. وعلى أثر هذه التطورات قدم رئيس الوزراء محمد باسندوة استقالته لكنه لم يوجهها إلى الرئيس اليمني، بل اتهمه فيها بالإخلال بقواعد الشراكة.
ورغم دخول مسلحي الحوثي إلى العاصمة وسيطرتهم الكاملة عليها إلا أنهم لم يطيحوا بالرئيس هادي واكتفوا بأن أطاحوا بالحكومة على أمل أن يحققوا أهدافهم من خلال شرعية الرئيس الذي أصبح تحت قبضتهم.
ومن أجل ذلك وافق الحوثيون على مقترحات المبعوث الدولي جمال بن عمر تحت مسمى اتفاق السلم والشراكة وتم التوقيع عليه في اليوم ذاته الذي بسط فيه الحوثيون سيطرتهم على صنعاء.
واتهم الرئيس هادي في 26 سبتمبر الحوثيين بعدم احترام الاتفاق ودعاهم للانسحاب من صنعاء التي يسيطرون عليها.
في السادس والعشرين من سبتمبر، ظهر الجنرال علي محسن في السعودية وكنت أول صحفي ينقل عنه تصريحا نشرته صحيفة العربي الجديد في اليوم ذاته حيث دعا فيه اليمنيين إلى “التمسك بشرعية الرئيس هادي، وللحفاظ على البلاد من السقوط في حرب أهلية لن ينتصر فيها أحد، بل سيدفع ثمنها أبناء الشعب جميعاً”.
وبرر الأحمر، خروجه من اليمن إلى السعودية، إثر سيطرة جماعة “الحوثيين” عسكرياً على صنعاء، وإعلانها رسمياً أنه “المطلوب الأول” بالنسبة إليهم، بأنه كان “من أجل سلامة اليمن وليس من أجل سلامته الشخصية”.
وقال “قررنا بعد التشاور مع فخامة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي، أن نتجنب الحرب الأهلية بأي ثمن”.
ورفض محسن الحديث عن كيفية خروجه من اليمن، كما اعتذر عن تأكيد أو نفي ما نشرته الصحافة اليمنية من روايات متناقضة عن كيفية نجاته من قبضة الحوثيين، لكنه وعد أن “يروي لليمنيين كل شيء في الوقت المناسب”.
بعد خروج محسن من صنعاء لم يلحق به الرئيس هادي لأنه كان حينها آمنا على نفسه وعلى تواصل مستمر بزعيم الحوثيين وكان هناك نوعا من التقارب والتفاهم طوال أربعة شهور تلت دخول الحوثيين إلى صنعاء، عين الرئيس هادي خلالها القيادي الحوثي صالح الصماد مستشارا له.
غير أن صحة الملك عبدالله تدهورت بشكل خطير في يناير من عام 2015، وبدأ صنع القرار السعودي ينتقل فعليا إلى ولي العهد سلمان بن عبدالعزيز الذي كان له وجهات نظر أخرى في كافة الملفات بما في ذلك ملف اليمن والحوثيين حيث يعتبرهم سلمان أخطر من الإخوان المسلمين وليس العكس.
ويبدو أن القيادة السعودية بدأت تحضر لشيء آخر الأمر الذي انعكس سلبا على علاقة الرئيس هادي بالحوثيين في صنعاء كما عمدت السعودية بتفعيل بعض أدواتها لاستفزاز الحوثيين في صنعاء. وكأن أول من بادر لاستفزاز الحوثيين هو مدير مكتب الرئيس هادي أحمد عوض بن مبارك الذي أعلن في منتصف يناير عن بدء الاستعدادات لتقديم مسودة الدستور الجديد إلى الاستفتاء تنفيذا لمخرجات الحوار الوطني في وقت كان الحوثيون لا يزالون متمسكين بتحفظهم على بعض البنود الجوهرية في الدستور وعلى رأسها خارطة التقسيم.
في صباح 17 يناير 2015، أوقف مسلحون حوثيون أحمد بن مبارك وهو في طريقه إلى احتفال رسمي بتسليم مسودة دستور اليمن الجديد إلى الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وأفرجوا عنه بعد عشرة أيام من الإخفاء القسري، بعد أن أوقفوا محاولات إقرار الدستور في هيئة الرقابة المشار إليها.
وتزامن هذا التصعيد مع تقديم صالح الصماد استقالته من هيئة مستشاري هادي محذرا بأن الخلافات بين أنصار الله والرئاسة بدأت تتفاقم. وقد تفاقمت بالفعل بعد أن قدمت الحكومة استقالتها للرئيس هادي وقدم هادي استقالته للبرلمان، الأمر الذي أغضب الحوثيين أشد الغضب كونهم كانوا يريدون الاستعانة بالرئيس المنتخب لفرض أجندتهم بصورة شرعية.
في الحادي والعشرين من يناير 2015، كثف مسلحو حركة “أنصار الله” الحوثية، من انتشارهم في صنعاء، ولاسيما في محيط منزل الرئيس، عبد ربه منصور هادي، في شارع الستين، وهو ما أعتبره الرئيس هادي حصارا لمنزله لوضعه رهن الإقامة الجبرية.
ويقول الرئيس هادي في لقاء له مع قناة العربية في التاسع من يونيو أن الحوثي أراد أن يملي عليه قرارات يوقع عليها كرئيس جمهورية شرعي لكنه رفض، مشيرا إلى أن المسلحين الحوثيين اقتحموا منزله لمدة أربع وعشرين ساعة من الثانية عشرة ظهرا إلى الثانية عشرة ظهرا في اليوم التالي. وقال إن 13 من أفراد حراسته قتلوا وسقط 37 جريحا أثناء الاقتحام.
وعندما سئل الرئيس هادي هل الحوثيون أجبروه على الاستقالة أجاب بصراحة متناهية: ” لا هم لا يريدوني أن أستقيل بل يريدون أن أنفذ لهم أشياء باسم منصبي.. “وأضاف هادي في حديثه أن الذي فرح باستقالته هو علي عبدالله صالح لأنه يتمتع بأغلبية من المؤيدين في البرلمان أما الحوثيين فقد أحرجتهم الاستقالة لدرجة أنهم ذهبوا لاحتلال مقر مجلس النواب اليمني بعد تقديمه الاستقالة للنواب لمنعهم من قبول الاستقالة، كما رفضوا إذاعة خبر الاستقالة عبر الإعلام الرسمي الأمر الذي أضطره لتسريب الخبر إلى الإعلام الخارجي بطرق خاصة.
وأوضح هادي أن الحوثيين اعتبروا الاستقالة تآمر فقرروا فرض الإقامة الجبرية عليه بغرض الضغط عليه للتراجع عن الاستقالة.
هذه الإجابة تفسر سبب غضب الحوثيين الشديد من استقالة هادي واستقالة حكومة خالد بحاح، بل يؤكدون من جانبهم أنهم كانوا ينشدون الشراكة وأن هادي وحلفائه هم من أنقلب على اتفاق السلم والشراكة بتعليمات من المملكة العربية السعودية في إطار خطة مسبقة للعدوان.
استمر الحصار المفروض على منزل الرئيس هادي لمدة شهر تقريبا تخلله بعض الإساءات للرئيس من قبل قيادات حوثية واعتذارات من قبل قيادات حوثية أخرى. كما جرت بعض الوساطات لدى قائد أنصار الله عبدالملك الحوثي للتخفيف من الحصار على هادي فكانت إجابته أنهم لم يحددوا حركة الرجل وأن بإمكانه التنقل كما يشاء داخل العاصمة وهو ما اعتبره بعض الوسطاء إيعازا لهادي بالتحرك.
الرئيس المستقيل من جانبه لم يعتبر الخروج خيارا ممكنا بل إنه اعتبر كلام عبدالملك الحوثي مؤامرة لاغتياله خارج منزله.
-
بطل الهروب
فكرة تهريب الرئيس لم تخطر على بال الرئيس ولا على أي من مساعديه ممن ادعوا البطولة لاحقا، بل جاءت من شيخ قبلي يمني من مشائخ خولان هو الشيخ الوليد أحمد القيري أثناء حديث عابر في منزل محمد هادي نجل شقيق الرئيس الذي سخر في البداية من الفكرة لولا أن الشيخ القيري أبدى استعداده أن يتولى بنفسه التخطيط والتنفيذ دون إشراك أحد في الخطة إلا من كان هناك حاجة ماسة إليه للمساعدة على التنفيذ.
كانت خطة الشيخ وليد القيري بسيطة وذكية للغاية لكنها في ذات الوقت عبارة عن مغامرة خطيرة يمكن أن تتحول إلى فضيحة كبرى لو تم اكتشافها قبل إتمامها بنجاح.
تتلخص الخطة في أن يستعين الشيخ القيري بامرأتين من المنقبات لدخول منزل هادي تحت غطاء زيارة النساء في المنزل على أساس أن هناك معرفة سابقة أو صداقة مع نساء المنزل، وبعد أن تتم الزيارة يتم إخراج ثلاث نساء بدلا من اثنتين فقط على أن تكون الثالثة هي الرئيس هادي نفسه.
تم طرح الخطة على هادي فوافق عليها كونه يدرك تماما أن مسلحي أنصار الله في منزله كانوا يتجنبون نساء المنزل بشكل لافت ناهيك عن التفكير مجرد تفكير في تفتيشهن أو منعهن من الدخول والخروج.
وتردد أن وزيرة الإعلام في ذلك الوقت نادية السقاف من بين من شاركن في تنفيذ خطة الهرب لكن مصدرا وثيق الصلة بالخطة تخطيطا وتنفيذا نفى لكاتب هذا التقرير أن يكون قد تم إشراك أي شخص من خارج عائلة الرئيس. كما نفى مساعدة الرئيس المخلوع أو المبعوث الدولي جمال بن عمر أو أي جهة استخباراتية يمنية أو خارجية لهادي في مغادرة صنعاء.
ظلت فكرة الهروب طي الكتمان لعدة أيام لجأ حينها الرئيس هادي إلى القيام بحملة تظليل للحوثيين عن تطريق تكثيف الاتصالات معهم والتفاوض حول نقاط معينة من بينها إصدار قرارات تعيين نائب رئيس جمهورية منهم ونائب رئيس حكومة منهم ونواب وزراء منهم ورؤساء الجهاز المركزي للرقابة والأمن السياسي والأمن القومي منهم وغيرها. بل وصلت المشاورات بين الطرفين إلى درجة النقاش حول إمكانية إشراك الرئيس هادي في الإعلان الدستوري الذي كان الحوثيين يعتزمون إصداره وأوهمهم هادي أنه مستعد لقراءة الإعلان الدستوري بنفسه لكنه تنصل بعد ذلك عن وعده بحجة أن الإعلان المعد يخالف ما تم الاتفاق عليه.
في عصر العشرين من فبراير 2015 وصلت إلى البوابة الغربية لمنزل الرئيس هادي سيارتي أجرة نزلت منها امرأتان ودخلتا إلى المنزل دون أي تفتيش فيما بقي في السيارتين سائقيهما إلى جانب ثلاثة مسلحين من قبائل خولان على أساس أنهم من أقارب المرأتين.
بعد سويعات قليلة خرجت ثلاث نساء اثنتان منهما ترتديان الشرشف الصنعاني والثالثة ترتدي نقابا وعباءة على الطريقة العدنية فظنها الحراس الحوثيون أم جلال زوجة الرئيس هادي.
لقد كان الحراس محقين بالفعل فالعباءة هي عباءة أم جلال ولكن من بداخلها هو أبو جلال وليس أم جلال.
انطلقت سيارتا الأجرة باتجاه خولان الطيال حيث وصل الرئيس هادي بسلام إلى المحطة الأولى للهروب. وبعد استراحة قصيرة تم تغيير السيارات والانطلاق بالرئيس هادي ليلا صوب عدن حيث كان أول من فوجئ بخبر وصوله إلى عدن المسلحون الحوثيون المسؤولون عن حراسة منزله.
بعد وصول الرئيس هادي إلى عدن بيومين أعلن الديوان الملكي السعودي وفاة الملك عبدالله وبدأت مرحلة جديدة أكثر تشددا مع اليمن واليمنيين وأكثر تراخيا مع الإخوان المسلمين عما كانت عليه في عهد الملك الراحل.
ومن هروب إلى هروب ولا تزال القصة مستمرة حتى الآن.
-
رد الجميل
الشيخ وليد القيري بطل تهريب هادي شعر بالزهو بعد نجاح خطته بصورة مبهرة، لكن هذا الزهو لم يستمر طويلا إذ سرعان ما شعر بالندم الشديد على ما أقدم عليه.
لم يكن هذا الندم بسبب اضطراره هو نفسه للهرب من الحوثيين فيما بعد إلى السعودية، ولا بسبب المتاعب التي سببها لأقاربه في خولان من الحوثيين بعد اكتشافهم لدوره في تهريب هادي، ولكن هذا الندم لأسباب أخرى مثيرة للأسى فعلا.
لقد جاءته المتاعب الأكثر خطورة من الجهة التي أسدى لها الجميل وعلى وجه التحديد من نجل الرئيس هادي الأكبر جلال الذي يتهمه القيري بمحاولة تصفيته لإخفاء تفاصيل قصة الهروب. والأدهى من ذلك أن الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمر له بمكافأة مجزية جدا للجهد الذي قام به في إنقاذ الرئيس الشرعي في رحلة الهروب الأولى، لكن المكافأة تم احتجازها في مكتب وزير الدفاع السعودي بطلب من الرئاسة اليمنية.
ويقول وليد القيري بنبرة أسى ” ليس من طبع الملوك أن يتراجعوا عن مكرماتهم ..
ويعتبر الشيخ القيري موقف الرئيس هادي ونجله نكرانا للجميل، لكن نكران الجميل هذا كان له فائدة في تسريب جزء من تفاصيل القصة، وربما يأتي اليوم الذي تتسرب فيه فيديوهات وتسجيلات توثق كل ما حدث بالتفصيل.