الإمام الحسين في شعر أدونيس
وكالات – فاطمة فائزي – المساء برس| تعدّ شخصية الإمام الحسين في الأدب المعاصر من أبرز أبطال الثوري والدعوات النبيّلة، والذي لم يقدر لثورته أو لدعواته أن تصل إلى غايتها، فكان مصيره إلهزيمة،
ولم يكن سبب هذه إلهزيمة نقصاً أو قصوراً في دعوته أو مبادئه، وإنّما كان سببها أنّ دعواته كانت أكثر مثالية ونبلاً من أن ينسجم مع واقع ابتدأ الفساد اليسرى في أوصاله”. “و كان الإمام الحسين (ع) من أكثر شخصيات الموروث التاريخي شيوعاً في الشعر المعاصر ـ فقد رأى الشعراء المعاصرون أنّ الحسين عليه السلام الممثل الفذ لصاحب الفضيلة النبيّلة، الذي يعرف سلفاً أن معركته مع قوى الباطل خاسرة ولكن ذلك لا يمنعه من أن يبذل دمه الطهور في سبيلها، موقناً أن هذا الدم هو الذي سيحقق لقضيته الإنتصار والخلود، وأنّ في استشهاده إنتصار له ولقضيّته.
و بهذا المدلول إستدعى الشعراء المعاصرون شخصية الحسين (ع) ليعبّروا من خلإله عن أنّ إلهزيمة التي تلقاها الدعوات والقضايا النبيّلة في هذا العصر، وإستشهاد أبطالها ـ المادي أو المعنوي ـ إنّما هو انتصار على المدى الطويل لهذه الدعوات والقضايا. وإلى جانب هذا المدلول العام لشخصية الحسين (ع)، عبّر الشعراء به عن قضية أخرى، وهي تفرد أصحاب الدعوات الكبرى ووحدتهم وسلبية الجماهير إزاءهم وإزاء دعوتهم، لأنّ القضايا الجليلة لا يقوى على حملها إلا المجاهدون الكبار”.
إن الشاعر أدونيس يقدّم رمز الحسين (ع) كبطل عظيم وشجاع بدلالات القيم النفسية والحسية. فالحسين (ع) في شعر أدونيس بطل التراجيديا وليس مجرد بطل التاريخ الحقيقي وقد تحوّلت الحقيقة التاريخية عند الشعراء إلى أسطورة … وخلق أدونيس من الأسطورة ومن رؤيته حالة جديدة للبطل وهي حالة الحضورالحدسي الوجداني، وأصبح التلاحم بين الحسين (ع) والجمهور المشبّع بذكراه تمرّ منخلال قصيدة بعد أن كان يمرّ من خلال التاريخ والسيرة الشعبية. فالحسين يحنو عليه كل حجر وتنام كل زهرة عند كتف الحسين كقول الشاعر قصيدته «مرآة الشاهد»:
و حينما استقرّت الرّماح في حشاشة الحسين
وازيَنّت بجسد الحسين
و داست الخيول كلّ نقطة في جسد
الحسين وإستبلت وقسّمت ملابس الحسين
رأيت كل حجر يحنو على الحسين
رأيت كل زهرة تنام عند كتف الحسين
رأيت كل نهر يسير في جنازة الحسين
يعبّر الشاعر أدونيس في هذا المقطع بأنّ إستشهاد الحسين (ع) قد أحدث أثره في كلّ مظاهر الوجود. وكما أنّ نص أدونيس الشعري يتناص مع الحادثة التي تروي مقتل الحسين وخذلانه من طرف مؤيّديه. وينقل لنا أجواء الجنازة، حيث راحت كل الأشياء تشارك في هذا الموقف ـ الحجر، الزهرة، النهر ـ الذي يجسّد موقف التعاطف معه، وهذه الحادثة ما هي إلا تعبير عن الخيانة، والقتل وتلاشي المرؤة والفضيلة. ثمّ أنّ الحسين (ع) وإستشهاده في سبيل الحق هو رمز مناضلة الانسان مع الباطل ومكافحة الجهل في البلاد العربية. فأدونيس يدعو الانسان إلى أن يفيق من جهله ويثور على الباطل ليستعيد مكانته وقيمه الأخلاقية الرفيعة في المجتمع العربي.
زين العابدين (ع) في شعر أدونيس
“إنّ الشاعر أدونيس قد رصد وقائع كل الثورات التي قامت مناهضةً للخلافة الأموية”ويعرض بعضاً من هذه الثورات التي ناضلت من أجل الحب والسلام والحرية. “أما كفاح الإمام زين العابدين (ع) في سبيل الحق، تأخذ موقعاً متميزاً في مسيرة النضال والتضحية والفداء. فمناهضة الإمام زين العابدين (ع) للخلافاء الأمويين هامٌ من وجهتي النظر التاريخة والفنية”.
يقول الشاعر:
مولاي، زين العابدين …
أنا جمر ثورتك … أنفجر
غير نداءك، وأنفجر…
ورأيت أنّي صيحة ترث الضحايا
و رأيت أنّ الجوع يرفعني تحيّة
لدم الضّحايا
للبائسين الطالعين من الأزقّة والزّوايا
موجاً يُضيء العالمين…
مولاي زين العابدين
لغتي تنوء كأن فوق حروفها حجراً وطين
فبأي جانحة أطوف، بأيّ موج أستعين
هنا يحسّ الشاعر بالأسى والخزي والحزن وندم تجاه ما يحصل في الأمة العربية والمجتمع العربي فهو يرى بأن مجتمعه يتلاشى ويتآكل من الداخل بسبب النزاعات السياسية والقضايا الاجتماعية. وبما أنّ أدونيس شاعر الرفض، فهو لا يقبل التخلّف والجهل في المجتمع، فهو يؤمن بأن النّكبات التي تحصل في الأمة العربية سببه هما عدم البصيرة والعقول المتزمّتة فيها. ثمّ أن القضايا السياسية والإجتماعية التي يراها الشاعر في المجتمع العربي، يثقل كاهله، فلهذا هو يبحث عن مخلّص ينقذه من مآسيه.
ويبعث الحياة من جديد بدمه الأسطوري الأحمر، فالإمام زين العابدين (ع) رمزٌ للحرية والشهادة والخصب والإنبعاث، وهو بمثابة ملاذ آمن للشاعر، يحاوره الشاعر ويخاطبه، راجياً أن يجد بريق الخلاص والطمأنينة. والشاعر يشعر بأنّه عاجز عن التفكير بالحقيقة وهو يطوف حول هذا المخلّص «الامام زين العابدين (ع)» بحزن شديد، يلتمس منه الحياة والأمل إلى قلبه الميت والمكتئب فهو مثل أبيه الإمام الحسين الأمل الوحيد لبعث الحياة الجديدة والحرية إلى العالم. وشجاعته وكفاحه هما الدواء اللذان سيضمدان جروح المظلومين والأبرياء. كذلك الامام زين العابدين رمز الإنتصار للقدرة الحقيقية والخالدة لدم الشهداء والمناضلين.
زيد بن علي “ع” في شعر أدونيس
تتنوّع صور الإستخدام وتوظيف الشخصيات التاريخية كثيراً في قصائد أدونيس، فنجد مثلاً تعامل الشاعر مع «زيد بن علي» يعمد إلى الملمح الخاص من هذه الشخصية ليعبّر عن تجربته في معادلة تتلاحم فيها الذات مع الموضوع، فيقول: بعد لحظة رأوه معلّقاًيحرق فوق الماء.
ينثر فوق الرّماد
يعيدنا أدونيس في هذه الأبيات إلى أجواء قتل زيد بن علي، وما يكتنف هذه الأجواء من تراجيديا. من هنا فإن أدونيس يحيلنا مباشرة على الحادثة التاريخية، المتمثّلة في ثورة “زيد بن علي بن الحسين في سنة 122 هـ. داعياً الناس إلى كتاب الله وسنة نبيّه ـ صلى الله عليه وسلم وجهاد الظالمين”.
وقد إستطاع زيد بن علي أن ينصف المظلومين، والعناية بالطبقات المحرومة، وعلى التوحيد بين الفكر والعمل. ولكن هذه الثورة لم تستهو الكثيرين، كذلك قتل: “وصلب في الكناسة، ثمّ أرسل إلى دمشق وصلب على بابها، ثمّ أرسل إلى المدينة وصلب بها، … وبقي مصلوباً حتى سنة 125 هـ. حيث أمر الوليد بن يزيد بحرق، ونسفه في اليم نسفاً”. يحمل أدونيس شخصية زيد بن علي فجيعة الماضي المتمثلة في قتله، ويعبّر من خلال ذلك عن تعاطفه مع هذه الشخصية. ولعلّ أدونيس في تعامله مع هذه الشخصية، حاول أن يتجاوز معطيات الماضي، ويضفي عليها بُعداً جديداً، حين يقول:
الجسم يصاعد في رماد
مهاجر كالغيمة الخفيفة
و الرأس وحي نار
عن زمن الغيوب والثورة والثوار
يبيّن أدونيس أنّه على الرغم من قتل وصلب زيد بن علي وحرقة، ونثر رماد جثته فوق الماء إلا أنه لم يمت، بل بقي رمزاً إلى الأبد، وما يجسّد ذلك قوله: (والرأس وحي نار). فالنار عند أدونيس هي منبع الحياة ودلالة الديمومة والبعث، ذلك أن النار جاءت لمواجهة الموت، لأنّها نقيضه كما أنها علامة الحياة، عن طريق بث لهبها في النفوس.
المصدر: جريدة الدعوة