من الألف إلى الياء.. المسار السياسي والتفاوضي بين صنعاء والرياض
تقرير خاص – المساء برس|
بعد شهرين من اندلاع الحرب في اليمن وتدخل التحالف الذي قادته السعودية والإمارات عسكرياً في مسار الأزمة اليمنية، التقى متحدث أنصار الله محمد عبدالسلام ورئيس المجلس السياسي الراحل صالح الصماد بوزير الخارجية العماني في مسقط، بهدف التأكيد على أن “أنصار الله مع السلام ويريدون الحوار.
قبلها كان المبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر قد أعلن في مجلس الأمن أن الحل في اليمن كان قاب قوسين أو أدنى لولا اندلاع “عاصفة الحزم” التي قال إنها خلطت الأوراق.
بعد تعيين المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ، التقى بالحوثيين وذهب وفد منهم إلى روسيا وعرضوا أن تتوقف الحرب والعودة إلى الحوار من النقطة التي توقفت عندها مفاوضات موفمبيك.
تم الإعداد لمفاوضات “مؤتمر جنيف الأول” في يونيو 2015 وتم عرقلة وفد صنعاء في جيبوتي ثم في القاهرة ثم في جنيف واشترطت الرياض عبر وفد الشرعية أن يعلن الحوثيون الموافقة الرسمية على القرار 2216 رغم أن المفاوضات كانت في الأصل لبحث قبول هذا القرار من عدمه، رفضت الشرعية الجلوس إلى المفاوضات وظلت متمسكة بمطلب رئيسي هو تطبيق القرار 2216، وبعدها بأسبوع واحد انتهت مفاوضات جنيف 1 بالفشل.
عاد وفد صنعاء إلى مسقط والتقى بالمبعوث إسماعيل ولد الشيخ وقال الأخير للوفد بالحرف الواحد: “لو وقعتم على ورقة تقبلون فيها بقرار 2216 فإن الحرب ستنتهي”.
رد وفد صنعاء بالقول: “كيف نعلن الموافقة على 2216 بدون أن يكون هناك حل”.
جرى في مسقط نقاشات بين وفدي صنعاء ثم تم الاتفاق على إصدار مبادرة النقاط السبع على رأسها الالتزام بقرارات مجلس الأمن.
جاء الرد إلى وفد صنعاء من قبل التحالف برفض مبادرة النقاط السبع.
بعدها حضرت سفيرة الاتحاد الأوروبي ووفد رسمي من مسقط وتم إبلاغ وفد صنعاء بأن طرف الرياض يرفض تلك المبادرة، مشترطين صدور بيان موقع بتلك المبادرة، فوافق طرف صنعاء على شرط التحالف.
بعدها بعثت صنعاء برسالة رسمية في 3 أكتوبر 2015 إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وسفراء الدول الـ18 تفيد بالموافقة على قرارات مجلس الأمن بما فيها 2216 والاستعداد للحوار.
مع اقتراب نهاية العام تم الإعلان عن هدنة من قبل الأمم المتحدة والإعلان عن مفاوضات في مقاطعة بيل السويسرية.
في بيل بسويسرا ظلت الوفود مجتمعة لمدة أسبوع وكان السفير الأمريكي حاضراً في هذه المفاوضات وكان وفد الشرعية يطلب من وفد صنعاء تسليم الأسرى من دون أن تسلم الشرعية الأسرى الذين لديها كما طلبت الشرعية تقديم المساعدات لبعض المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
من اليوم الثاني لمفاوضات “بيل” بدأ التحالف بتنفيذ زحف بري واسع على صحراء الجوف وأدى ذلك إلى سقوط العديد من المواقع بيد التحالف رغم الهدنة التي لا زالت معلنة، واعتبرت الشرعية إن التقدم الذي حصل لصالحها في الجوف لم يكن بعلم الشرعية.
لم يرد الحوثيون على نقض التحالف للهدنة وقبلوا بتبرير الشرعية وقبلوا بالعودة إلى الهدنة من جديد.
بعدها جاء السفير الأمريكي في نهاية شهر ديسمبر وأخبر وفد صنعاء بعدم تجديد بقاء الوفود المتفاوضة للأسبوع الأخير من ذلك الشهر، غير أن السلطات السويسرية أكدت حينها أنه يمكن أن تجدد بقاء الوفود واستمرار استضافتها لما فيه مصلحة اليمنيين وكان وفد صنعاء ووفد الرياض والأمم المتحدة موافقون على استمرار المفاوضات إلا أن السفير الأمريكي رفض الاستمرار في المفاوضات وتحجج بأعياد رأس السنة الميلادية
بعدها استئنفت الأعمال العسكرية في مختلف الجبهات من كل طرف وعاد وفد صنعاء إلى مسقط وحينها طلب علي عبدالله صالح من قيادة أنصار الله أن يحاولوا حل مشكلتهم مع السعودية ويتفاهموا معها مباشرة، وبدأ الحوثيون بالتواصل المباشر مع القيادة السعودية للبحث عن حل بشكل مباشر مع الرياض كونها صاحبة القرار الحقيقي.
وخاطب الحوثيون قيادة الرياض بالقول: “قرارنا وطني ومستقل وما يتم تخويفكم به من إيران هي قوى سياسية تريد أن تستمر الحرب ولها مصلحة مادية وعسكرية في الاستمرار، وكانت قيادة أنصار الله متابعة بشكل مستمر لهذه التفاهمات كي تزال أي شبهات لدى الرياض نحو أنصار الله.
بعدها تم الاتفاق على تفاهمات على مرحلتين: الأولى: يتوقف فيها وقف الغارات الجوية على المحافظات الشمالية وتبادل الأسرى والجثامين، غير أن السعودية لم تلتزم إلا بتسليم الأسرى والجثامين فقط فيما استمرت الغارات الجوية.
المرحلة الثانية: أنصار الله وحلفاؤهم من المؤتمر الشعبي وتم تشكيل 7 لجان كانت تذهب إلى ظهران الجنوب بالسعودية وتم التوقيع على 7 اتفاقيات في المحافظات المشتعلة في كل من شبوة والجوف حجة ومأرب وتعز وتم الاتفاق على أن يبدأ الحوار السياسي بعد وقف العمليات العسكرية.
أسست التفاهمات مع السعودية مباشرة للاتفاق على إجراء مشاورات في الكويت، وكان شرط وفد صنعاء قبل الذهاب لمفاوضات الكويت هو أن تفي السعودية بتعهداتها التي تم الاتفاق عليها في ظهران الجنوب وهي وقف الغارات الجوية في المحافظات الشمالية وبعد تدخل وساطات من بعض الأشقاء العرب بأن يذهب وفد صنعاء لمفاوضات الكويت لإسقاط الحجة على الرياض بشأن وقف الغارات.
ذهب وفد صنعاء إلى الكويت ورفض عقد أول جلسة مفاوضات إلا بعد وقف الغارات الجوية وتأجل انطلاق المفاوضات لمدة 4 أيام بسبب رفض السعودية وقف الغارات الجوية، ثم التقى وفد صنعاء بأمير دولة الكويت والذي قال أنه سيبذل جهوده مع السعوديين لتنفيذ التزامهم.
بعدها توقفت الغارات لمدة أسبوع واحد فقط ثم بعد ذلك استأنفت السعودية غاراتها الجوية وارتكبت حينها مجزرة مستبأ التي راح ضحيتها أكثر من 100 قتيل كما استئنفت العمليات العسكرية من قبل الشرعية والتحالف على الجوف بهدف قطع طرق بعض المناطق الاستراتيجية وصاحب ذلك قصف جوي مكثف.
استمرت مفاوضات الكويت 5 أشهر وكان التحالف يطرح على وفد صنعاء الانسحاب من المناطق وتسليم السلاح للعسكريين التابعين للشرعية في مأرب والاعتراف بالشرعية وبعدها الذهاب للحوار السياسي.
رفض وفد صنعاء ضغوط التحالف للتسليم لمأرب والاعتراف بالشرعية بدون البدء بحل سياسي وكانت وجهة نظر وفد صنعاء أن الذهاب نحو حل أمني وعسكري فقط فإن الحل السياسي سيتم ترحيله وسينتهي.
قدم وفد صنعاء تنازلاً كبيراً تمثل في وضع إطار للحل الشامل سياسي وعسكري والقبول بأن يضع وفد الشرعية الخطوات الأولى المتمثلة بالترتيبات الأمنية قبل السياسية واشترط وفد صنعاء أن لا يتم ذلك إلا بعد أن يتم الاتفاق والتوقيع على الاتفاق الشامل والكامل ورفض وفد الشرعية التوقيع على الاتفاق الشامل والذي تمثل بوضع مؤسسة الرئاسة والحكومة من الناحية السياسية وأيضاً الوضع العسكري والذي تضمن ترتيبات الانسحاب والتسليم، ولم يقبل وفد الشرعية إلا بالموافقة على التوقيع على الجزئية العسكرية من الاتفاق دون التوقيع على الحل السياسي.
بعد فشل إخضاع وفد صنعاء للاتفاق والتسليم للشرعية عسكرياً دون الاتفاق السياسي على الأقل، جلس السفير الأمريكي وسفراء الدول الـ18 مع وفد صنعاء مباشرة في الكويت وقال السفير للوفد بالحرف الواحد: “أمامكم الآن صفقة إما أن توقعوها وإما الحصار الاقتصادي سننقل البنك وسنمنع الإيرادات وسنغلق مطار صنعاء”.
رد وفد صنعاء: “افعلوا ما شئتم لن نستسلم أبداً مهما كان”.
آخر أيام مفاوضات الكويت قدم التحالف مشروعاً أمنياً وعسكرياً مفاده: الانسحاب وتسليم السلاح للشرعية في مأرب ثم عقد حوار بعد شهرين بعد عودة الحكومة إلى صنعاء.
رد وفد صنعاء: نسلم للشرعية التي لم تستطع بسط سلطتها على مطار أو ميناء أو شاطئ أو جزيرة في الجنوب؟! هل تريدون أن نسلم لكم مناطقنا وأنتم لم تقدموا نموذجاً واحداً جيداً في مناطق سيطرتكم لا تستطيعون بسط سلطتكم على المناطق التي سيطرتم عليها، ثم كيف يتم التسليم بدون حل كامل يزيل الالتباس المتمثل في الحل السياسي؟.
عاد وفد صنعاء إلى مسقط وتمت محاصرته 3 أشهر حيث مُنع من العودة إلى صنعاء من قبل التحالف.
بعد عودة وفد صنعاء إلى اليمن بأسبوع واحد جاء المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ وقام بتسليم صنعاء خطة أممية شاملة كانت بمثابة “خارطة طريق” وطلب التوقيع على بالموافقة كي تتوقف الحرب، أصدر وفد صنعاء بياناً تحفظ فيه على بعض نقاط الخارطة.
بعد أسبوع واحد تقدمت سلطنة عمان بطلب حضور وفد صنعاء إلى مسقط للقاء بمندوبي الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وذهب الوفد ورفض الاعتراف بوزير الخارجية الأمريكي كوسيط، وأخبر وفد صنعاء مسقط أن عمان هي الوسيط أما واشنطن فهي طرف في الحرب فأكدت عمان على وجهة نظر وفد صنعاء، كان الهدف من اللقاء بالدول الكبرى في مسقط هو الضغط للتوقيع على خارطة الطريق المزمنة رغم ما فيها من نقاط تحفظ عليها وفد صنعاء.
خاطبت عمان القيادة السياسية في صنعاء بأن الطرف الآخر الموالي للرياض يقول بأن وفد صنعاء لا يلتزم بما يقوله وأن أكبر التزام بهذا الاتفاق هو التوقيع عليه بما فيه من نقاط وبما فيه من خطة زمنية، اعتبرتها صنعاء أنها مجحفة بحق الشعب اليمني.
ردت صنعاء على طلب عمان بالموافقة على التوقيع على الخارطة وقام بالتوقيع عليها كل من محمد عبدالسلام عن أنصار الله وعارف الزوكا عن المؤتمر وتم تسليم الخارطة لعمان، وتضمنت الخطة الاعتراف بقرارات مجلس الأمن الاتفاق على الحوار المباشر مع السعودية وتوقيع خارطة الطريق المزمنة.
بعد عودة الوفد إلى صنعاء من جديد تبين أن المبعوث الأممي تمت عرقلته من قبل التحالف والضغط عليه لعدم المضي في توقيع الاتفاق مع الطرف الآخر وأصبحت تحركات ولد الشيخ تتركز حول زيارة يقوم بها إلى صنعاء والرياض قبل أي جلسة لمجلس الأمن ليضع إحاطته بأنه التقى بكل الأطراف وأن السلام في اليمن بات قريباً.
اليوم وحتى لا تنعقد مفاوضات جنيف 2 رفضت الرياض منح الطائرة العمانية تصريحاً بنقل الوفد الوطني “وفد صنعاء” إلى جنيف للمشاركة في المفاوضات وكشف ذلك المبعوث الأممي الأممي الحالي مارتن غريفيث في مؤتمر صحفي عقده السبت الماضي بجنيف وأكد ثلاث مرات بعبارة صريحة أن أطراف صنعاء كانت حريصة كل الحرص على المشاركة وأن الأمم المتحدة فشلت في تأمين مغادرة الوفد لظروف لوجستية حالت دون ذلك.