الساحل الغربي.. إيقاف “غير مُعلن” لسيطرة الإمارات على الحديدة
المساء برس – تقرير خاص| توقفت عملية السيطرة على الحديدة الممتدة على الشريط الساحلي الغربي لليمن، بعد أن كانت قد قادت أبوظبي – بقواتها المتواجدة في اليمن وإلى جانبها ضباط أمريكيون وبريطانيون وإسرائيليون – هذه العملية منذ نحو أسبوعين، بقوات جنوبية يمنية هي إلى الإمارات أقرب من قوات الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، بالإضافة إلى قوات تم تجميعها من المناطق الشمالية موالية للعميد طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح تحت مسمى قوات “حراس الجمهورية” الموالية للإمارات وغير المعترفة بقوات هادي، ومجاميع مسلحة موالية للتحالف تحت مسمى “المقاومة التهامية”.
أبوظبي تغرق قبل وصولها مطار الحديدة
العملية التي انطلقت قبل عيد الفطر بيومين توقفت بعد تعرقلها في محيط مطار الحديدة، وهو الوجهة التي حول القادة الإماراتيون العسكريون في اليمن أنظارهم إليه، كهدف للاكتفاء بالسيطرة عليه، بعد أن كان الهدف مدينة الحديدة بالكامل بما فيها الميناء الرئيسي للبلاد، وذلك بعد سقوط خسائر بشرية وعتاد عسكري هائلين منذ بدء العملية.
الأمم المتحدة تتجاهل التصعيد
وقد كانت القوات الإماراتية ترى بأن العملية على الحديدة والسيطرة عليها ستكون خاطفة بالنظر إلى حجم القوات التي تم إعدادها ودعمها بالسلاح والمدرعات العسكرية والتغطية الكثيفة لكل من الطيران الحربي والأباتشي وطائرات الرصد الجوي على مدار الساعة.
وحسب مصادر دبلوماسية تحدثت لوسائل إعلام دولية فإن الإماراتيون أبلغوا الأمم المتحدة أن العملية على الحديدة ستكون خاطفة وسريعة وأنها لن تؤثر على الوضع الإنساني في اليمن ولن تتسبب في إعاقة وصول المساعدات الإغاثية والغذائية إلى الشعب اليمني الذي يستفيد 80% منه من ميناء الحديدة الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، ولعل ذلك ما جعل الأمم المتحدة تتجاهل تصعيد التحالف في الحديدة رغم خطورته الكارثية على 25 مليون مواطن يمني يستفيد من ميناء المدينة استفادة مباشرة.
حلفاء الإمارات.. اختراق ثم حصار ثم إجلاء القتلى عبر البحر
وما إن بدأت قوات التحالف في تحشيد عتادها وتحقيقها اختراقاً على الشريط الساحلي دون تأمين الجبهة الشرقية لمدينة الحديدة الموازية للشريط الساحلي منذ مطلع شهر رمضان الماضي، حتى تمكنت قوات حكومة الإنقاذ في صنعاء من “تقطيع أوصال الاختراق وحصر قوات التحالف في مناطق جغرافية محاصرة من جميع الاتجاهات باستثناء المنفذ البحري وهو الجهة التي لجأ إليها التحالف للوصول بالعتاد العسكري والغذاء ونقل الجرحى والقتلى من القيادات، للقوات المحاصرة في أكثر من منطقة ساحلية جنوب غرب الحديدة بعد أن أخفق في فك الحصار على تلك القوات.
الإمارات تدفع ثمن قراءتها الخاطئة لقدرات خصمها
ويبدو أن الإمارات أعادت قراءة الوضع العسكري لقوات حكومة الإنقاذ ومقاتلي “أنصار الله”، وأدركت عدم إمكانية السيطرة على الحديدة بسهولة، خصوصاً بعد الهجمة العسكرية المكلفة التي تكبدت فيها الإمارات خسائر باهضة في المياه الإقليمية لليمن قبالة الحديدة، والتي تمثلت بالهجوم الصاروخي البحري على البارجة الحربية الإماراتية، التي كشفت “وكالة سبوتنيك الروسية” أنها حصلت على تسريبات تفيد بمقتل عشرات الضباط والجنود من جنسيات (أمريكية وإسرائيلية وبريطانية وإماراتية وسعودية) كانوا على متن البارجة التي غرقت بعد احتراقها بالكامل.
بالإضافة إلى خلخلة الصفوف في قوات “ألوية العمالقة” التي تقاتل بها الإمارات في الساحل الغربي بسبب حدوث اختراقات في صفوفهم وتمكن قوات حكومة الإنقاذ من تنفيذ ضربات في العمق بعد حصولها على معلومات استخبارية عسكرية تشير إلى أن اختراق قوات صنعاء لحلفاء الإمارات في الساحل الغربي بلغ غرف العمليات، وما يؤكد حدوث هذا الاختراق هو تصاعد الخلافات بين قوات طارق صالح الشمالية وقوات العمالقة الجنوبية والاتهامات المتبادلة بين الطرفين بالتسبب بسقوط مئات القتلى والجرحى من “القوات المشتركة” في الساحل وفشل التقدم نحو الحديدة، وحسب مصادر في مدينة المخا التي تتواجد فيها قيادة قوات طارق صالح، تحدثت لـ”المساء برس” في تقرير سابق، فإن الخلافات بين الطرفين وصلت حد إطلاق قيادات كل من العمالقة وحراس الجمهورية الاتهامات المباشرة كل طرف ضد الآخر، وفي الوقت الذي اتهمت قيادات بارزة في ألوية العمالقة، العميد طارق صالح بممارسة دور مشبوه ضمن قوات التحالف وألمحت إلى أنه يعمل لصالح “الحوثيين”، اتهم “طارق” ألوية العمالقة بأنها السبب فيما لحق بها من خسائر في الساحل الغربي بسبب عدم وجود حاضنة شعبية لها بسبب ما ترتكبه من انتهاكات ضد المواطنين من اغتصابات للنساء كما حدث في الخوخة.
أبوظبي.. واعترافات رسمية بالهزيمة
وتشير كل الأحداث السابقة إلى أنها كانت أسباباً كافية لتوقف عمليات الساحل الغربي من قبل التحالف بقيادة الإمارات، وبالإضافة إلى ذلك فإن مؤشرات جديدة صادرة من التحالف رأساً تؤكد أن “الإمارات” قررت وقف عملية السيطرة على الحديدة، وأبرز تلك المؤشرات ما نشرته صحيفة الـ”واشنطن بوست” اليوم على لسان من وصفته بـ”الوسيط لدى الأمم المتحدة ودبلوماسي رفيع المستوى في الإمارات” والذي كشف عن اتفاق تم التفاوض عليه مع أنصار الله في صنعاء بشأن مدينة الحديدة، لكن الدبلوماسي الإماراتي أضاف للصحيفة إنه لا يزال هناك اختلافات حول بعض التفاصيل.
وفي التقرير ذاته الذي نشرته الصحيفة الأمريكية كشف الوزير الخاص بالشؤون الخارجية أنور قرقاش إن قوات بلاده لا تريد سوى السيطرة على مطار الحديدة فقط، إذ قال: “نحن لا نريد أن نتحرك أكثر من المطار”، لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته أن يقوم التحالف بقصف على وسط المدينة.
كما أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، وبعد أن تبين أن سيطرة قوات أبوظبي وحلفائها على مطار الحديدة مجرد ترويج إعلامي، أصدر بياناً صحفياً الخميس الماضي كشف مدلوله أن عملية السيطرة على الساحل الغربي فشلت وتحول الأمر إلى تفاوض غير معلن بين سلطة صنعاء والتحالف عبر مبعوث الأمم المتحدة.
غريفيث قال في بيانه أيضاً إنه سيستأنف المفاوضات مع الطرفين بشأن إيقاف التصعيد في الحديدة، وقال إنه “على ثقة من أننا نستطيع التوصل إلى اتفاق لتجنب أي تصعيد للعنف في الحديدة”، وأنه حصل على مؤشرات إيجابية من صنعاء ومشجعة لحل سياسي جزئي لتجنيب المدينة والميناء حرباً مقبلة، هذا بالإضافة إلى ما كشفته الخارجية الأمريكية في بيان لها يوم أمس عن موافقة من التحالف للعرض الذي قدمته سلطات صنعاء بشأن الإشراف على ميناء الحديدة من قبل الأمم المتحدة، غير أن الإمارات – فيما يبدو – تسعى لانتزاع مكاسب أكثر وكأنها صاحبة الشأن والقرار في اليمن، حيث يكشف قرقاش للصحيفة الأمريكية إن “الإمارات وحلفاءها يريدون الانسحاب الكامل للمقاتلين الحوثيين من المدينة”، مضيفاً بالقول: “نحن نشعر أنه إذا خرج الحوثيون من الحديدة فسيكونون أكثر واقعة”، وإنه لتحقيق ذلك يجب الاكتفاء بالضغط عسكرياً على المحيط وعدم دخول المدينة من جهة، ودفع الأمم المتحدة للضغط على الحوثيين و”العودة إلى صفقة أفضل” من جهة أخرى.