الحديدة: ثمن مواجهة التحالف أقل بكثير من ثمن الاستسلام و”عدن نموذج حيّ”
المساء برس – تقرير خاص| لا يبدو أن جماعة “أنصار الله” خصوصاً وحكومة صنعاء عموماً يملكون القرار فيما يتعلق بمدينة الحديدة، إذ تشير الدلائل أن الاستسلام وتسليم مدينة الحديدة ومينائها للقوات الإماراتية والسعودية ليس قراراً حصرياً على جماعة أنصار الله أو قيادة سلطات صنعاء.
هنا في مدينة الحديدة يؤكد عامة المواطنون أنهم سيدافعون عن مدينتهم بكل الوسائل وسيقاتلون التحالف ومن معه من مجاميع من المحافظات الجنوبية برجالهم ونسائهم وأطفالهم وأن دخول التحالف مدينة الحديدة لن يكون إلا على جثثهم، وحسب أحد المواطنين تحدث لـ”المساء برس” فإن أبناء تهامة غير مستعدين لأن يكونوا ضحايا لاحتلال مدينتهم كما أخطأ غيرهم من أبناء المحافظات الجنوبية الذين فتحوا بيوتهم وسهلوا للقوات الإماراتية السيطرة على مدنهم وفي النهاية أدركوا أنهم أخطأوا فيما فعلوه، مضيفاً: “من كانوا يرفعون لافتات شكراً إمارات الخير هاهم اليوم يخطون على جدرانهم منادين برحيل الاحتلال الإماراتي وينادون بسقوطه، بعدما وجدوه منها ومن سياستها الاحتلالية”.
إذاً فمسألة تقرير مصير مدينة الحديدة لم يعد بيد “أنصار الله” وحدهم، فأبناء المدينة هم من قرروا مصيرهم ومصير مدينتهم وأدركوا من الآن ماذا سيحدث لو سلّموا المدينة للتحالف وما المصير الذي ستؤول إليه المدينة ومواطنيها لو حدث ذلك، مقارنة بالمصير الذي آلت إليه المحافظات الجنوبية التي سيطرت الإمارات عليها وتتحكم حالياً بثرواتها وإيراداتها، وقراراتها، ولعل المقارنة بين الوضع الأمني في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ ومناطق سيطرة التحالف، أكبر وأبرز الشواهد.
وقياساً على ما سبق فإن الترويج الإعلامي التابع للتحالف فيما يتعلق بالمدنيين وما سيحل بهم لو رفض “الحوثيون” تسليم الحديدة، بات مفهوماً وواضحاً، وهو وضع حكومة الإنقاذ وقواتها وأنصار الله بين خيارين إما الإستسلام أو تحمّل مسؤولية ما سيحل بالمدينة من خراب ودمار وسقوط للضحايا المدنيين.
وينبري إعلام التحالف في الفترة الأخيرة بالترويج والحديث عن الأوضاع الإنسانية في مدينة الحديدة، ورغم أنه “أي التحالف” المسؤول الأول عما يعانيه أبناء الحديدة جراء الحصار الذي يفرضه التحالف على مينائها الرئيسي بالإضافة إلى إجراءات الحصار الاقتصادي وعلى رأسها نقل البنك والتسبب بتوقف رواتب الموظفين وكذا فرضه للقيود على الواردات القادمة عبر ميناء الحديدة بذريعة منع تهريب الأسلحة إلى “الحوثيين”، فيما الحقيقة تكشف بالأدلة والبراهين أن الهدف من هذا الحصار هو خلق وضع إنساني مأساوي في مناطق سيطرة “أنصار الله” ومن ثم استغلال الإعلام المتعدد والمتنوع التابع للتحالف للترويج بأن الحوثيين هم من يتحملون مسؤولية هذه الأوضاع الإنسانية في مناطق سيطرتهم، وهو أحد أساليب الحرب غير المشروعة التي يتخذها التحالف ضد قوات حكومة الإنقاذ، بعد تعثره في تحقيق أهدافه عسكرياً.
ومن خلال رصد التغطية الإعلامية لإعلام التحالف للمستجدات في الساحل الغربي وخصوصاً عند الحديث عن الوضع الإنساني، لوحظ أن التحالف يحاول وضع سلطات صنعاء بين خيارين: الأول: الاستسلام وسحب مقاتلي قوات الإنقاذ من المدينة والميناء والمطار وهذا لن يحدث على الإطلاق، وإن حدث فلن يقبل به أبناء الحديدة أنفسهم والذين يرون أن سيطرة التحالف على المدينة دونه الموت، أما الخيار الثاني: فهو الحرب والمواجهة العسكرية غير المتكافئة والتي سيكون ضحيتها المدنيون كما هو الحال في أي جبهة أخرى، بمعنى أن السعودية والإمارات ومن خلفهما كلاً من واشنطن ولندن يضعون أنصار الله أمام خيارين “استسلموا أو سنضغط عليكم باستهداف المدنيين والبنية التحتية في الحديدة”.
هذا التهديد غير المباشر من قبل التحالف يراه مراقبون بأنه آخر المحاولات من الرياض وأبوظبي للسيطرة على المدينة، ولأنهما أيضاً يدركان أن المواجهة العسكرية لن تجدي نفعاً مع أنصار الله وأبناء الحديدة الذين لا يبدو أنهم متحمسين للوقوف إلى جانب التحالف الذي لا يزال يحتل علناً مدن الجنوب ويعيث فيها فساداً، فدروس ما حل بمدينة عدن جعل أبناء الحديدة يفكرون ألف مرة ومرة ويصلون لقناعة مفادها أنهم لن يسمحوا أن تصبح مدينتهم نسخة أخرى من محافظة عدن أو مناطق سيطرة التحالف داخل مدينة تعز، وجعلهم أيضاً يدركون أن ثمن الصمود في وجه التحالف أقل بكثير من ثمن الاستسلام، ولعل ما عاشته عدن من انفلات أمني واغتيالات يومية طالت العسكريين والمدنيين ورجال الدين الذين رحبوا بأنفسهم بالإماراتيين حين دخلوا عدن، لعل ذلك أبرز شاهد وأكبر دليل على أن خسارة الاستسلام وما بعد الاستسلام أكبر بكثير مما لو كانوا سيخسرونه لو رفضوا دخول قوات أجنبية إلى مدينتهم، وعموماً فإن لسان حال أبناء الحديدة يقول إن المناطق التي سيطر عليها التحالف في الجنوب لا تزال تدفع ثمن استسلامها وقبولها بالرضوخ والخضوع للخليج، حتى اليوم، رغم مرور 3 أعوام على انتهاء الحرب فيها.
وحسب المعلومات المؤكدة فإن النازحين في المناطق الجنوبية لا يزال معظمهم في مناطق النزوح ولم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم رغم انتهاء المواجهات العسكرية فيها، فالمخا على سبيل المثال واحدة من المدن التي تسيطر عليها قوات التحالف وتمنع النازحين من العودة إلى بيوتهم التي باتت معسكرات ومقرات إقامة للجنود السودانيين والبنغال وغيرهم، هذا بالإضافة إلى النازحين من مدينة ذوباب القريبة من باب المندب والتي يلاقي أبناؤها المصير ذاته منذ أكثر من عام من خروجهم من منازلهم وحتى اليوم يمنع الإماراتيون عودتهم إليها.
أما الصيادين في كل من المخا وذوباب فليس حالهم بأفضل من حال النازحين، فؤلئك منعتهم الإمارات من ممارسة مهنة الاصطياد في المناطق التي كانوا يصطادون فيها ولم تسمح لهم سوى بالنزول في مناطق ضيقة جداً ولا تتواجد فيها الأسماك بكثرة، الأمر الذي زاد من معاناتهم ومعاناة أسرهم وجعل بعضهم يفضلون الانضمام للقتال إلى جانب قوات حكومة صنعاء انتقاماً مما فعلته القوات الإماراتية بهم وبحقوقهم، وإذا ما رفع أحدهم صوته ضد القوات الإماراتية فلن يجد نفسه إلا داخل أحد السجون السرية التي يديرها الضباط الإماراتيون وتشرف عليها وحدات عسكرية رمزية من البحرية الأمريكية بشكل غير معلن، ولعل ما حدث للصيادين في المكلا والذين تحتجزهم الإمارات بالعشرات وترفض الإفراج عنهم بسبب احتجاجهم على منعهم من الاصطياد في مناطق معينة في سواحل المكلا، أكبر دليل على ما يعانيه أبناء المناطق الساحلية بسبب سيطرة الإماراتيين على موانئهم وسواحلهم.