بعد 5 عقود… السعودية وإسرائيل تجددان الشراكة ضد اليمن
المساء برس :ألقت الحرب الحالية التي تقودها السعودية على اليمن، الضوء مجدداً على مسألة عالقة في ثنايا تاريخ الصراعات الإقليمية في المنطقة، خلال العقود الخمسة الماضية، وفتحت مجدداً، أرشيف التعاون العسكري بين المملكة وإسرائيل، بما يؤكد العمق التاريخي ومراحل التقارب والتعاون بينهما.
صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، كشفت الأربعاء الماضي، عن طلب سعودي بتدخل إسرائيل في حرب اليمن ضد عبد الناصر في العام 1962. وقالت في تقرير اعتمد على ما تم كشفه من الأرشيف الصهيوني، إن «إسرائيل كانت قد قدمت خلال حرب اليمن عام 1962، مساعدات لقوات الإمام الزيدي، ضد الثورة اليمنية، في سياق الحرب الإسرائيلية في تلك السنوات، لإضعاف قوة ونفوذ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي أيد الثورة اليمنية على نظام الإمام، وأرسل قوات مصرية للقتال في اليمن»، موضحة أن «السعودية حثت إسرائيل على إرسال مزيد من العتاد لمواجهة عبد الناصر، ولم تتردد (إسرائيل) في قبول الاقتراح، لا سيما أنها كانت تعاني من حالة عزلة دولية».
لم تكتفي صحيفة «هآرتس» بنشر التقرير، بل نشرت مقالاً لباحث في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، يدعى يوجيف ألباز، يسعى لنيل درجة الدكتوراه في تاريخ الصراعات الإقليمية. استهل ألباز مقاله بالتطرق إلى كون اليمن ساحة هامة استفادت منها إسرائيل في صراعاتها الإقليمية منذ الستينيات، فالدولة المهمشة والتي تعد واحدة من أفقر دول العالم، شكلت مسرح مواجهة إقليمية واسعة، ليس الآن فحسب، ولكن حتى قبل خمسين عاماً، حيث غيرت أحداث حرب اليمن الأولى (1962) ميزان القوى الإقليمية لصالح إسرائيل، وأدت – بحسب قول الباحث – بشكل غير مباشر، إلى هزيمة مصر في يونيو العام 1967.
ويكشف الباحث، بحسب وثائق عسكرية، أفرج عنها أخيراً، بمقتضى قانون الوثائق الإسرائيلي، أن «تل أبيب تدخلت عسكرياً في الحرب الأهلية اليمنية 1962 – 1967، بهدف إضعاف قوة مصر التي دعمت الجمهوريين، بعد لجوءهم إلى عبد الناصر، عقب فرار الإمام محمد البدر إلى السعودية، وتكوينه جيش من القبائل بمساعدة وتمويل وتخطيط كل من بريطانيا والسعودية والأردن، فكان من مصلحة إسرائيل أن تدخل هذا التحالف ضد مصر عبد الناصر، لاستنزاف قوة الجيش المصري هناك».
أول عملية في اليمن
حدد ألباز في مقاله الـ 31 من مارس العام 1964، كتاريخ أول عملية إسرائيلية في اليمن، لنقل أسلحة وذخائر ومعدات، حيث ذكر في مقاله، أنه في ذلك التاريخ «وفي عز الليل، دهمت طائرة نقل إسرائيلية سماء اليمن. قادها الطيار مقدم آرييه عوز، باتجاه شمال البلد بين معسكرات الجيش المصري. وبعد لحظات، ميّز عوز من تحته حرائق صغيرة عدة، وأشعل النور الأخضر في بطن الطائرة، وحدث الإنزال. حلّقت دزينة حاويات خشبية ممتلئة بالسلاح والذخيرة ببطء نحو الأرض ودعم نجاح الإنزال أمن الطرفين. ونتيجة لهذا، أقامت إسرائيل 13 رحلة طيران أخرى إلى اليمن لتموين الملكيين على مدار العامين التاليين. ولكن كان من الضروري الحفاظ على السرية البالغة بسبب حساسية الموضوع. فباستثناء حفنة أشخاص في قمة القيادة الملكية، لم يعرف أحد هويّة الدولة التي تمدّهم بالدعم، ولم تُعلن حتى للسعوديين هوية حلفائهم بسبب الخوف من سحب أيديهم من دعم الإمام».
بطلب سعودي
حديث الباحث الإسرائيلي ألباز عن سرية الجسر الجوي إلى اليمن، يناقضها شهادة تاجر السلاح السعودي الشهير، عدنان خاشقجي، الذي أكد أمام لجنة تحقيق في الكونغرس الأمريكي في العام 1987، بشأن ما عُرف وقتها بفضيحة «إيران جيت» أنه ألتقى بشيمون بيريز – كان يشغل منصب مساعد وزير الدفاع وقتها – في فرنسا في العام 1963، لبحث طلب غير مباشر من رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك، كمال أدهم – صهر الملك فيصل – بتعزيز إسرائيل لجسرها الجوي المنطلق من جيبوتي إلى شمال اليمن، بالتوازي مع سعي سعودي لتعزيز دور المرتزقة البريطانيين وغيرهم من جنسيات أخرى في الشأن نفسه بتمويل سعودي، وهو ما يخالف رأي ألباز، بأن البريطانيين أخفوا عن السعوديين أمر اشتراك إسرائيل معهم في دعم الملكيين.
«كنا نقتلهم مباشرة»
مشاركة إسرائيل جنباً إلى جنب مع السعودية في دعم الملكيين ضد الجمهوريين في شمال اليمن، تعززها شهادات لمناضلين يمنيين في الصف الجمهوري. فهذا المناضل حاتم أبوحاتم، عضو اللجنة المركزية للتنظيم الناصري، قال في حوار في العام 2012، أجرته معه صحيفة «الجمهورية» الصادرة من تعز، إن «المرتزق الفرنسي الشهير، بوب دينار، الذي حشد المرتزقة من أكثر من بلد في العالم للقتال في اليمن، بإشراف بريطاني وإسرائيلي، ذكر في أكثر من حديث له، وصول أسلحة بطائرات إسرائيلية إلى محافظة صعدة، وأنزلت للملكيين بالمظلات». وأضاف أبو حاتم وهو أحد قادة الصف الجمهوري في ستينيات القرن الماضي: «الحقيقة أننا وجدنا أردنيين ومن الممكن أن يكونوا إسرائيليين، وكنا نقتلهم مباشرة ولا نحقق معهم، ولم يكن لدينا الوعي السياسي الكافي آنذاك، ووجدنا أيضاً بلجيكيين، وكانوا مدربين ومرتزقة… وأنا أسميها حرباً عالمية ضد الثورة اليمنية، وضد الثورات العربية التي قامت في حينها، وقد تحسس البعض من الغربيين وغيرهم من قيام ثورة شعبية بجوار مملكة النفط، وكذا وجود الجيش المصري، ففكروا في مصالحهم، وربما استفزتهم بعض التصريحات التي كان يطلقها البعض، كالبيضاني الذي قال إنه سيحتل آبار النفط، فهب العالم الاستعماري والرجعي ضد الثورة اليمنية».
عملية «مانجو»
بالإضافة إلى ما كشف عنه أبوحاتم، ذكر المناضل اليمني عبدالله بركات، والذي كان يشغل خلال الفترة 1964 – 1967، منصب وكيل وزارة الداخلية في صنعاء، في برنامج «لقاء خاص» الذي بثته قناة «الجزيرة» القطرية، في الـ 16 من يناير العام 2004، أن «المرتزق الشهير بوب دينار، هو الذي خطط لحصار صنعاء، وكان يجمع المرتزقة في لندن، واعترف عدد منهم عند التحقيق معهم، أن بوب دينار كان يتواصل مع إسرائيل، ومع الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي كان يصرف لهم مرتبات مالية».
وفي السياق نفسه، يذكر الكاتب المصري، محمد حسنين هيكل، في كتابه «سنوات الغليان»، أن «إسرائيل تولت الشق العملي من تسليح ونقل المعدات إلى كل من المرتزقة الأجانب الممولين سعودياً، وقوات الملكيين في شمال اليمن، وسميت تلك العملية بـ مانجو، وامتد التعاون بين الطرفين إلى نقل تل أبيب قوات خاصة من اليهود اليمنيين الذين هاجروا إلى فلسطين المحتلة، لتنفيذ عمليات خاصة، في بيئة اعتادوا العيش والاندماج فيها».
تجديد الشراكة
واليوم، وبعد مضي أكثر من 50 عاماً على الشراكة السعودية – الإسرائيلية في دعم القوات الملكية، لإجهاض الجمهورية اليمنية، يجدد الطرفان شراكتهما في الحرب على اليمن، تحت يافطة «إعادة الشرعية»، حيث كشف موقع «ليبرتي فايترز»، الإخباري البريطاني، في مايو من العام 2017، عن مشاركة إسرائيل في «التحالف» العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، بسرب من طائرات الـ F16.
كما تؤكد صحيفة «لوموند» الفرنسية، في تقرير حديث، أنه « لم يعد سوى القليل من الوقت، ليظهر على الملاء، تحالف جديد بين الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج، وسيكون مزيجاً غير مسبوق من القوة العسكرية ورأس المال وموارد الطاقة».
ويرى رئيس قسم الشؤون الدولية في الصحفية الفرنسية، كريستوف عياد، أن «ما يرتسم الآن ضمن إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، هو محور لم يسبق له مثيل، يجمع بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة»، مضيفاً أن «ما يحدث في الشرق الأوسط اليوم، ليس حرباً شيعية – سنية كما ترد في الوصف الثنائي الذي يقوم به الإعلام، ولكنه أكثر تعقيداً».
المصدر: العربي