سقطرى.. الصراع يتطور والاحتلال الإماراتي يلوّح باستخدام القوة العسكرية
المساء برس – تقرير خاص| ما من شك أن الرسالة الإماراتية العسكرية قد وصلت، إلى سقطرى وأبنائها وحكومة المنفى المعترف بها دولياً غير المعترف بها شعبياً، وهو ما يشير إلى تطور الوضع في الجزيرة من تنافس بين تحقيق رئيس وزراء حكومة المنفى حضوراً في الجزيرة وبين تحركات الإمارات وأذرعها لتحجيم حضور احمد عبيد بن دغر وتحجيم إعلام الإصلاح الذي صاحب الزيارة بتغطية إعلامية أكثر من اللازم.
تشير التقديرات إلى أن القوات الإماراتية التي وصلت اليوم إلى مطار سقطرى بلغت أكثر من 150 جندياً إماراتياً، وهي المرة الأولى التي ترسل فيها الإمارات قوة عسكرية إماراتية بهذا الحجم.
فعلى مدى الثلاثة الأعوام الماضية عرجت أبوظبي إلى استخدام (المرتزقة) وهو مصطلح يُطلق على من يعمل لصالح دولة أجنبية داخل بلده مثل القوات المحلية التي أنشأتها أبوظبي تحت مسميات (الحزام الأمني أو قوات النخبة)، أو من يعمل كمقاتل لصالح دولة أجنبية في بلد ثالث كالقوات السودانية التي تقاتل لصالح السعودية في اليمن، لكنها هذه المرة – أي أبوظبي – وبإرسالها قوات عسكرية كبيرة بهذا الحجم بمعداتهم العسكرية وسلاحهم الثقيل إلى جزيرة سقطرى بالتزامن مع تواجد رئيس حكومة المنفى، وهو الخصم الرئيسي لأبوظبي ليس لكونه أحمد عبيد بن دغر بل لأنه رئيس حكومة المنفى التي شرعنت للإماراتيين دخول اليمن ومن بيدها في أي وقت إخراجها ببيان يذاع في أي وسيلة إعلامية.
ويبدو أن أبوظبي ترى بأن الطريقة الوحيدة لسحب الشرعية الشعبية من حكومة المنفى إلى تأييد التواجد الإماراتي، الذي دخل اليمن عسكرياً تحت مظلة التحالف، هي بدخول سقطرى تحت مظلة الهلال الأحمر الإماراتي والعمل الإنساني والتنموي، بالتزامن مع تكريس وسائل إعلام أبوظبي جل اهتمامها لسقطرى وتكرار الحديث عن المشاريع الاستثمارية والسياحية في الجزيرة، رغم أنها مشاريع لرؤوس أموال إماراتية وليس لأبناء سقطرى منها سوى “الصيت” فقط، بالإضافة إلى بعض المنشئات الإسكانية التي لا تتجاوز العشرات، وبعض الترميمات بالطلاء لبعض المنشئات الحكومية، وباختصار عملت الإمارات على قاعدة (قليلاً من العمل كثيراً من الإعلام) لتصوير واقع جديد للمواطنين يُظهر الإماراتيين بأنهم المنقذ لأبناء سقطرى وهم من هبّوا لمساعدة الجزيرة التي تناستها الأنظمة المركزية السابقة في صنعاء.
وفي الوقت الذي تحركت فيه الإمارات لإبراز دور أكبر لها في الأرخبيل عبر الترويج في وسائل إعلامها عن أنشطتها “الإنسانية، والتنموية، والاستثمارية” حسب زعمها، كانت وعلى الجانب الآخر من دورها في سقطرى تعمل بوتيرة عالية وسريعة وعلى قدم وساق لتنفيذ المخطط غير المعلن، المتمثل بالشروع بإنشاء مناطق معزولة عن المواطنين وعن المسؤولين الحكوميين أنفسهم، هذه المناطق لا يبدوا أن أبوظبي تمارس فيها أنشطة مدنية بالنظر إلى التواجد العسكري الإماراتي بالقوات الرمزية والعتاد، بالإضافة إلى النشاط المدني المتمثل بنهب الثروة الحيوانية النادرة في الجزيرة الأغرب في العالم ونقل كميات كبيرة من الأشجار والنباتات التي تنفرد بها الجزيرة، وشحنها عبر حاويات مغلقة لا تخضع للتفتيش في ميناء المحافظة الرئيسي ورغماً عن أنف أكبر المسؤولين.
وكانت زيارة رئيس حكومة المنفى التي تعتبر الأطول منذ بداية الحرب على اليمن بالتزامن مع تحركات الرجل داخل المحافظة في أكثر من مكان ووضع حجر الأساس لأكثر من مشروع تنموي، قد لا يكون مكتوباً له النجاح كما حدث في 2016، إلا أن ذلك مثل مؤشر خطر بالنسبة لأبوظبي التي وجدت في تحركات الرجل أنها قد تؤدي لانهار كل ما فعلته الإمارات في سقطرى خلال الفترة الماضية.
الرد الإماراتي على تحركات بن دغر لم يكن دبلوماسياً وسياسياً وهادئاً، بل كان متمادياً كثيراً ومتجاوزاً كل الخطوط، فالرسالة التي بعثتها الإمارات، بإرسالها قوات عسكرية إماراتية مجهزين بكامل عتادهم العسكري بثلاث طائرات عسكرية نقلت الجنود والآليات العسكرية، بالإضافة إلى وصول القوات وانتشار جزء منها في المطار وفرض السيطرة عليه، هذه الرسالة القوية كان المقصود بها حضور حكومة الرئيس المنفي خارج اليمن عبدربه منصور هادي ورئيس حكومته المتواجد في سقطرى حالياً، وأبوظبي بهذه الرسالة أرادت القول لهادي وحكومته والإصلاح وقبل هؤلاء للسعودية بأنها لن تسمح بأي منافس لها في سقطرى وأنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لأجل ذلك.
يرى مراقبون أن التطاول الذي وصلت إليه الإمارات في تعاملها وتعاطيها مع الصراع بينها وبين حكومة هادي والإصلاح والسعودية في سقطرى، لم يكن مستغرباً وليس بجديد أو مفاجئ بالنظر إلى ما سبق وفعلته قبل ذلك في المحافظات الجنوبية كعدن وحضرموت وشبوة ضد مسؤولين في حكومة هادي، وقبل ذلك ما فعلته مع هادي نفسه داخل أراضيها حين رفضت استقباله وبعثت له مسؤولاً أمنياً في رسالة أرادت أبوظبي منها استصغار الرجل وتحجيم من “رئيس جمهورية” إلى “ضابط” وظيفته في اليمن كوظيفة الضابط الإماراتي الذي بعثته للقاء الرجل الذي كان ينتظر اللقاء بولي العهد محمد بن زايد.
ولا يبدو أن أبوظبي وقفت مكتوفة اليدين حيال تحركات بن دغر داخل أرخبيل سقطرى، فقبل أن تلجأ للتلويح باستخدام القوة العسكرية ضد الإصلاح وحكومة المنفى، كثفت من الترويج في وسائلها الإعلامية لدورها في سقطرى واصفة إياه بالدور البارز والإيجابي والتنموي، حسب زعمها، وصاحب ذلك اتخاذ بعض الإجراءات فعلى سبيل المثال أعلنت مؤسسة خليفة بن زايد يوم أمس عن تقديم منح دراسية لخريجي الثانوية العامة من أبناء جزيرة سقطرى، وحصل “المساء برس” على صورة إعلان تم رفعه في مبنى مكتب التربية والتعليم بالمحافظة عن تقديم المؤسسة الإماراتية منح دراسية بجامعة الإمارات لخريجي الثانوية مشترطة في المتقدمين للحصول على المنحة أن يكون من أبناء سقطرى ومقيماً فيها، كما أجرت وسائل إعلامية إماراتية تصريحات لمسؤولين في سقطرى على رأسهم المحافظ المحسوب في ولائه للإماراتيين يشيدون فيها بالإنجازات التي حققتها المؤسسات الخيرية الإماراتية في سقطرى وخدمة أبناء المحافظة.
حين وصل بن دغر إلى سقطرى لم يكن المسؤول العسكري الإماراتي في الجزيرة ضمن مستقبلي رئيس حكومة المنفى، رغم أنه التواجد العسكري الإماراتي في الجزيرة يندرج ضمن قوات التحالف بقيادة السعودية، كما أن بن دغر لم يلتقي بأي ضابط إماراتي فيما بعد، وهو ما يعني أن زيارة رئيس الحكومة ليست مرغوبة بالنسبة لأبوظبي وقواتها المتواجدة في الأرخبيل.
وربما كانت الإمارات تعتقد أن الزيارة ستكون خاطفة ولن تؤثر على الدور الإماراتي في الجزيرة، ولكن حين طالت الزيارة وتجاوزت اليوم الثالث، بدأت الأخيرة بالتحرك حيث أوعزت لحلفائها في الداخل تنظيم وقفة أمام الفندق الذي يقيم فيه بن دغر ومن معه والمطالبة برحيله من المحافظة وترديد شعارات مناهضة للحكومة وفسادها، ورغم أن المتظاهرين لا يتجاوزون عدد الأصابع إلا أن الإعلام الإماراتي والجنوبي الموالي عمل على تضخيمها وتحويلها من وقفة احتجاجية إلى محاصرة لمقر إقامة بن دغر، ورداً على ما فعلته الإمارات تحرك حزب الإصلاح بالتنسيق مع مسؤولين في السلطة المحلية مما دون المحافظ والذين يرفضون التواجد الإماراتي في محافظتهم، وقاموا بإخراج مظاهرة كبيرة وحاشدة تأييداً وترحيباً بزيارة رئيس حكومة هادي، ومثلما فعل الإعلام الإماراتي والموالي له مع وقفة الفندق، حظيت هذه مظاهرة تأييد بن دغر وزيارته بتغطية أوسع وأشمل واشتغل عليها إعلام الإصلاح الرسمي والأهلي وناشطيه في وسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا جن جنون الإمارات التي رفعت سقف الرد بإرسال قوات عسكرية من الإمارات إلى سقطرى وفور وصولها فرضت قبضتها على المطار بالكامل.