أمريكا وإسرائيل والبحر الأحمر.. بوصلة الصراع العالمي
المساء برس – تحليل: محمد ناجي أحمد| كل من يسيطر على البحر الأحمر فهو يسيطر على العالم. هذا البحر حلبة صراع المستعمرين. من هنا مرَّ البطالمة ثم الرومان ثم الفرنجة والبرتغال ثم الاستعمار الغربي الحديث، وأخيراً أصبح البحر الأحمر بحراً أمريكياً باستثناء دولة واحدة مطلة عليه، وتمتلك من سواحله أكثر من 8% وأكثر من مائة وأربع جزر استراتيجية، بإجمالي يصل إلى مائة وستين جزيرة هي اليمن، تعمل أمريكا وإسرائيل ودويلات محطات البنزين على شن حرب عليها منذ ثلاث سنوات كي يصبح البحر الاحمر بحرا امريكيا بشكل مطلق.
قالها بطرس الأكبر إمبراطور روسيا، في القرن التاسع عشر: بأن من يسيطر على البحر الأحمر ومياه الخليج الدافئة فقد سيطر على العالم.
تعددت تسميات البحر الأحمر وفقاً لمن يسيطر عليه، سمي ببحر الملك الأحمر، والبحر الفارسي، قبل ذلك ببحر اليمن حين كانت تجارة حمير تجوب البحار باتجاه الشرق، وسماه الأتراك ببحر مرجان.
البحر الأحمر بوصلة الصراع العالمي:
حين أراد محمد علي باشا بناء إمبراطوريته العربية تمدد جنوباً باتجاه المخا وتعز، وشرقاً باتجاه الشام، ولم تكن المنطقة الفاصلة بين مصر واليمن سوى فراغ حضاري يتمثل بنجد، كان على “محمد علي” أن يزيل إمارة الوهابيين منها، وأن يعتقل أميرها عبدالله بن سعود، ويرسله إلى مصر ثم إلى الاستانة ليُعدم هناك.
وهكذا اكتمل لمحمد علي باشا جناحي مشروعه العربي من الشام إلى اليمن. طامحاً بأن يكون البحر الأحمر بحراً عربياً تحت نفوذه. وقد قارب على تحقيق هذا الحلم لولا أن بريطانيا تنبهت لخطورة مشروعه في انتزاع البحر الأحمر من أي هيمنة استعمارية. فتحالفت مع تركيا وروسيا، وغيرها من الدول، وخذلته فرنسا، فكان أن سقط مشروعه بتكالب الدول الاستعمارية عليه عام 1840م ليعود مهموماً ومكتئباً حتى مات بعد سنوات شارداً من سقوط حلمه في المنطقة العربية، التي وإن لم يكن عربياً بلسانه فقد كان عربياً بمشروعه وطموحه، بتلك الشمس التي قال عنها ابنه إبراهيم بأن شمس مصر لفحته وجعلته عربياً.
تنبهت بريطانيا لمشروع محمد علي باشا حين زحف من باب المندب وسيطر على تعز، فما كان منها إلا أن استولت على جزيرة سقطرة عام 1835م ثم على عدن عام 1839م، وقيدت مشيخات الخليج باتفاقيات الحماية وبالمعاشات، كي تكون خاضعة لها وطوع أمرها، ثم احتلت مصر عام 1882م…
وهكذا أصبح البحر الحمر بحيرة بريطانية، حتى بدأت أمريكا بالزحف منذ أربعينيات القرن العشرين لتحل محل بريطانيا في هذا البحر وهذه المنطقة العربية والآسيوية بشكل عام.
قبل بريطانيا كان البرتغاليون كامتداد للحروب الصليبية التي امتزجت فيها الدوافع الدينية بالاقتصادية بالسياسية – قد ركزوا على “إرسال الأساطيل التي تتابع وصولها إلى المياه الهندية، مع الإبقاء على الجزء الأكبر منها هناك، حتى بلغت سنة 1502م من الكثرة بحيث أمكن استخدامها، ليس فقط في القيام بأعمال القرصنة ضد السفن التجارية العربية في عرض البحر، بل وفي العمل على إغلاق منافذ البحر الأحمر والخليج، وشجعهم على ذلك عدم تعرضهم لأية مقاومة جادة ضدهم “ص79-البحر الأحمر والمحاولات البرتغالية الأولى للسيطرة عليه- دراسة وتحقيق د.محمد عبد العال أحمد-الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980م”.
أهمية باب المندب:
يمثل باب المندب وجزيرة ميون (بريم) أهم مضيق في البحر الأحمر، الذي يحتوي على أربعة مضايق هي مضيق تيران وقناة السويس ومضيق جبيل ومضيق باب المندب الذي يمثل مفتاح البحر الأحمر في الجنوب، والمؤدي إلى خليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي.
أعلنت اليمن في يوليو عام 1974م بأن على السفن والطائرات الحربية والسفن التي تحمل مواداً خطرة بأن عليها أن تأخذ إذناً من اليمن بالمرور، حفاظاً على الأمن القومي لليمن. فالمسافة من شرق جزيرة ميون إلى الساحل لا تتجاوز ميل ونصف مما يجعل المضيق مياهاً إقليمية. والكثير من الدول مثل أندونيسيا والفلبين اعتبرت المسافة بين جزرها مياها إقليمية، تخضع لقوانينها. والعبور فيها يُشترط عدم تهديده لأمن تلك الدول.
“موقف اليمن من حرية الملاحة الدولية في المضيق محدد وواضح وهو تشجيع الملاحة الدولية عبر المضيق شريطة عدم الإضرار بسيادة أو وحدة أو أمن أو استقلال الجمهورية اليمنية، كما أن اليمن قد صرحت في 23 يوليو عام 1974م أنه من الضروري للسفن الحربية والطائرات الحربية أن تحصل على إذن مسبق للمرور في المياه الإقليمية اليمنية، وإذا تأكد لها أن السفينة أو الطائرة الحربية لا تشكل خطراً على أمن البلاد وسلامته فإن الإذن بالمرور سيمنح فوراً. “ص14-الجزر اليمنية في البحر الأحمر –الدكتور عبد الله علي بورجي –قضايا خليجية –العدد الرابع 1999م”.
لقد تنبهت إسرائيل لأهمية باب المندب على استمرار كيانها الاستيطاني في فلسطين، فطلبت من بريطانيا قبيل جلائها من عدن بأشهر أن تعمل على تدويل مضيق باب المندب وجزيرة ميون، وأن يكون المضيق تحت إشراف الأمم المتحدة، وكذلك جزر كوريا موريا، وأرادت بريطانيا أن تعهد بجزر فَرَسان إلى السعودية، وأن تجعل منها وكيلاً لها في عدن! إلاّ أن اليمنيين رفضوا ذلك في مفاوضاتهم بجنيف في نوفمبر، وأصروا على السيادة اليمنية في الجزر والبحار، وفي المضيق وفي البر والجو. ككل متكامل يمثل السيادة اليمنية.
فالجزر التي سلمتها تركيا لبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى ظل الإمام يحيى يطالب بها في مفاوضات اتفاقية الهدنة عام 1934م. وظل بعد الهدنة متمسكاً بحق اليمن وضرورة فرض سيادتها على الجزر، لأن تركيا أعطت مالا تملك لمن لايستحق.
لقد استخدمت بريطانيا قاعدة عدن كنقطة انطلاق لتوسعها الاستراتيجي في المنطقة. فاحتلت مصر عام 1882م ثم السودان عام 1899م، واحتلت بربرة وزيلع في الصومال عام 1882م، واستخدمت قواعدها العسكرية هناك في الحرب ضد دول المحور، ولم تخرج من هناك إلاّ عام 1967م. “مضيق باب المندب -د.محمد علي حَوات- مكتبة مدبولي”.
حين عجزت بريطانيا عن تدويل جزر موريا كوريا الخمس بسبب صلابة ووطنية المفاوض اليمني – سلمتها إلى سلطان مسقط وعمان.
قال موسيليني “إذا كان البحر الأحمر هو مجرد طريق لبريطانيا فهو شريان الحياة بالنسبة لإيطاليا” والحقيقة أن البحر الأحمر كان بالنسبة لبريطانيا كما هو لأمريكا الآن: السيطرة عليه تعني السيطرة على العالم.
البحر الأحمر من الناحية الاقتصادية لايقل أهمية عن موقعه الاستراتيجي، بل إن الأمرين متداخلين، ففيه ما لايقل عن 300 نوع من الأسماك، ومئات الجزر السياحية، وثروة نفطية وغازية، وملايين السفن التجارية التي تجوب هذا البحر يومياً. والجزر اليمنية فيه تتميز بالارتفاع بما يتجاوز بعضها 1300قدم، مما يجعلها قلاعا عسكرية راسية في البحر، ومتحكمة بحركة الملاحة فيه.
من هنا كانت إسرائيل تلح على تدويل باب المندب، وحين فشلت قامت ببناء قواعد عسكرية في الجزر المقابلة للمضيق في جهة الغرب التابعة لأثيوبيا وارتيريا بعد ذلك. وكانت جاهزة بقوات كامندوز للتدخل والاستيلاء على المضيق في حرب اكتوبر عام 1973م حين أغلقته اليمن بمشاركة مصر. ومن هنا نفهم إصرار السعودية على أن تكون ملكية مضيق تيران وجزيرتي تيران وصنافير تحت سيادتها، ونفهم سبب حربها على اليمن هي ومشيخات الخليج بالوكالة عن الأمريكان وبريطانيا. وقيام الإمارات باحتلال سقطرى وميناء عدن والعديد من المنافذ البحرية لليمن، وقبل ذلك من خلال اتفاقيات الخيانة المسماة باتفاقيات الحدود، سيطرت السعودية على جزر فَرَسان! ولم يبق أمامهم إلاّ محاولة انتزاع ميناء الحديدة بدعوات منها تدويل هذا الميناء وجعلها تحت إشراف الأمم المتحدة ،فما أشبه الليلة بالبارحة.
نحن أمام مشروع أمريكي صهيوني، بقفازات خليجية سعودية، الغرض منه استكمال السيطرة على البحر الأحمر، كي يسهل عليهم تطويق الهضبة الإيرانية، ومن ثم الجمهوريات الإسلامية في آسيا، التي قد زحف إليها المذهب الوهابي منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وبالنسبة لروسيا والصين فيكفي حصرهم داخل جغرافيتهم كنفي وعزل يتيح لأمريكا والغرب السيطرة التامة على مقدرات العالم.
ليست المرة الأولى التي يتحرك الاستعمار بغطاء دولي، سواء عصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة، فلقد فشلت بريطانيا أن تدول جزيرة ميون عام 1967م، كما يشير إلى ذلك حمزة علي لقمان في كتابه “تاريخ الجزر اليمنية –ص24”. تماما كما سيفشل التحالف الغربي السعودي اليوم. وكما سمي باب المندب نسبة إلى الندبة والبكاء لاصطدام السفن بصخوره البارزة وشعبه المرجانية، سيكون باب بكاء لثكالى التحالف الغربي السعودي، وسقوط أطماعه تحت صلابة وإرادة اليمنيين، الذين عرفوا بأنهم مقبرة لكل غاز وعميل.
إن البحر الأحمر وفاعلية باب المندب بحاجة إلى تكامل عربي للدول المطلة عليه وهي اليمن والأردن وفلسطين والصومال وجيبوتي والسعودية ومصر وأرتيريا، لكن هذه الدول كلها باستثناء اليمن قد أصبحت خاضعة للقرار والمصلحة الأمريكية الصهيونية. لهذا فإن ما يطرحه الدكتور عبدالله محمد علي نجاد في كتابه “الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب – من تكامل بين جيبوتي واليمن بخصوص باب المندب لم يعد ممكنا واقعا، فلقد تنبهت اليمن عام 1975م لأهمية أن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية، ودعت إلى مؤتمر الدول المطلة عليه، فتحفظت السعودية ومصر، ورفضت أثيوبيا وجبوتي والأردن، وفلسطين بيد الصهاينة لا سيادة لها، فكان أن عقد المؤتمر بشطري اليمن وقتها والسودان والصومال، وعملت السعودية على تخفيض سقف البيان الصادر عن المؤتمر من خلال النميري الذي شارك في المؤتمر، وراهنت عليه السعودية ومصر بتخفيض طموحات المؤتمر، وما سيصدر عنه من قرارات وبيان تم تعديله أكثر من مرة قبل أن يتم الإعلان عنه كما يشير إلى ذلك المستشار حسين الحبيشي في مذكراته. ولعلَّ انعقاد مؤتمر البحر الأحمر كان من بين الأسباب التي جعلت الغرب يتخذ قراره بتصفية الشهيد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي، بإشراف ومال سعودي، وبتنفيذ محلي. فكان اغتيال الحمدي اغتيالا للحلم الوطني الذي تكالب عليه الغرب بمشاركة استخباراتية فرنسية المانية، وبريطانية، وبمال وإشراف سعودي عن طريق ملحقهم العسكري الهديان، حتى أن المال العراقي شارك في هذه الجريمة وهما من العراق أن البعث سيرث الحكم، ومحليا شاركت كل الأدوات العسكرية والمشيخية والدينية والتجارية، كما يحدث هذه الأيام من تكالب غربي خليجي، لوأد الإرادة الثورية اليمنية، وهيهات أن يحققوا نجاحا هذه المرة. فلقد التقت الإرادة الثورية القائدة بالجماهير المؤمنة بالحرية والكرامة والسيادة.
* نشر بيوميات صحيفة الثورة،الاثنين الموافق ٢٣-٤-٢٠١٨م