عودة الصراع السياسي إلى الحلبة: هل تخلت «الشرعية» عن تعز؟
المساء برس : العربي
عادت حلبة الصراع السياسي بين مكونات القوى السياسية في تعز مجدداً، بعد أن كانت قد شهدت هدوءاً حذراً، منذ وصول المحافظ الجديد إلى وسط المدينة، منتصف فبراير من العام الحالي.
اليوم، بدأت خيوط اللعبة تظهر إلى العلن، بعد أن كانت تتم بشكل غير معلن، ومن خلال صفقات سرية وتدخلات «غير شرعية»، تهدف بحسب مراقبين، إلى «خلق سلطة محلية، لا تدين بالولاء للشرعية ولا لتعز».
وعلى الرغم من أن جولات الصراع السياسي في الفترة الماضية، ظلت تتأجج على نار هادئة، إلا أن موجة الإحتجاجات التي نظمتها مكونات وحركات شبابية وثورية موالية لحزب «الإصلاح» بالأمس، رفضاً لـ«تواجد أي قوات لطارق صالح»، وإعادة ما أسموه «تدوير نفايات النظام السابق»، بالتزامن مع بيان المحافظ أمين محمود، الذي وصفها بـ«الطابور الخامس الذي يعمل على إشعال الحرائق والفتن»، كشفت القناع عن حقيقة الصراع بين تلك القوى والمكونات السياسية، والذي يشير بحسب مراقبين، إلى دخول تعز «فصلاً جديداً من فصول الصراع، الذي قد يذهب بها نحو المجهول»، مؤكدين أن «تطورات الصراع اليوم، أبرزت ملامح أجندة أخرى لتلك القوى، لا تهدف إلى تحرير تعز، بقدر ما تشير إلى أن الشرعية في طريقها للتخلي عنها».
الأمين العام المساعد لـ«المؤتمر الشعبي العام» (جناح صالح)، سلطان البركاني، استهجن تحركات حزب «الإصلاح» المناهضة لتواجد طارق صالح في تعز، قائلاً: «طارق صالح لن يأتي إلى تعز وإن هدفه مكان آخر». وأضاف البركاني، في منشور له على صفحته في «فيس بوك»، أن «المعلومات التي تفيد بدخول طارق إلى تعز غير صحيحة»، مشيراً إلى أن «في تعز جيش جرار يستطيع تحرير المحافظة».
ولفت الأمين العام المساعد لـ«المؤتمر»، إلى أن «طارق يعلم أن تحرير تعز لا يحكمه الخيار العسكري، ولكنها حرب البقرة الحلوب التي لا يريد القائمون عليها نضوبها، ولذلك فطارق غير آت إليها. أطمئنوا، فهدفه أكبر من ذلك وفي مكان آخر، ولا داعي للمسيرات، هذه نصيحتي لكم».
وتوعد نائب رئيس دائرة الإعلام والثقافة في «التجمع اليمني للإصلاح»، عدنان العديني، بـ«إسقاط أي مشروع» من شأنه إعادة من وصفهم «بخصوم الثورة والشرعية»، واصفاً تصريحات محافظ تعز، أمين محمود، بخصوص المسيرة الإحتجاجية، بأنها «تصريحات غير مسؤولة».
وقال العديني، في مدونته على «توتير»، إن «الدولة وجدت من أجل الإنسان، فكيف إذا كان هذا الشخص هو ابن الشهيد وأمه أو قريب له؟!»، لافتاً إلى أن «قواعد العمل السياسي تقوم على احترام رأي المواطن وإرادته». وطالب بـ«احترام المواطن البسيط، وإثبات أن السياسة وجدت من أجله»، داعياً إلى «الإنصات للمواطنين، واحترام إرادتهم وترك مناكفات الصغار».
من جهتها، استنكرت القيادية في حزب «الإصلاح»، والحاصلة على جائزة «نوبل للسلام»، توكل كرمان، «اتهام المحافظ للمتظاهرين بأنهم مأجورين وطابور خامس وغوغائيين»، وتساءلت في منشور على صفحتها في «فيس بوك» قائلة: «ماذا لو كان لدى المحافظ ما يكفي من القوة والبأس؟ هل كان سيقصفهم بالأباتشي، أم سيدوسهم بالدبابات، أم سيسلحهم بالشوارع؟».
ولفتت كرمان إلى أن «هادي هو من عين أمين محمود محافظاً لتعز، والآن يقف في صف واحد مع من يتمرد عليه ويرعى التمرد، ويناصب الذين خرجوا يدافعون عن شرعيته ويرفضون الخروج عليها العداوة والخصومة»، مشيرة إلى أن «هادي وكالعادة، يجيد وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب، ماهر في انتقاء المسؤولين الذين يتآمرون عليه، ويبيعونه بأرخص الأثمان»، على حد وصفها.
في المقابل، أعلن التنظيم الوحدوي الناصري في محافظة تعز، تأيده لمواقف المحافظ وكل ما ورد في بيانه بخصوص المسيرة الرافضة لتواجد أي قوات لطارق صالح في تعز، وشدد في بيان، حصل «العربي» على نسخة منه، على «ضرورة تفعيل آليات العمل المشترك»، مؤكداً على «ضرورة رفض مثل هذه الشائعات المراد منها افتعال معارك وهمية لا تخدم تعز، وتعمل على تخليق مواقف عدائية تجاه بعض القوى في الداخل والإقليم، وهو ما ينعكس بالضرر على مصالح المحافظة»، على حد تعبير البيان.
ودعا البيان، أبناء المحافظة إلى «التوحد في جبهة الشرعية، ومساندة جهود الأخ المحافظ الرامية الى استكمال تحرير ما تبقى من المحافظة، وتفعيل مؤسسات الدولة، وتطبيع الحياة في المناطق المحررة».
تزايد وتيرة الصراع والتحولات الدرماتيكية المتسارعة، التي طرأت على خلافات الفرقاء السياسيين في تعز، أثارت موجة سخط عارمة، وردود فعل غاضبة لدى الوسط السياسي والصحافي، وتباينت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين غاضبة ومستهزئة بهذا العمل، فيما اعتبر البعض أن خروج مظاهرات اليوم، هي «الإفتتاحية فقط، لأن الإصلاح لم يصل إلى مرحلة الضعف الحقيقي، الذي يتوقعه البعض، فالإصلاح في تعز، لا يزال قوياً، ولكنه فقد بوصلة التوجه»، مشيرين إلى أنه بـ«فقده هذه البوصلة، يمكن أن يرتكب أي حماقات».
وفي المقابل، اعتبر آخرون أن خروج المحافظ عن الصمت، هي «خطوة ممولة من بعض الدول العربية التي تسعى، من وراء الكواليس، إلى تمرير بعض أجندتها السياسية والعسكرية ضد حزب الإصلاح».
وقال الصحافي حمدي البكاري، في صفحته على «فيس بوك»، إن «أي محاولة لإعادة القيادات العسكرية لنظام صالح إلى المشهد، لن يكون بمثابة تحويل صراع اليمنيين ضد مليشيا الحوثي إلى صراع انتقامي من أجل صالح واستعادة سلطته، ولو رمزياً، وإنما يتعدى ذلك إلى الاستخفاف بثورة اليمنيين النقية في 11 فبراير العام 2011».
أما الصحافي عدنان هاشم، فاتهم محافظ تعز بأنه «بلا رؤية ولا هدف منذ اليوم الأول»، مضيفاً أن «هؤلاء الذين خرجوا اليوم ويتهمهم بأفعال الانقلاب، كانوا يرفعون رايات شكراً سلمان الحزم والعزم، وعندما باتوا يخشون على مدينتهم مصير عدن، خرجوا للمطالبة ببقاء الدولة التي يمثلها هذا المحافظ. خرجوا من أجل حماية حقه في إداراة المدينة من دون تأثر».
ويذهب الصحافي أمير منصر، في حديث إلى «العربي» بالقول، إن «بيان محافظ محافظة تعز كان لصالح تعز، وفي صفها ضد مافيا الإصلاح التي تحاول أن تستحوذ على كل شيء في المدينة، ولم يرق لها تحركات المحافظ وخطواته الجادة في استعادة الدولة»، متسائلاً: «ما الذي كان يتوقعه دعاة هذه التظاهرة التي لم يتجرأ أحد عن تبنيها، أن يشارك فيها مثلاً، أم يسمي طرف بعينه ليكون هو الطابور الخامس فعلاً».
وفيما لا يزال الصراع بين تلك المكونات يشهد توتراً كبيراً، يتوقع مراقبون أن يفرز عدة نتائج ليس من بينها نتيجة إيجابية. الناشط السياسي، محمد الطاهر، أوضح في حديث إلى «العربي»، أن «المستجدات المتسارعة التي تشهدها تعز اليوم، قد تصل إلى مواجهات بين الأطراف في حال كان هناك نية لدى التحالف العربي والإمارات تحديداً في استئصال جماعة الإخوان من تعز، وهنا، ستكون المعركة غير مضمونة النتائج».
وأضاف، «أما في حالة استطاع الإصلاح إجبار المحافظ على مغادرة المدينة، من خلال الاستهداف أو التهديد أو غيره، فهنا سيكون الإصلاح في تعز فعلاً هو الرقم الصعب الذي يصعب تجاوزه».
وتوقع طاهر، أن «تفضي هذه التوترات إلى إعطاء قيادات التحالف لحزب الإصلاح ضمانات بعدم دخول طارق، لتظل تعز معركة الإستنزاف المنسية إلى ما شاء التحالف تحريرها».