“حرب اليمن” ورطة الخليج الكبرى .. ماذا لو سقطت صنعاء؟
المساء برس : انّ كان ثمِّــة دلالات لتصاعد وتيرة وكثافة تساقط الصواريخ البالستية القادمة من الأراضي اليمنية التي تطلقها حركة “أنصار الله”- الحوثيين-على الأرضي السعودية مؤخرا فأنها تدّلُ بوضوح على أن هذه الحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية بمعية دولة الإمارات العربية المتحدة وبمشاركة رمزية لدول عربية أخرى باسم التحالف منذ أكثر من ثلاثة أعوام في اليمن قد دخلت بمنعطفٍ شديد الانحناءة,وتتجه نحو حالقٍ سحيقٍ مِــنْ التيه والتخبُّــط, كما باتَ وقت نهايتها وطبيعة هذه النهاية غير معروفيَــن حتى لدى أصحاب القرار في الرياض وأبوظبي -بخلاف واشنطن التي ترى فيها سوق سلاح رائج- ناهيك عن السلطات اليمنية بشقيها :حكومة الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي, وحكومة الحركة الحوثية “أنصار الله” بصنعاء.
كانت آخر دفعات هذه الصواريخ التي تستهدف المملكة والعاصمة الرياض تحديداً والتي ترافقت لأول مرة مع إرسال الحركة الحوثية لطائرة بدون طيار الى سماء الجنوب السعودي مساء الأربعاء 11إبريل نسيان الجاري, في ذات اليوم الذي وصل إليها المبعوث الدولي الى اليمن “مارتين جريفيت” لمواصلة لقاءاته الاستشرافية مع كل القوى اليمنية والقيادات الخليجية على طريق استئناف المفاوضات المتوقفة منذ أكثر من عامين, كما تأتي- أي هذه الصواريخ-قبل أيام من موعد انعقاد القمة العربية في المملكة, وهي القمة التي تقرر نقلها الى مدينة الدمام -شمال غرب البلاد- تحسباً لأي طارئ, ما يعني أن هذه التطورات- أقصد توالي الصواريخ على المملكة- إمّــا أن تسرّع مِــنْ وتيرة الخُــطى باتجاه طاولة المفاوضات تفاديا لمزيداً من سوء الأوضاع وإنفاذا للمطالب الدولية المتزايدة بوضع حد لهذه الحرب ومآسيها الإنسانية المروعة ,وإما أن تكبح هذه الصواريخ هذا التوجه وتجهض هكذا مساعٍ تفاوضية, ويدخل على إثرها اليمن والمنطقة برمتها في خضم صراع إقليمي مدمر لا طاقة للجميع بأوزاره, خصوصاً وأن هذه المنطقة تمور بأشكال عِـدة من المؤامرات التي تذكي الصراعات الطائفية وتسعّــر الخلافات السياسية بكل أصقاع المنطقة وتصُبُّ مزيداً من الزيوت على النيران المشتعلة أصلاً, يقود هذا التوجه إسرائيل ,ومن خلفها الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس غريب الأطوار “دونالد ترامب” وبأدواتٍ وأموال ودماء عربية للأسف.
يقال بأنه يمكن لأية قوة أن تشن الحرب على خصومها بالوقت الذي تحدده, ولكن لا تستطيع أن تنهيها بالوقت والنتيجة التي تريدها. وهذا ما نراه متطابقا مع السعودية بالحرب المستعرة باليمن. فالمملكة التي اثبتت ثلاث سنوات من حرب مدمرة أنها قد استندتْ في قرار إعلانها على قاعدة بيانات خاطئة وحسابات مضلِلِة ,وجدت اليوم نفسها أسيرة لهذه الحرب, وفي مأزق “حيص بيص” بامتياز, فهي بين أمرين أحلاهما أشد مرارة من العلقم وطعم الحنضل :إما ان تنهي هذه الحرب بهذه النتيجة المخيبة لها وتنخرط بتسوية سياسية على مضض مع الخصوم لتفادي مزيدا من النزيف البشري والمالي والمآل الأخلاقي الراعف,وتأمَنُ غائلة الخصم الأمنية والعسكرية على حدودها الجنوبية التي تتوجع بصمت تحت وطأة حرب العصابات الخاطفة التي ينفذها مقاتلو الحركة الحوثية, المتمرسة بهكذا نوع من القتال الاستنزافي, وإما الاستمرار بالحرب والمضي قُــدما نحو هِــوة المجهول السحيقة, وما دون هذين الخيارين خرط القتاد,كما تقول العرب…!
ومن نافلة القول ولفت النظر فأنه حتى في حال سقوط صنعاء بيد التحالف والقوات الموالية له من قوات شرعية هادي وحزب الاصلاح فأن هذا لا يعني نهاية لهذه الحرب بل على العكس تماما, فـأن الجميع سيدشن حربا جديدة من نوع آخر أشد ضراوة ودموية… فالتاريخين الحديث والمعاصير يحدثانا أن صنعاء يستحيل أن يتفرد بحكمها طرف دون الآخر وأن من يمضي ضد هذه الحقيقة التاريخية يضع لنفسه نهاية صادمة…ولنا في حرب نهاية الستينات بين قوتي الجمهوريين والملكيين وحصار صنعاء نموذجا صريحا لذلك.
يجري كل هذا في وقتٍ أصبَـحَ معه التحدّي الذي يجابه الرياض وأبو ظبي تحدياً مركبا” مزدوجاً”, وينطوي على كثير من الكُــلفة, فبعد أن كان الغرض الرئيس من الحرب-أو بالأحرى الهدف المعلن- كون هناك أهدافا غير ملعنة هي الأهداف الحقيقية التي من أجلها حشدتْ المملكة قضها وقضيضها ونقصد بهذا الهدف تدمير كل القدرات العسكرية والبنية التحية اليمنية شمالا وجنوبا لأضعاف واستضعاف هذا البلد الفقير المنهك كفلسفة ورغبة سعودية قديمة – وهو هدف اقتحام صنعاء وإعادة سلطة وحكومة الرئيس هادي, فأن التحدي الذي ظهَــرَ مؤخراً وتحديدا منذ مطلع ديسمبر كانون الثاني من العام الفارط حين تمكنتْ الحركة الحوثية من الإجهاز على شريكها الرئيس السابق علي عبدالله صالح, الذي حاول إدارة ظهر المجن بوجه شركائه الحوثيين بالتنسيق مع التحالف و مع الإمارات بالذات كمحاولة من أبو ظبي لنسف القلعة الحوثية من داخلها.ومن حينها بات التحالف وبالأخص الإمارات في حيرة من أمره, فأي سقوط لصنعاء ولعموم الشمال اليمني في ظل غياب قوة عسكرية وسياسية كافية –يتم الإعداد والتجهيز لها بعدن والساحل الغربي منذ أشهر قليلة بقيادة العميد طارق صالح, وسياسيا في أبو ظبي مع نجل الرئيس علي صالح, السفير أحمد علي- لتكون قوة موازية ومقابلة لحزب الإصلاح ذات الميول الإخواني سيكون هذا الأمر أي سقوط صنعاء في ظل غياب هذه القوة بمصلحة هذا الحزب الإخوان, وهو الخصم اللدود, والفوبيا المستحكمة بالذهن الخليجي منذ عقود, وهذا مالم تقبله هذه الدول ,خصوصا مع تصاعد الخطاب السعودي المتشدد بالآونة الأخيرة على لسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وكتبا ووسائل إعلامية سعودية بروجندية نشطة ضد الحركة الإخوانية الدولية, التي وصفها قبل أيام بأنها العدو الأول لبلده وللمنطقة ,في سابقة غير معهودة للخطاب السعودي الذي دأب على تصوير إيران على أنها العدو الأخطر .!
المصدر: رأي اليوم