تحليل| سيناريو الفترة المقبلة لليمن وفق آخر المعطيات
المساء برس – تحليل: يحيى الشرفي| شهدت الفترة القليلة الماضية تطورات متسارعة على المشهد اليمني في الداخل والخارج، ترى النخبة السياسية أن من شأنها أن تؤثر على مستقبل اليمن القريب وترسم صورة وملامح أولية للمرحلة المستقبلية التي ستدخلها اليمن قريباً.
“تحذير روسي من التحضيرات الأمريكية عسكرياً في البحر الأحمر
ماذا عن باب المندب وجزيرة ميون؟”
قبل الخوض في التطورات على المشهد اليمني والتي يعدّها مراقبون مؤشرات مرحلة مستقبلية جديدة في اليمن، سنعرج قليلاً إلى ما يشوب الموقف الدولي من تعقيدات، يمكن التنبؤ بأنها قد تلقي بضلالها على اليمن.. نقول ذلك لأن روسيا حين حذرت واشنطن قبل يومين من أي هجوم عسكري على سوريا، ذكرت أن واشنطن عززت من تواجدها عسكرياً في أكثر من منطقة، وذكرت روسيا أن من بين المناطق التي انتشرت فيها القوات الأمريكية “البحر الأحمر”، فهل سيكون لليمن علاقة في هذا الصراع والحرب المتوقعة؟.
هذا التساؤل يرى مراقبون أن الإجابة الأنسب له هي أن التحضيرات التي تقوم بها الإمارات ليل نهار في جزيرة ميون التابعة لمديرية باب المندب بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن وهي الجزيرة المتحكمة بباب المندب وخط الملاحة الدولية، تلك التحضيرات التي كشفت عنها وسائل إعلامية ومراكز دراسات غربية أثبتت بصور الأقمار الصناعية إنشاء قاعدة عسكرية وجوية في الجزيرة، هذه القاعدة التي من المتوقع أن تكون الآن شبه جاهزة للاستخدام من المحتمل جداً أن تستخدمها قوات الأسطول الأمريكي الخامس أو السابع إلى جانب القوات البحرية البريطانية الملكية المنتشرة في الشرق الأوسط، وبالتأكيد لن يكون هذا الاستخدام هو لانطلاق الطائرات الأمريكية والبريطانية من القاعدة الجوية هناك لكن قد تُستخدم لتعزيز التواجد الأمريكي في المنطقة والتحكم بعنق ثالث أهم المضائق المائية في العالم وهو ما يشكل خطراً على التجارة الصينية “الحليفة لموسكو أكثر منها لواشنطن ولندن”.
الأمر الآخر هو أن الجزيرة، وفقاً لما وصل من معلومات شبه مؤكدة من مصادر عسكرية مطلعة جنوب اليمن، يتم تهيأتها لتكون منصة رادارات تتبع حلف شمال الأطلسي، أو ما يُعرف بحلف “الناتو”، وهذا يتزامن مع بروز الحديث مؤخراً عن عروض صينية مغرية للاستثمار في ميناء عدن واستئجاره، وليس من المؤكد، حتى الآن، أن يكون لعرض الصين في هذا التوقيت تحديداً ليس مصادفة، لكن ما هو مؤكد هو أن أي حرب قد تنشأ بين واشنطن وموسكو فسيكون لوجود الصين في ميناء عدن أو بالقرب منه مهماً جداً بالنسبة لها ولكوريا الشمالية وروسيا لضمان استقرار توازن القوى على باب المندب.
عودة إلى الشأن اليمني
كافة المؤشرات تكشف دخول لاعبين دوليين واللعب على المكشوف في الملف اليمني، بدأ ذلك مع جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن والتي استخدمت فيها روسيا حق الفيتو لمنع مشروع قرار بريطاني يدين بشكل واضح وصريح إيران ويتهمها باختراق قرار حظر بيع الأسلحة لليمن، وهو القرار الذي عدّه مراقبون أنه يأتي برغبة أمريكية وإسرائيلية بحتة، وبقدر ما مثّل تقرير لجنة الخبراء الأمميين، الذي شابه الكثير من القصور ونقص المعلومات وعدم دقة مصادرها، من فرصة للقوى الدولية الغربية لتوجيه ضربة سياسية لإيران أكثر منه لشرح وضع التطورات في اليمن خلال 2017، بقدر ما اتجهت روسيا هي الأخرى للدفاع عن حليفتها إيران باستخدام حق الفيتو لمنع مشروع القرار الغربي أكثر منه دفاعاً عن اليمن.
“تحركات غيّرت المشهد اليمني بعد الفيتو الروسي”
رغم ذلك يرى الكثير من السياسيين إنه لولا التطورات الأخيرة التي حدثت في اليمن بعد جلسة مجلس الأمن الأخيرة، لكان ما حدث في جلسة المجلس فُسر على أنه بعيد عن اليمن كل البعد وكان الهدف منه فقط إيران في إطار الصراع الدولي بين القطبين الدوليين الشرقي والغربي.
مثّل استخدام روسيا لحق الفيتو ضد مشروع قرار بريطاني بشأن اليمن والمقصود به إيران، إعلاناً صريحاً بدخول الملف اليمني مرحلة جديدة بدأت فيها القوى الدولية تظهر نفسها كلاعب رئيسي، هذا بالنظر إلى ما حدث عقب ذلك، إذ بعد خطوة روسيا بدأت واشنطن بالتحرك رسمياً على الأرض في اليمن.
“واشنطن تتخذ خطوات رداً على فيتو روسيا”
بدأت واشنطن هذا التحرك بإرسال فريق من الاستخبارات الأمريكية (CIA) يهدف، إلى جانب الدور الذي تقوم به الإمارات جنوباً لصالح واشنطن ولندن وتل أبيب، إلى زيادة التواجد الأمريكي على الأرض وبفاعلية أكبر وتوطئة قدم واشنطن من خلال تجنيد عناصر يمنية تعمل لصالحها، ووفق ما كشفته مصادر خاصة لـ”المساء برس” في تقرير سابق، فإن فريقاً من المخابرات الأمريكية مكوّن من (6) أشخاص + مترجمة، يرافقهم قوات من نساء ورجال يتبعون مكافحة الإرهاب الأمريكيين وصلوا الخميس الماضي إلى معسكر القوات الخاصة بعدن، المعسكر المعروف باسم “الصولبان” وقد التقى الفريق الأمريكي بقائد القوات الخاصة في كل من عدن وأبين ولحج والضالع اللواء فضل باعش، وحسب المصادر فإن الفريق طلب من باعش اختيار مجموعة من الفتيات والشباب الموثوقين ممن تم تجنيدهم في الفترة الأخيرة لأخذهم إلى الولايات المتحدة وتدريبهم تدريباً خاصاً، ويُعتقد أن هؤلاء سيتم وضعهم في بعض الأماكن الحساسة بعد عودتهم إلى اليمن للعمل بشكل مباشر لصالح واشنطن، والأمر ذاته حدث مع منير اليافعي المعروف بـ”أبو اليمامة” وهو قائد اللواء الأول دعم وإسناد ومقره معسكر الجلاء “معسكر صلاح الدين” بعدن والذي تحرك الفريق الأمريكي إليه بعد لقائهم بفضل باعش بمعسكر الصولبان.
تحرك آخر لواشنطن في الشأن اليمني تمثل هذه المرة بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، حيث أعلن نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المجلس محمد الغيثي أن الدائرة حصلت على الترخيص القانوني لمزاولة عملها بشكل رسمي في الولايات المتحدة وإنشاء مكتب للمجلس في أمريكا.
فيما قالت الناشطة السياسية “هديل عويس”، أن واشنطن قبلت بتأسيس بعثة (مفوضية) تمثل المجلس الانتقالي الجنوبي، علاوة عن إعطائهم مكتبا خاصاً يمثلهم في “الكابيتول هيل”، حسب قولها.
“وصول خبراء أمميين للاطلاع ومراقبة الانتهاكات”
بالتزامن مع ذلك وصل فريق خبراء تابع للأمم المتحدة أمس الإثنين فريق لجنة الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة في مهمة، حسب ما أعلن عنها في وسائل الإعلام المحلية، لاستقصاء واقع انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
وقد التقى الفريق بمسؤولين في حكومة الرئيس المحتجز في الرياض عبدربه منصور هادي، والذين بدورهم استعرضوا للفريق ما قالوا إنها “انتهاكات الحوثيين بحق النساء والأطفال والسياسيين” حسب زعمهم.
فريق الخبراء من المفترض أن ينتقل إلى العاصمة صنعاء للتحقيق في وقائع الانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي ارتكبها التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات ضد المدنيين بينهم النساء والأطفال في كافة المناطق في اليمن.
ومن المتوقع أن يرفع فريق لجنة الخبراء تقريراً للمؤسسة الدولية يستعرضون فيه تقييم الحالة المؤسسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وربطها بالقرارات (2140) و(2051) و(2216) و(2343).
“دور اللاعبين الإقليميين السعودية والإمارات”
ويبدو أن فريق الخبراء سيعمل على أن يطفو الملف المتعلق بدور السعودية والإمارات بدعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة في كل من تعز والمخا ومأرب وحضرموت وشبوة، إلى السطح، خصوصاً بعد أن حاول تقرير لجنة الخبراء الخاصين بمجلس الأمن في تقريرهم المرفوع للمجلس أواخر فبراير الماضي بأن هذه الجماعات والتي أورد بعضها بالأسماء وارتباطها بالسعودية والإمارات، بأنها عملت على تفكيك السلطة المركزية وإضعاف الدولة، إلى جانب الكيانات العسكرية القبلية والمناطقية التي أنشأتها الإمارات في الجنوب بعيداً عن “الشرعية”، وهو ما من شأنه أن يُقلص الدور، الإماراتي خصوصاً، في هذا الشأن بالتزامن، طبعاً، مع ظهور الدور الأمريكي بشكل أكبر وأكثر وضوحاً وعلانية في الملف اليمني.
أما بالنسبة للسعودية فقد بدا واضحاً من زيارة محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لبريطانيا والاتفاق بين الرياض ولندن على أن تلتزم السعودية وحلفائها بتحمل تبعات إعادة الإعمار وما خلفته الحرب في اليمن، وهو الدور الذي ستقتصر عليه السعودية في المرحلة المقبلة مقابل التدخل البريطاني المباشر فيما يتعلق بالمفاوضات السياسية والمرحلة المقبلة لليمن من الناحية السياسية، ويتجلى ذلك بوضوح بأن المبعوث الأممي الجديد هو بريطاني الجنسية، أولاً، وثانياً أن السفير البريطاني السابق لدى اليمن سبق أن تحدث وألمح إلى أن المفاوضات المقبلة ستكون مختلفة عمّا قبلها من ناحية تمثيل القوى المتصارعة، من بينها حزب المؤتمر الذي تسعى بريطانيا إخراجه من تحالفه مع أنصار الله وجعله طرفاً ثالثاً إلى جانب صنعاء وحكومة هادي.
وهذا يعطي المتابع بُعد نظر لما تريده القوى الغربية، فبعد أن عجزت عن القضاء على جماعة أنصار الله وحلفائهم عسكرياً، تحاول اليوم أن تعمل على تحجيمهم قدر الإمكان وجعل تمثيلهم مستقبلاً بأقل نسبة ممكنة فيما هي قد ضمنت مكاناً كبيراً لحلفائها السابقين ممثلين بـ”الشرعية” والمنضمين مؤخراً ممثلين بمن سيتم استقطابهم من “المؤتمر”.
وتأكيداً لما طرحه السفير البريطاني السابق هاهو السفير الأمريكي ماثيو تيولر في حوار قبل يومين لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، يؤكد هذا الطرح ويُثبت وجود توافق دولي على أن يكون هذا السيناريو هو المتفق عليه للصراع القادم في اليمن الذي سيكون صراعاً ناعماً أكثر منه عسكري وبأطراف جديدة ستشارك فيه، فالجميع يؤكد على ضرورة إيجاد حل مؤقت للوضع الاقتصادي المتدهور، حتى وإن استمر الوضع العسكري، عبر تحييد الاقتصاد من خلال إبعاد المؤسسات المالية عن الصراع، طبعاً بعد أن ضمنت القوى الدولية إبقاء الورقة الاقتصادية في يدها من خلال تعيين محافظ جديد للبنك المركزي والذي بدأ بمباشرة عمله من الأردن قبل أكثر من أسبوع.
“تحجيم دور اللاعبين الإقليميين وبروز اللاعبين الدوليين”
كل هذه المؤشرات تؤكد وجود ما يمكن وصفه بـ”شبه اتفاق دولي” على إخراج اللاعبين الإقليميين من اللعبة اليمنية وإشراك الأطراف الدولية الكبرى على تحديد مسار الأوضاع في اليمن بشكلٍ مباشر”، مع الأخذ بعين الاعتبار الصراع الدولي في سوريا الذي بدا يتصاعد دولياً أكثر من أي وقت مضى.
ويجدر الإشارة أيضاً أن بريطانيا عملت منذ منتصف العام 2017 على سحب قوات خفر السواحل اليمنية إلى سلطتها المباشرة، إذ كشفت تقارير صحفية أن هذه القوات باتت خارج السيادة اليمنية وبات ملف خفر السواحل من مهام القوات الملكية البحرية البريطانية والتي باتت تملك مقراً لها في مدينة عدن جنوب اليمن، هذا بالإضافة إلى التجنيد الواضح الذي قامت به البحرية الأمريكية والبحرية الملكية البريطانية لرئيس مصلحة خفر السواحل اليمنية العميد خالد القملي والذي ظل لفترة طويلة مقيماً في القاعدة العسكرية الأمريكية في البحرين في مايو 2017 وانتهت بتكريمه من قبل قائد الأسطول الأمريكي وقائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وقائد البحرية البريطانية الملكية ودعم الأخير للوحدات التابعة للقملي بالتدريب والعتاد المادي.