مؤشرات خطيرة لتدويل “باب المندب”
المساء برس – تقرير: يحيى محمد| بدأ المشهد في محافظة عدن يأخذ منحى أكبر من الجنوب واليمن ودول «التحالف»، وتماهي مواقف «التحالف» حيال نتائج ما حدث في عدن لم يعد مخفياً وغامضاً فقط، بل أصبح مؤشراً على أن هناك ما يدور خلف الكواليس: أول الخطوات العلنية نحو تدويل باب المندب، وربما السواحل اليمنية الجنوبية والجنوبية الغربية.
“لعبة شطرنج”
كلعبة الشطرنج، تدير السعودية والإمارات الصراع في عدن، وهذا ما بدا أخيراً من طبيعة تعاطي الرياض مع الأحداث، حيث سكتت على تمدد «الانتقالي» في الجنوب، وحين باتت قوات الزبيدي على عتبات قصر معاشيق، صدرت التوجيهات من «التحالف» بالتوقف عن القتال، وبعد ذلك دفعت السعودية بحكومة بن دغر لإعادة ترتيب أوضاعها السياسية والعسكرية عبر تسليح مجاميع من الشباب الموالين لها في عدن وخارجها بشكل غير معلن، وهو مؤشر على أن جولة جديدة من الصراع المسلح بين الطرفين قد تبدأ قريباً، وإذا حدث ذلك دون أن يُحسم الوضع لأي طرف نهائياً، فذلك يعني أن الرياض وأبوظبي تتعمدان إبقاء الوضع قرب باب المندب في حالة صراع دائم وغير مستقر.
“أبوظبي تسحب البساط من الرياض”
مصدر مقرب من الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، تحدث إلى «العربي»، وضع ما حدث في عدن نهاية يناير الماضي، في خانة «الطبيعي وغير المفاجئ»، وأضاف أن «الإمارات منذ البداية بدأت تتصرف في عدن خارج الاتفاقات التي تمت بين الشرعية وأبوظبي والرياض بعلم سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة في اليمن»، مشيراً إلى أن الإماراتيين بدأوا في التدخل في التعيينات وحاولوا فرض أكثر من شخصية، على رأسها عيدروس الزبيدي بتعيينه محافظاً لعدن مطلع ديسمبر 2015، وتلاه تعيين اللواء شلال شايع مديراً للأمن.
ولفت المصدر إلى أن طلبات الإماراتيين حين زادت «تعارض ذلك مع منظومة الحكم المحيطة بهادي وبدأت حالة الصدام تظهر شيئاً فشيئاً»، مضيفاً أن «الرئيس كان يطلع السعوديين بكل التحركات الإماراتية ويخاطبهم أكثر من مرة بتدخلاتهم لكنه لم يكن يلقَ أي تجاوب، وكان السعوديون يحاولون التهرب من هادي عمداً، وبعد فترة دخلت الشرعية في حالة توتر سطحي مع الإمارات، ثم أصبحت طلبات الإماراتيين بخصوص التعيينات وأشياء أخرى تأتي عبر السعوديين أنفسهم، وما تطلبه الإمارات لا تعترض عليه السعودية حتى وإن كان الأمر متعلقاً بآبار النفط والغاز».
تصريحات المصدر المقرب من مقر إقامة هادي بالرياض، عززتها تغريدات السعودي «مجتهد»، الذي نفى وجود أي خلافات بين الرياض وأبوظبي فيما يخص جنوب اليمن، كاشفاً أن محمد بن زايد «يريد فصل الجنوب بخطة واضحة وكان تأسيسه لتشكيلات مسلحة مختلفة في الجنوب وتدريبهم وتسليحهم لتنفيذ هذه الخطة وكل ذلك بعين وعلم ومعرفة ابن سلمان».
وأضاف أن ولي عهد الرياض محمد بن سلمان، لم يكن يسعى لتقسيم البلاد في بداية الحرب على اليمن، وأنه كان يريد «إبقاء اليمن موحداً حين كان يظن أن الحرب لن تستغرق سوى أسبوعين وينهار الحوثي»، وأضاف: «حين فشل فشلاً ذريعاً، غيّر موقفه ولم يعد له تحفّظ على فصل الجنوب، بل إن بن زايد تمكن من إقناعه بالتفرغ للشمال وترك الجنوب للإمارات، لكن بن زايد اصطدم بعوائق وضعته في مأزق كبير».
ولفت المغرد الشهير إلى أن هذه العوائق تمثلت بتشبث «الشرعية» في الجنوب بالوحدة ورفضها أي إملاء سعودي بالانسحاب من مواقعها، مضيفاً أن «ابن سلمان حاول الضغط على هذه القوات بالانسحاب منذ مواجهات مطار عدن قبل عدة أشهر ورفضت قيادة هذه القوات وهددت بالاستغناء عن الدعم السعودي»، أما العائق الثاني فتمثل في أنه في حال سيطرة قوات الزبيدي على عدن فماذا يبقى لـ«شرعية هادي» وإن بقيت له مقرات ولو شكلية؟ لافتاً أن «هادي شخصياً لا يمثل أي عقبة فهو معدوم الشخصية ومطيع جداً ومستعد لتنفيذ أوامر السعودية والإمارات أياً كانت هذه الأوامر لكن المشكلة في شكلية الشرعية التي يمثلها».
أما المأزق الذي يواجهه بن سلمان اليوم، هو أن المبرر الأساسي للحرب على اليمن هو القضاء على «الانقلاب ضد الشرعية الذي هو انقلاب الحوثي» حسب وصفه، مضيفاً: «فكيف يمكن السماح بانقلاب ضد الشرعية على يد نفس قوات التحالف؟».
“تدويل باب المندب”
من المؤكد أن التحالف بإمكانه حسم الصراع في عدن لصالح أي طرف يريد، لكن حقيقة ما يحدث هو أن أبوظبي، وبموافقة الرياض، تعمل على إدارة الصراع في عدن والجنوب عموماً تصعيداً وتهدئة، بهدف الوصول بالوضع عموماً إلى حالة الفوضى العارمة، وهو ما سيفتح المجال ويخلق الذريعة لأصحاب القرار في المجتمع الدولي (واشنطن ولندن وباريس) لفرض قوات دولية في باب المندب والسواحل اليمنية الجنوبية والجنوبية الغربية بذريعة حماية خطوط الملاحة الدولية.
“لمن تعمل مصلحة خفر السواحل في عدن؟”
في سبتمبر الماضي كشف تقرير لموقع «العربي» وأعاد “المساء برس” نشره بعنوان «بريطانيا تعود إلى الجنوب» عن معلومات أفاد بها مصدر في قوات الأمن الخاصة في عدن تفيد بوصول قوات من البحرية السعودية إلى عدن في منتصف أغسطس الماضي، وأن هذه القوات سيتم تعزيزها بالآلاف من الجنوبيين الذين تم اختيارهم بعناية وجرى تدريبهم وتسليحهم وستوكل إلى هذه القوة المشتركة مهام عسكرية بحرية في السواحل والمياه الإقليمية اليمنية، ولن تكون خاضعة للسلطات اليمنية، وستعمل تحت إشراف قيادة القوات البحرية البريطانية، التي ستتخذ من مقر قيادة القوات البحرية اليمنية في التواهي بمحافظة عدن مقراً لها.
في مايو الماضي قام كل من قائد قوات التحالف الدولي، قائد الأسطول الخامس الأمريكي من جهة، وقائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط من جهة ثانية، بتكريم العميد الركن خالد علي القملي رئيس مصلحة خفر السواحل اليمنية في حكومة هادي، وكان هذا التكريم في مقر القاعدة الأمريكية في البحرين، وفي الفترة ذاتها قام العميد القملي بتكريم مساعد الملحق العسكري البريطاني في مقر القاعدة الأمريكية، مقابل الجهود التي قامت بها البحرية البريطانية لدعم وتعزيز قدرات مصلحة خفر السواحل.
الجدير بالذكر أن قوات خفر السواحل لم تشارك في العمليات العسكرية الأخيرة في عدن، رغم أن التوجيهات الصادرة من غرفة العمليات الرئيسية في قصر المعاشيق مساء الجمعة التي سبقت انفجار الأوضاع، قد وُجهت بالاسم كل القوات العسكرية والأمنية من بينها خفر السواحل برفع الجاهزية إلى الكامل تحسباً لحدوث صدام عسكري مع «الحزام الأمني» التابع للمجلس الانتقالي.