أطفال في جامعة صنعاء “تقرير ميداني”
المساء برس – تقرير: محمد بن عامر| انتشار غير مسبوق لأطفال اليمن في الجامعات اليمنية إما باعة يؤكدون أنهم أقوياء على مواجهة التحديات مهما بلغت وتيرتها، أو لممارسة الشحاذة “التسول” لسد جوعهم بعد أن تفاقمت عليهم الأوضاع والحرب السعودية المفروضة عليهم، يكبرون في أروقتها مع استمرار الحرب السعودية على بلادهم.
جامعة صنعاء وسط العاصمة.. يذهب مجموعة من الأطفال في الصباح الباكر للبيع والبعض للتسول لتغطية الظروف التي تمر بها أسرهم وذلك بسبب الأحداث التي تمر بها البلاد منذ إعلان التحالف الذي تقوده السعودية الحرب العبثية على اليمن في مارس من العام 2015، اي ما يقارب الثلاث سنوات.
وفي ظل الظروف الصعبة والقاسية التي تعيشها البلاد منذ بداية حرب التحالف السعودي على البلاد والحصار، حيث تعاني معظم الأسر اليمنية من الفقر والجوع المهلك وذلك بسبب عدم توفر فرص عمل لتلك الأسر وعجزها عن تعليم أطفالها وهو الأمر الذي دفع ببعض الآباء لدفع أبنائهم في مهن وحرف وأشغال تفوق أعمارهم بكثير ولا تتناسب معهم كأطفال، والبعض رموا أبناءهم في طريق مظلم ودفعوهم للتسول في الشوارع والجولات والجوامع والحارات وهي الظاهرة الأكثر والأسرع انتشاراً في غضون ثلاث سنوات من الحرب السعودية على اليمن، على الرغم من وجود هذه الظاهرة من السابق لكن الحرب زادت من توسعها.
نحن في “المساء برس” نزلنا جامعة صنعاء لنكتشف العشرات من الأطفال ما بين متسول وبائع متجول.
لن تمر حتى “تشتري مني”
يقول الطفل أسامة لـ”المساء برس” إن أي شخص يمر من جانبه يسارع لأن يطلبه أن يشتري منه قارورة ماء أو علبة مناديل، وأنه يلح على عليهم ويقول لهم بأنه لن يدعهم يمروا إلا بعد أن يشتروا منه، مؤكداً أن معظم الناس يتعاطفون معه ويشترون منه..
ويوضح الطفل أسامة سبب مجيئه إلى الجامعة وكيف أصبح ماهراً في هذه المهنة ويكسب منها لقمة العيش، حيث قال: “والدي طريح الفراش لا يستطيع المشي وأنا ابنه الوحيد فيطلب مني أبي الذهاب إلى الأماكن المزدحمة لأبيع وأعود بالمصروف إلى المنزل”.
وحين تتحدث إلى الطفل أسامة لا تشعر أنك تتحدث مع طفل لا يتجاوز عمره اثني عشرة عاماً، حيث تتفاجأ أن أسامة على إدراك متوسط بالمصطلحات السياسية التي يسمعها في شاشات التلفزيون، وتسمعه يتحدث بما تتحدث به القنوات الإخبارية عن الحرب على بلاده، وهو يعرف من السبب في إخراجه من المنزل للعمل وحرمانه من التعليم.. يقول أسامة أيضاً: “بسبب آل سعود خرجنا نغطي التزاماتنا واحتياجاتنا التي فرضتها ظروف الحرب الظالمة على اليمن أرضاً وأنساناً”.
كنا في نعيم ولكن بعد نقل البنك المركزي …
أما الطفل محمد علي صالح أوجز وضعه قائلاً: “ما كنا هكذا من قبل، كنا في نعيم وعمري ما خرجت من البيت وكان أبي يصرف عليّ وانا في المدرسة والبيت، بس العدوان السعودي الأمريكي جعجعنا وخلانا في الشوارع”.
وأضاف محمد: “كان أبي مدرس كان يستلم “زلط” راتب شهري، بس ببعد ما قصفت الطائرات السعودية علينا ونقلوا البنك لعدن واليوم ما بش معنا راتب ولا شي فخرجت اساعد أبي منذ بداية الأزمة، وأبيع عند جامعة صنعاء لأن في الجامعة ناس كثير وطلاب يشترون مني وأنا أبيع أدوات إلكترونية”.
نتسول من أجل أن نعيش
فيما الطفل “بشير الزيبدي” فأشار إلى أنه لا يوجد لديهم في المنزل شيء ووالده كان من أول عمال النظافة الذين لم يستلموا رواتبهم، ويضيف بشير إن لديه ستة إخوة “ثلاث بنات وثلاثة أولاد” وهو يخرج مع أخاه الصغير للتسول لجمع الأموال لكي يشترون بها مصاريف للبيت، معللاً السبب بما يمرون به، “الحرب التي شنها سلمان على اليمن هي خلتنا نخرج من بداية الأزمة للتسول من أجل أن نعيش” حسب حديثه لــ”المساء برس”.
أطلب الله على أسرتي
طفل آخر يدعى نشوان قال إنه لم يخرج للبيع إلا منذ بداية القصف وأن له 3 إخوة أحدهم يدرس جامعة والآخر يبلغ من العمر 13 سنة ووالده لا يملك مالاً لكي يصرف على أسرته، فخرج الطفل نشوان إلى جامعة صنعاء ليبيع مناديل وسماعات إلكترونية لتغطية مصاريف أسرته.
الحرب من أجبرتني على مد يدي
وفي العودة إلى مهنة التسول المؤقتة قال الطفل علي إبراهيم لـ”المساء برس” ان سبب خروجه للتسول ولجوئه لهذا المكان وهذه المهنة: “منذ أن بدأت الحرب وأنا وأسرتي نعاني ولم نكن نستطيع حينها توفير لقمة عيشنا أو تأمين قوت يومنا بسبب هذه الحرب ومن قبل الحرب كان راتب والدي هو من يتكفل بكل مصاريف العيش والدارسة أما الآن بسبب انقطاع الراتب والحرب سعيت جاهداً للبحث عن عمل يؤمن لي ولأسرتي لقمة العيش ولكن لم أجد وللأسف لجأت إلى مد يدي للناس لطلب العون مع شدة ما ألاقي من إحراج وإهانات وأنا أقوم بذلك فأذكر أسرتي التي ينتظرون عودتي وأنا أحمل لهم الطعام”.
يعمل بالزي المدرسي
لاحظنا عند زيارتنا لعدد من الأطفال في جامعة صنعاء أن وجدنا بعضهم يبيع مواد قرطاسية بسيطة وهو مرتدي الزي المدرسي وعندما سألناهم لماذا “تلبس بدلتك المدرسية”؟ أجابوا: “بعد ما نكمل الحصص في المدرسة نجي للجامعة نبيع فاين وملفات وأقلام واكسسوارات من أجل تغطية مصاريف الدارسة لنساعد أسرنا في توفير المصاريف”، مشيرين إلى أنها أول مرة يخرجون للجامعة يبيعون لمساعدة أسرتهم، ولم يحدث أن فعلوا ذلك قبل القصف السعودي على صنعاء.
شعور المحرر
يراودك شعور بالألم والوجع على هؤلاء الأطفال.. هكذا أحسست وأنا ألتقط وأدون رواياتهم وقصصهم وحكاياتهم الموجعة وعن الأسباب والظروف التي أجبرتهم على القيام بهذه الأمور الكبيرة جداً.
نماذج بسيطة من بين العشرات بل المئات من الأطفال الذين تكتظ بهم شوارع صنعاء والمدن اليمنية يبحثون عن ما يسد رمقهم جراء الظروف التي فرضت عليهم من قبل دول التحالف الذي تقوده السعودية والذي أفرز هذه المعاناة داخل آلاف الأسر اليمنية.