تصاعد التوتر على باب المندب والبحر الأحمر وصراع الحمدي وإسرائيل يعود
المساء برس – ملف خاص| مجدداً عاد الصراع على البحر الأحمر للظهور بعد أن كان قد هدأ خلال الـ20 سنة الماضية وتصاعد في البحر الأبيض المتوسط من خلال الحرب التي شُنت على سوريا منذ العام 2011 وحتى الآن بالإضافة إلى صراع النفوذ الروسي الأمريكي في شرق المتوسط.
وبعد أن عجزت الولايات المتحدة عن السيطرة على الأبيض المتوسط بدأ الصراع يتصاعد شيئاً فشيئاً على البحر الأحمر ويتسابق الجميع على بسط النفوذ وإنشاء القواعد العسكرية في الجزر والشواطئ الممتدة على الضفة الغربية للبحر الأحمر.
بالنسبة لليمن استطاعت أن تنأى بنفسها عن هذا الصراع رغم موقعها الاستراتيجي وما تتميز به من مجال حيوي بالنظر إلى كونها دولة ساحلية وموقعها الجغرافي الذي يمكنها من السيطرة والتحكم بأحد أهم المضائق المائية في الكرة الأرضية.
ولا يعرف الكثير عن الصراع الذي نشأ بين إسرائيل من جهة والرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي من جهة ثانية على الجزر اليمنية في البحر الأحمر ومحاولة تل أبيب عن طريق حلفائها في جنوب شرق أفريقيا السيطرة عليها حتى وصل الأمر في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى احتلال جزيرة حنيش من قبل أرتيريا وبدعم من إسرائيل.
ومع إعلان التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد اليمن، سعت الإمارات للمشاركة في التحالف لأهداف اتضحت بعد أشهر قليلة من بدء العمليات العسكرية في اليمن، كانت أبرز هذه الأهداف هي السيطرة على المجال الحيوي لليمن، أي السيطرة على السواحل اليمنية والموانئ وجزيرتي سقطرى وميون على باب المندب.
ومع وجود تقارب كبير جداً بين أبوظبي وتل أبيب بات من الواضح أن سيطرة الإمارات على جزيرة ميون المتحكمة بباب المندب جاء بدفع ورغبة إسرائيلية وأمريكية بحتة، لإعادة الأطماع الإسرائيلية في احتلال الجزر اليمنية في البحر الأحمر منذ عهد الرئيس الحمدي في سبعينيات القرن الماضي.
ويتعزز الاعتقاد بوجود يد إسرائيلية في احتلال جزيرة ميون وجزيرة سقطرى بالنظر إلى ما كشفته مراكز دراسات غربية استناداً إلى صور لأقمار اصطناعية عن إنشاء الإماراتيين قاعدة عسكرية في جزيرة ميون وهو الهدف الذي كانت تسعى إليه إسرائيل سابقاً غير أنها في السابق رأت أن أرتيريا هي الأقرب لتنفيذ مهمة احتلال الجزر اليمنية بداية بجزيرة حنيش.
وجزء كبير من الحرب الأخيرة على اليمن سببه السيطرة على باب المندب وهو الممر الدولي الأهم في العالم، ولم يعد خافياً أن سعي الإمارات على السيطرة على السواحل والجزر اليمنية هو بضوء أخضر من الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا لتعزيز سيطرتهم على باب المندب والتحكم به كلياً ونزع السيادة اليمنية من على هذا الممر وهو الأمر الذي لم يتمكن أحد من انتزاعه على مر العصور منذ الغزو الروماني لليمن قبل الميلاد حتى الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن نهاية القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين الميلادي.
ولإسرائيل مآرب من السيطرة على باب المندب من جهة اليمن نظراً لأن اليمن هو البلد الوحيد الذي يملك الحق في التحكم والسيطرة على الممر الدولي، ولهذا فقد سعت إسرائيل إلى المشاركة ضمن عمليات التحالف العسكرية عبر تقديم معلومات عسكرية تتعلق باليمن كما شاركت بمستشارين عسكريين وفقاً لتسريبات نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية معارضة.
إطلالة على تاريخ الصراع اليمني الإسرائيلي على باب المندب
كما سبق وأشرنا أن للكيان الصهيوني أطماع في باب المندب وهذه الأطماع ليست بجديدة وقد بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث كان لـ”تل أبيب” تواجد جنوب البحر الأحمر أثناء وقبل حرب اكتوبر عام 1973 بينها وبين مصر.
وقد تنبه الرئيس اليمني الأسبق الشهيد إبراهيم الحمدي لوجود تحركات غربية مشبوهة تسعى للسيطرة على باب المندب، فاتجه للتنسيق الدبلوماسي مع الدول العربية بشأن التهديدات الإسرائيلية المستمرة وتواجدها في البحر الأحمر.
ومع انضمام دولة جنوب اليمن قبل إعادة الوحدة للاتحاد السوفييتي أصبحت جنوب البحر الأحمر ومنطقة خليج عدن تحت هيمنة القوى الكبرى، وبينما كانت فرنسا متواجدة في قاعدة عسكرية في جيبوتي، كانت البوارج الأمريكية في الأسطول السابع تجوب جنوب البحر الأحمر وباب المندب بشكل مستمر، وحينها كان هناك حضور إسرائيلي مكثف جنوب غرب البحر.
وفي العام 1976 قررت اليمن في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي حظر التحليق الجوي للطيران الحربي فوق باب المندب، وقد تحرك الحمدي باكراً وعقد لقاءً في تعز ضم عدداً من رؤساء الدول المطلة على البحر الأحمر، واستجابت بعض الدول للدعوة، حيث شاركت “اليمن الشمالي، واليمن الجنوبي، والصومال، والسودان” في حين غابت كلاً من مصر والسعودية وأرتيريا.
ودعا اللقاء إلى إبقاء البحر الأحمر خارج صراعات القوى الكبرى ورفض أي تواجد للقوات الأجنبية، وبعد انعقاد اللقاء الرباعي كثفت إسرائيل من نشاطها واستفزازاتها لليمن الشمالي، وفي عامي 77 و78م انتهكت إسرائيل الأجواء اليمنية ورُصدت طلعات جوية للطيران الحربي الإسرائيلي فوق المياه الإقليمية اليمنية والسواحل الغربية، وتقدمت اليمن حينها بشكاوى احتجاجية للأمم المتحدة ضد الكيان الصهيوني.
عقب ذلك أجرى الرئيس الأسبق أحمد الغشمي وخلفه علي عبدالله صالح لقاءات بقادة عرب بخصوص البحر الأحمر، وخلال الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) زُرعت ألغام بحرية في الممر الدولي تهدف إلى التشكيك من قدرات اليمن في حماية ناقلات النفط العابرة من باب المندب، وكان الهدف البعيد من ذلك هو إيجاد ذريعة لإبقاء التواجد العسكري الأجنبي في الجزر اليمنية بذريعة حماية السفن المارة وتقديم خدمات الإنقاذ وتسهيل مرورها.
وفي ديسمبر 95م هاجمت قطع بحرية أرتيرية الحامية العسكرية لجزيرة حنيش اليمنية وقامت باحتلالها بدفع ودعم إسرائيلي، كما تشهد المفاوضات اليمنية الأريتيرية على الحدود البحرية قبل احتلال الجزيرة على وجود تعنت ولغة تهديدية من قبل وفد أريتيريا وقد تم الكشف فيما بعد أن الوفد الأرتيري كان يتلقى تعليمات مسبقة من تل أبيب بعدم التفاوض.
وعقب احتلال الجزيرة شهدت منطقة جنوب البحر الأحمر نشاطاً عسكرياً لإسرائيل والولايات المتحدة بالإضافة إلى مناورة عسكرية بحرية أمريكية أريترية كما أن احتلال جزيرة حنيش أعقبها بفترة وجيزة زيارة للرئيس الأرتيري أسياسي أفورقي إلى تل أبيب وعقد مع الإسرائيليين صفقة شراء أسلحة وتزويد جيشه بمروحيات وقطع عسكرية وتدريب 4 آلاف جندي.
وفي تلك الفترة كشف دبلوماسي مصري في تصريحات صحفية أن هناك تواجداً عسكرياً صهيونياً جنوب البحر الأحمر وقال إن إسرائيل تحاول إيجاد موطئ قدم لها في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر لمراقبة حركة الملاحة كما أن التقرير الصادر عن اللجنة التابعة للجامعة العربية في نوفمبر 1995م أشار إلى وجود إتصالات إسرائيلية إرتيرية حول جزيرة حنيش اليمنية بهدف إنشاء محطة مراقبة لاسلكية فيها لمراقبة السفن في الممر الدولي.
وفي ديسمبر 95م نقلت صحيفة “يمن تايمز” عن مجلة الدفاع الوطني الأمريكية تصريحاً للعميد في البحرية الأمريكية هنري لابروس تحدث فيه عن مصلحة إسرائيل في السيطرة على جزيرة حنيش واصفاً إياها بـ”الجزيرة الاستراتيجية” وفي تلك الفترة نشرت مجلة الدفاع الأمريكية أكثر من مادة صحفية عن جزيرة حنيش والأوضاع العسكرية في المنطقة.
وفي فبراير 96م نشرت يومية الثورة اليمنية خبراً عن تأكيد الحكومة الإسرائيلية لعلاقتها بأرتيريا ووصفتها بأنها ذات موقع استراتيجي يضمن لإسرائيل اتصالات بحرية وجوية بأفريقيا والشرق الأقصى.
ومؤخراً وخلال الحرب الأخيرة على اليمن التي اندلعت في مارس (2015) سارعت القوات الأمريكية وقبلها الإماراتية إلى التواجد العسكري في الجزر اليمنية أبرزها أرخبيل حنيش وميون “بريم” المشرفة على ممرات الملاحة الدولية والتي أنشأت عليها الإمارات قاعدة عسكرية، وجزيرة زقر والتي تخضع حالياً لإدارة دول التحالف بموافقة من حكومة ما يعرف بالشرعية.
حرب تلوح في الأفق
حالياً يمكن رسم خارطة التواجد العسكري في البحر الأحمر بشقيه الشرقي والغربي كالتالي:
* صنعاء علمت بطريقة أو بأخرى أن هناك تدخلاً عسكرياً أمريكياً مباشراً وشيكاً في اليمن، وقد استغل رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد زيارة نائب المبعوث الأممي معين شريم لصنعاء وإبلاغه أن استمرار التحالف في هجومه باتجاه الحديدة سيقود إلى قطع خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر، والحقيقة أن صنعاء أرادت بهذه الرسالة أن تبلغ واشنطن رأساً أن أي تدخل عسكري أمريكي مباشر سيكون الرد بقطع خطوط الملاحة البحرية عبر استهداف السفن العسكرية التابعة للتحالف وسفن نقل النفط التابعة للسعودية وهذا من الطبيعي أن يجعل ممر البحر الأحمر بالنسبة لناقلات البضائع ممراً غير آمن مطلقاً.
* شمال البحر الأحمر أصبحت جزيرتي تيران وصنافير المصريتين تتبعان السعودية، غير أن محللين لا يعتبرون انتقال الجزيرتان للسعودية بل لإسرائيل التي ستتحكم بهما بموافقة السعودية.
* قاعدة إماراتية في أرتيريا: وهي أول قاعدة عسكرية للإمارات خارج حدودها وتقع على ميناء “عصب”.
* قواعد عسكرية لإيران وإسرائيل في أرتيريا: حيث أشارت تقارير إعلامية غربية إلى وجود قواعد لإيران وإسرائيل في جزر أرخبيل دهلك الأرتيرية إلا أن الخارجية الأرتيرية نفت وجود القواعد على أراضيها.
* قاعدة إماراتية في “أرض الصومال”: حيث وافق برلمان “جمهورية أرض الصومال” غير المعترف بها، على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، وتؤكد الإمارات أن هذه التعزيزات العسكرية تعد جزءاً من العمليات المطلوبة لدعم عمليات الحصار البحري ضد اليمن، مع العلم أن “أرض الصومال” هي دولة حديثة انفصلت عن الصومال قبل عدة سنوات وبدعم مباشر من إسرائيل.
* قاعدة عسكرية إماراتية في جزيرة ميون اليمنية المطلة على باب المندب: كشف ذلك موقع جاينز المتخصص في الشؤون العسكرية حيث كشف صوراً من الأقمار الصناعية لإنشاءات إماراتية لقاعدة عسكرية ولدعم عملياتها العسكرية جنوب اليمن ولتعزيز سيطرتها على مضيق باب المندب.
* في الضفة المقابلة لباب المندب من جهة الغرب فتحت جيبوتي أبوابها لإنشاء قواعد عسكرية لكل من “الصين وفرنسا واليابان وإيطاليا والسعودية والولايات المتحدة” ورغم أن عدد القواعد العسكرية في جيبوتي بلغت 6 قواعد إلا أن الدول لا زالت تتسابق لإنشاء قواعد عسكرية لها في هذه الدولة التي لها موقع استراتيجي مقارب في أهميته لليمن التي تحتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية بالنسبة لباب المندب.
* ولتركيا أيضاً مركز تدريب عسكري في الصومال حيث تم افتتاح أكبر مركز عسكري تركي لتدريب الجيش الصومالي في العاصمة مقديشو.
* ومؤخراً أيضاً تم الاتفاق على أن يمنح السودان جزيرة سواكن لدولة تركيا التي تحتوي على مناطق أثرية فيها مباني تعود للعهد العثماني، ورغم أن الجزيرة لن تكون عسكرية إلا أن ذلك قد يفجر حرباً بين السودان وحلفاء واشنطن في المنطقة أبرزهم مصر وأرتيريا وأثيوبيا وقبلهم الإمارات.