تفاصيل الاتفاق الأخير أمريكا نحو حل سياسي وبريطانيا تحشد.. ماذا يطبخ لليمن؟

المساء برس – تقرير: يحيى الشرفي| من المسلم به أن آخر أوراق التحالف العسكرية سقطت تماماً في اليمن، فالورقة الأقوى والتي كان التعويل على نجاحها بنسبة 100%، كانت ورقة الرئيس السابق علي عبدالله صالح وقيادته انقلاباً من الداخل وتفجير الوضع عسكرياً ضد سلطات صنعاء وجماعة أنصار الله من ناحية، ومن ناحية ثانية قطع خطوط إمداد الجبهات لتسهيل عمليات التحالف للزحف برياً بالإضافة إلى تسليم مواقع عسكرية في جبهة الساحل الغربي جنوباً.

بعد مقتل صالح حاول التحالف وخصوصاً الإمارات استغلال ما حققته من تقدم في جبهة الساحل الغربي نحو الخوخة، حاول مواصلة التقدم ظناً منه أن الإرباك الذي حدث في صنعاء سيمنع أنصار الله من تلافي اختراق الساحل الغربي وبالتالي سيكون من السهل الزج بالجنوبيين نحو السيطرة على جبهات الساحل وصولاً إلى الميناء.

وتمت السيطرة على الخوخة وأعقبها السيطرة على معسكر أبو موسى وتلاها تقدم نحو مديرية حيس وهنا كانت قوات الجيش التابع لحكومة الإنقاذ واللجان الشعبية التابعة لأنصار الله وحلفائهم قد أعادت ترتيب أوضاعها في الجبهة وعززت من قواتها وأنهت وضع خطتها العسكرية لاستعادة ما تم تسليمه طواعية للتحالف.

واليوم كان آخر ما وصل من معلومات عن معارك الساحل الغربي هي أن الاشتباكات على أشدها داخل مدينة الخوخة بين قوات صنعاء والمسلحين الجنوبيين المدفوعين من قبل الإمارات، في الوقت ذاته تأتي هذه المعارك بعد أن تمكنت قوات صنعاء من السيطرة على معسكر أبو موسى قبل يومين وتطويق الخوخة بشكل شبه كلي وترك المسلحين الجنوبيين المغادرة دون التعرض لهم مع عدم مصادرة أسلحتهم الشخصية غير أن الطيران استهدف كل من كان ينسحب من قواته سواء كان الانسحاب بآليات عسكرية أو سيراً على الأقدام، وقبل ذلك كانت قوات صنعاء قد تمكنت أيضاً من قطع خط الإمداد التابع للتحالف الواصل من المخا إلى يختل ومنها إلى الخوخة حيث تقدمت قوات صنعاء في عملية التفاف ناجحة وصلت حتى شمال يختل وقطعت خط الإمداد وأوقعت خسائر مادية فادحة في رتل عسكري كان يسعى لفتح الخط من جديد وهو ما أثبتته المقاطع التي نشرتها وسائل إعلام صنعاء لتلك العملية.

وحالياً تفيد المعلومات الواردة من الخوخة أن المعارك رغم اشتدادها إلا أنها في تفاصيلها الأخيرة، وسرعان ما ستصل الأنباء عن انتهاء السيطرة عليها واستعادتها بالكامل واستعادة المواقع التي تليها وصولاً إلى شمال يختل، الأمر الذي يعني أن الأوراق العسكرية للتحالف قد انتهت.

ومع تسارع الأحداث والتطورات العسكرية المتوالية في الساحل الغربي بدأت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا بالتحرك للتعامل مع الخارطة الجديدة التي ارتسمت في اليمن بعد مقتل صالح وخسارة ورقة المؤتمر، وربما أدركت واشنطن أن المهلة التي أعطتها للسعودية قبل نحو 5 أشهر بضرورة إنهاء الحرب في اليمن وتحقيق نجاح حتى نهاية العام الجاري، أدركت واشنطن أن المهلة وكذا الأوراق التي كانت بيد السعودية والإمارات قد فقدت تماماً ولم يعد أمام التحالف إلا المضي نحو حل سياسي.

غير أن المستجدات الأخيرة تشير إلى أن ثمة مناورة سياسية أخيرة تسعى لها واشنطن وبريطانيا والسعودية والإمارات، وهذا ما تشير إليه التحركات والتصريحات الأخيرة لقيادات الدول الأربع.ال

الولايات المتحدة تستبدل “المتمردين” بـ”المعارضة في الداخل” و”الشرعية” بـ”حكومة المنفى”

قال وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون يوم أمس أن الحل في اليمن لن يكون إلا سياسياً، وأضاف في تصريحات للصحافة “جهودنا منصبة على إعادة فتح قنوات المساعدات الإنسانية في اليمن وفتح الموانئ ومطار صنعاء”.

وقال تيلرسون إن إدارته على اتصال مستمر مع 5 دول تعمل مع من وصفها بـ”المعارضة اليمنية في الداخل” في إشارة إلى جماعة أنصار الله وحلفائهم، بالإضافة إلى ما أسماها “حكومة المنفى” وذلك من أجل التوصل لعملية سلام، مشيراً إلى أن “الحل في اليمن لن يكون إلا سياسياً” وداعياً جميع الأطراف إلى حوار جدي.

ومن الملاحظ استبدال تيلرسون مصطلح من تطلق عليهم واشنطن “المتمردين” أي جماعة أنصار الله، بمصطلح جديد إذ أطلق عليهم اسم “المعارضة في الداخل”، كما اصطلح على حكومة هادي بـ”حكومة المنفى” وليس المصطلح المعتاد “الشرعية”، وهذا تحوّل يراه مراقبون أنه تغير جذري في الموقف الأمريكي ينبئ بفقدان الأمل لتحقيق نصر سياسي أو عسكري على أطراف صنعاء والتسليم بالأمر الواقع والتعامل مع أصحاب الأرض، في الوقت ذاته لا تزال التوجسات من الولايات المتحدة وموقفها الجديد موجودة إذ لا يستبعد سياسيون مقربون من مراكز القرار في صنعاء أن تكون التصريحات الأمريكية مناورة سياسية جديدة لكسب الوقت.

‏أما المتحدثة باسم وزارة الخارجية ‎الأمريكية هيذر نوريت فقد قالت إن الحل الدائم للأزمة في ‎اليمن “لن يكون قائماً على أساس عسكري، بل سياسي بين الأطراف ذات العلاقة”.

وقالت “نوريت” في تغريدة لها على صفحتها الرسمية في موقع تويتر أن بلادها تواصل دعم عمل المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لكنها وصفت العمل على الوصول إلى حل سياسي بالأمر الصعب.

بريطانيا تتحرك لحشد أكبر قدر من حلفائها المحليين للمرحلة المقبلة

يبدو أن بريطانيا وبتوافق أمريكي فرنسي سعودي إماراتي تولت مهمة التهيئة للوضع السياسي لليمن للمرحلة المقبلة، فبعد مقتل صالح بدأ وزير الخارجية البريطاني بالتحرك لرسم المستقبل اليمني وتشكيله انطلاقاً من القبول ببقاء “أنصار الله” وكذا الحفاظ على إبقاء حلفاء للغرب يشاركون أنصار الله الحكم في صنعاء.

هذا ما تشير إليه تحركات بريطانيا الأخيرة والتي كان آخرها الإيعاز للسعودية والإمارات بالتصالح مع حزب الإصلاح وكسبه في صف التحالف بالإضافة إلى حشد أكبر قدر من التكتلات السياسية اليمنية إلى جانب التحالف ليكونوا طرف وأنصار الله وحلفائهم في صنعاء طرف آخر، وفي حال أي تسوية سياسية مقبلة سيكون لبريطانيا والولايات المتحدة حلفاءهما في الداخل اليمني وهذا هو الحل الأخير بالنسبة لكليهما، بمعنى أنه طالما فشل التحالف في هزيمة الحوثيين ومن معهم فالحل وقف الحرب والدفع نحو حل سياسي ينتهي بمشاركة جميع الأطراف كلاً بحسب ثقله السياسي في السلطة المقبلة.

من هذا المنطلق فإن سعي بريطانيا لحشد أكبر قدر من التكتلات السياسية سيكون مثمراً، إذ كلما زادت هذه التكتلات كلما زادت نسبة تمثيلهم مستقبلاً في السلطة، ولهذا لا نستغرب إن سعى التحالف لجمع الجنوبيين من حلفاء الإمارات مع الإصلاحيين مع من المؤتمريين الذين هربوا خارج اليمن بداية الحرب بالإضافة إلى من يريد الانضمام ممن لا زالوا في الداخل ممن كانوا مؤيدين لصالح أو واقفين في صفه.

ولا غرابة أن نسمع المتحدث باسم الحكومة البريطانية وهو يقول “حان الوقت ليجلس الحوثيون إلى طاولة المفاوضات” وأن لندن تبحث “تشكيل ائتلاف بين أنصار صالح والحكومة الشرعية”، ويدعو في الوقت ذاته للتكتل خلف حكومة هادي لمواجهة الحوثيين، من باب الترهيب لا أكثر في حين أن هذا التكتل ليس لمواجهة الحوثيين عسكرياً بل سياسياً في المفاوضات والتسوية المقبلة.

ولا غرابة أيضاً أن نسمعه يقول إن “الحكومة البريطانية تعترف بالحاجة الماسة للشعب اليمني وتقر بمعاناته”، وأن يؤكد على شاشات التلفزيون أن “استخدام سياسة التجويع في اليمن غير مقبول”، وهو هنا يقصد دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وليس اتهامه للرياض وأبوظبي باستخدامهما سياسة التجويع ضد الشعب اليمني وكذا تزايد الحديث عن ضرورة فتح الموانئ والمطارات بما فيها مطار صنعاء، ليس كل ذلك معبراً عن خلاف بريطاني مع السعودية والإمارات، إنما هو لاستعطاف جماعة “أنصار الله” وللإيحاء لهم بأن بريطانيا باتت تدرك مدى ما يرتكبه التحالف في اليمن، وللإيحاء أيضاً أنهم بدأوا بالوقوف إلى جانب أنصار الله وبالتالي على الأخير القبول بما سيطرح خلال الأيام القليلة القادمة إن لم يستجد جديد.

خلاصة القول أن الغرب يسعى لرسم مشهد سياسي يمني جديد يبدأ بمفاوضات بين “حكومة ومعارضة” تنتهي بقيادة جديدة لليمن يشارك فيها حلفاء بريطانيا والولايات المتحدة لكونهم الضامن لاستمرار مصالحهم في اليمن، وأبسط هذه المصالح التحكم بباب المندب على أقل تقدير إن لم يكن السقف هو التحكم بالقرار السياسي وإخضاع السيادة اليمنية ولو بشكل غير مباشر للخارج مجدداً.