“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (14)
المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط
إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.
توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.
عون الرفيق – تكملة
من التهم التي اتهم بها الشريف عون أنه كان يميل إلى العقيدة الوهابية، وسبب هذه التهمة أنه أنه أمر بهجم بعض القبور المقدسة كقبر عبدالله بن الزبير في مكة، وقبر حواء في جدة. ويروي أمين الريحاني يأن قناصل الدول الأجنبية اعترضوا على الشيف عون عندما أمر بهدم قبر حواء، وقالوا له: “لك ما تشاء في الأولياء، ولكن حواء ام الناس أجمعين، ونحن نحتج على هدم مقامها “فاقتنع الشريف عون بما قالوا وترك هدم ذلك القبر(1).
والغريب أنه في الوقت الذي كان فيه خصومه يتهمونه بالوهابية كان الشيعة يظنون أنه منهم. فقد كان الشيخ باقر التستري، وهو من العلماء الشيعة مقرباً على الشريف عون يفد عليه ويقضي الأعوام عنده، وكان هذا الشيخ واثقاً من تشيع الشريف عون.
ويستدل الشيعة على تشيع الشريف عون بعدة أمور منها: أنه أبطل مظاهر الفرح الذي اعتاد عليها أهل الحجاز في يوم عاشوراء اعتقاداً منهم هذا اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي، فقال الشريف عون لهم:”إننا أمه محمد، وسفينة آل الرسول صادفت هذا اليوم بلاءها المشهور –يقصد مقتل الحسين في كربلا –فلا بد أن يحزن فيه الرسول وتحزن أمته”(2).
ومنها أنه نظم قصيدة طويلة في رثاء فاطمة الزهراء وذم من آذاها، وألقاها بنفسه على الحجاج بنفسه في الكعبة عام 1904. والواقع أن هذه القصيدة اشتهرت لدى الشيعة في العراق، وما زال قراء التعزية يتلونها في مجالسهم الحسينية، وهم يرددون منها البيت التالي بوجه خاص:
بن من ؟ امن من ؟حليلة من؟ ويل لمن سن ظلمها وأذاها.
يمكن القول على أي حال أن الشريف عون لم يكن وهابياً ولا شيعياً، بل كان مذهباً قائماً بذاته. يصفه أحد الذي خالطوه وعرفوه بقوله: “إنه كان يجاري كل طائفة بأكمل ما عندهم حتى يستطلع ما في خواطرهم، وينفذ فيهم سياسته وإرادته، ويستجمع من كل ذلك قلوب الطوائف الإسلامية قريبها والبعيد….وكان الشريف عون عالماً بارعاً في الفنون متضلعاً في أكثر العلوم لا يدخل عليه عالم إلا ويخرج معتقداً أن علمه دون علم الشريف……وكانت كل طائفة من المسلمين تحج وتعتقد أن أمير الحرمين أحد أفراد طائفتها…”(3).
إن هذه السياسة الغريبة التي سار عليها الشريف عون لا بد أن يرضى عنها قوم ويغضب منها آخرون:. والظاهر أن العامة كانوا في الغالب راضين عنها ومعجبين بها، أما الخاصة فكانوا ناقمين عليها. فقد كان في مقدمة الناقمين على الشريف عون الوالي نوري باشا وأعيان مكة وعلماؤها، وكتبوا عليه المضابط إلى السلطان عبدالحميد يشكونه ويذمونه. فأرسل السلطان إلى مكة لجنة للتحقيق برئاسة راتب باشا. وحين وصلت اللجنة إلى جدة كان في استقبالها رسلو من الشريف عون وهو يحمل صرة فيها ستة آلاف ليرة ذهب هدية إلى رابت باشا (4)ولما حققت اللجنة في الشكاوى بعئدئذٍ وجدت أنا لا صحة لها وبرأت الشريف عون من التهم التي ألصقت به “زوراً وبهتاناً”. وبعد مدة قصيرة أمر السلطان بعزل نوري باشا من الولاية وتعيين رابت باشا مكانه.
وفي عام 1904 نظم الشاعر المعروف أحمد شوقي قصيدة طويلة ذم فيها الشريف عون ذماً مقذعاً وحث السلطان على عزله. وقد رفع القصيدة إلى السلطان. وفيما يلي تنقل أبياتاً نموذجية منها:
ضج الحجاز وضج البيت والحرم *** واستصرخت ريها في مكة الأمم
قد مسها في حماك الشر فاقض لها *** خليفة الله انت السيد الحكم
لك الربوع التي ريع الحجيج بها *** أللشريف عليها ام لك العلم
أهين فيها ضيوف الله واضطهدوا *** إن أنت لم تنتقم فالله منتقم
أفي الضحى وعيون الجند ناظرة *** تسُبى النساء ويؤذي الأهل والحشم
ويُسفك الدم في أرض مقدسة *** وتًستباح بها الاعراض والحرم
يد الشريف على أيدي الولاة علت *** ونعله دون ركن البيت تُستلم
نيرون إن قيس في باب الطغاة به *** مبالغ فيه والحجاج متهم
أدبه أدب أمير المؤمنين فما *** في العفو عن فاسق فصل ولا كرم
لاترج فيه وقاراً للرسول فما *** بين البغاة وبين المصطفى رحم
ابن الرسول فتى فيه شمائله *** وفيه نخوته والعهد والشمم
ما كان طه لرهط الفاسقين أباً *** آل النبي بأعلام الهدى ختموا
محمد رُوعت في القبر أعظمه *** وبات مستأمناً في قومه الصنم
وخان عون الرفيق العهد في بلد *** منه العهود أنت للناس والذمم(5).
لم تؤثر هذه القصيد على بلاغتها في السلطان شيئاً. ولعل الصرر التي كان الوالي يستلمها من الشريف عون كانت أكثر بلاغة من القصيدة.
وعلى أي حال فقد مات عون في السنة التالية، فتولى الشرافة من بعده ابن أخية علي بن عبالله ولكنه عزل في عام 1908وتولى الشرافة من بعده الحسين بن علي.
المراجع:
(1) أمين الريحاني (ملوك العرب)-بيروت 1951-ج1ن ص63.
(2) نقلاً عن الكتاب المخطوط للشهر سناني.
(3) نقلاً عن الكتاب المخطوط للشهر سناني
(4) سليمان موسى (المصدر السباق)-ص45.
(5) أحمد شوقي(الشوقيات )-بيروت –ج1،-ص211-213.