“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (9)
المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط
إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.
توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.
من ذيول مؤتمر النجف
في عام 1156هـ – الموافق لعام 1743م – عقد نادر شاه مؤتمره المشهور في النجف بغية التوحيد بين الشيعة وأهل السنة ، وكان قد أحضر إليه عدداً كبيراً من علماء الفريقين ن من إيران وأفغانستان وتركستان ، كما حضره وحضره بغداد الشيخ عبدالله السويدي الذ1ي كان كبير علماء السنة في العراق وحضره من كربلاء السيد نصر الله الحائري الذي كان كبير علماء الشيعة فيه . وبعد مناقشات طويلة بين الفريقين تم الاتفاق بينهما على شروط كان أهمها بالتشيع مذبهاً خامساً يسمى ب”المذهب الجعفري “نسبة إلى الإمام جعفر الصادق . وكان من جملة الشروط أيضاً أن يُسمح للشيعة بالصلاة والخطبة في الركن الشامي من الكعبة عند موسم الحج ، وذلك بعد فراغ الإمام المختص به من صلاته(1).
وبعد انتهاء المؤتمر أرسل نادر شاه السيد نصر الله الحائري إلى مكة لكي يقوم بالصلاة في الركن الشامي حسب قرار المؤتمر ، وأرسل معه نسخة من محضر المؤتمر ن كما أرسل كتبا إلى شريف مكة مسعود بن سعيد ، وإلى قرارات المؤتمر .
حين وصل الحائري إلى مكة استقبله الشريف مسعود باللطف والترحاب ، وسمح له بالصلاة والخطبة في الركن الشامي . ولكن العامة ولم يهن عليهم ذلك ، فهاجوا وماجوا ، علماً بأن قصة تلويق الكعبة القانية لم يكن قد مر عليها سوى ثلاثة عشر عاماً . وتدل بعض القرائن على أن الشيخ عبدالله السويدي الذي جاء إلى الحج في تلك السنة كان له يد في إثارة العامة .
أرسل الوزير التركي في جدة إلى الشريف مسعود يطلب منه تسليم الحائري إليه ليقتله . فامتنع الشريف عن تسليمه وقال : “وإن سأحافظ عليه إلى أن أكتب إلى دار الخلافة وأتلقى جوابها فيما تأمر “(2). فمل يرض الوزير التركي عن هذا الجواب ن واتهم الشريف بالميل إلى المذهب الجعفري .
أسرع الشريف فكتب إلى السلطان في إسطنبول يخبره بالأمر ن ويطلب منه الرأي . فوصله الجواب من السلطان خلال مدة قصيرة يأمره بإلقاء القبض على الحائري وتسليمه إلى أمير الحج الشامي اسعد باشا العظم . ففعل الشريف ما أمره السلطان به . وحُمل الحائري مخفوراً مع أسعد باشا إلى إسطنبول فحمل مخفوراً إليها . ويُروى أنه مات مسموماً ، غير أن جنازته شيعت تشييعاً رسمياً ودُفن في قبر لائق به وما زال قبره قائماً (3).
يبدو أن الشريف مسعود شعر بحراجة مركزه عقب هذه الحادثة ، وربما بلغه ما أشيع عنه من الميل إلى المذهب الجعفري ، فأمر بلغن الرافضة على المنابر(4) درءا للتهمة عنه .
الحرب مع الوهابيين
في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي بدأت الدعوة الوهابية بالظهور في النجد . وبعد سنوات قليلة من ظهورها أرسل الوهابيون ثلاثين من علمائهم إلى مكة لمناظرة علمائها . يقول دحلان صاحب كتاب “خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام” عن الشريف مسعود؛ أمر علماء الحرمين أن يناظروا علماء الوهابية ، فناظروهم ، فوجدوا عقائدهم فاسدة ، وكتب قاضي الشرف حجة بكفرهم وحبسهم فسجن الشريف مسعود بعضهم وفر الباقون (5).
أمر الشريف مسعود بمنع الوهابيين من الحج ، وظل المنع سارياً في عهد خلفائه . وفي عام 1788م تولى شرافة مكة غالب بن مساعد ، وكان داهية جباراً . وكانت الدعوة الوهابية قد تنامت في زمانه وانضمت إليها قبائل كثيرة فصمم الشريف غالب على محاربتها والقضاء عليها .
وجه غالب حملات عديدة إلى نجد لم ينجح فيها ، واضطر في عام 1798م إلى عقد الصلح مع الوهابيين وسمح لهم بالحج وقد انتهز الوهابيون فرصة توقف القتال مع غالب، فصاروا يوجهون غاراتهم على العراق .
وفي عام 1802م قاموا بفعلتهم المشهورة في كربلاء حيث اقتحموها بغتة وقتلوا كثيراً من سكانها ونهبوها كما نهبوا خزانة المرقد الحسيني – على نحو ما ذكرناه بتفصيل في الجزء الأول من هذا الكتاب .
انتقض الصلح بين الوهابيين والشريف غالب في عام 1802، وقد التحق بالوهابيين عثمان المضائفي وكان وزير الشريف غالب وزوج أخته ، فتقوى الوهابيون به . وعاد المضائفي على رأس جيش كبير من القبائل الوهابية فحاصر الطائف وفتحها . وقام الوهابيون في الطائف بمذبحة فظيعة ، ونهبوا نهباً، على عادتهم في كل بلدة يفتحونها ، إذا هم يعتبرون سكانها مشركين يجوز سفك دمائهم ونهب أموالهم .
كان الأمير سعود بن عبدالعزيز عند فتح الطائف متوجهاً نحو غزو العراق ، فلما وصل إليه خبر فتح الطائف على يد قوات عثمان المضائفي سر به سروراً عظيماً وترك غزو العراق وتوجه نحو الحجاز .
وقد تمكن الأمير سعود من فتح مكة بلا قتال، ذلك لأن الشريف كان قد انسحب منها قبيل ذلك وذهب إلى جدة فتحصن فيها .
المراجع:
(1)أنظر تفاصل المؤتمر وقراراته في الجزء الأول من هذا الكتاب –الفصل الخامس.
(2)أحمد السباعي (لمصدر السابق)-ص300.
(3)علي الوردي (لمحات اجتماعية)-بغداد 1969-بغداد 1969-ج1،ص141.
(4)أحمد السباعي (المصدر السابق)-ص300.
(5)محسن الأمين (كشف الارتياب )-ط3-ص7.