لمثل هذا ثار الحوثيون.. هجرة العقول اليمنية
المساء برس – تحقيق: رشيد الحداد| ما سيرد في هذا التحقيق تعتبره جماعة أنصار الله أحد الأسباب التي دفعتها لرفض الواقع الذي كانت تعيشه اليمن والذي كرّسه نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بتعمد سلطته ممارسة الفساد والسماح باستشرائه في مختلف المؤسسات الرسمية حتى وصل إلى الفساد الأخلاقي والعلمي الذي يدمر الأنظمة والأوطان.
إنه التجاهل والتطفيش والفساد الإداري.. هما ما يحرمان اليمن من أهم ثرواتها.. إنه النزوح الجماعي للعقول الوطنية المهاجرة هرباً من واقع يحكمه الجهلاء إلى واقع يحترم حملة العلم.
“الأكاديميون اليمنيون العاملون في الخارج يفوقون بأعدادهم الموجود في الداخل”
شهدت اليمن خلال الفترة الماضية هجرة شبه جماعية للكفاءات الى الخارج بسبب تردي الأوضاع الأمنية واستمرار حالة الاضطرابات السياسية في البلاد، وهو ما يشكل خطرًا على التنمية بعد أن فقدت اليمن ثروتها البشرية الفاعلة وقدراتها القادرة على ادارة التغيير وتحقيق التنمية الشامله؛ فإجمالي الأكاديميين اليمنيين في الخارج بمختلف التخصصات يفوقون العاملين في الداخل، وإجمالي الأطباء اليمنيين في دول الخليج وألمانيا والصين وأمريكا يفوقون وجودهم في مستشفيات الجمهورية بأضعاف مضاعفة، كما ان أربعين ألف معلم يمني يعملون في شوارع المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج، ورغم ذلك لا يزال نزيف العقول مستمرا دون توقف، وهو ما يضع ألف علامة استفهام حول مستقبل التنمية..
“للحوثيين موقف سبّاق في الحديث عن الثروة البشرية المهدرة”
في واحدة من خطب الزعيم الروحي لجماعة أنصار الله، “الشهيد حسين الحوثي” تفاجأنا بحديثه منذ وقت مبكر عن الثروة البشرية اليمنية ذات الكفاءة والتي يتم إهدارها وإهمالها من قبل النظام اليمني وهذا يدفعها إلى الهروب خارج اليمن للبحث عن من يقدّر قيمة علمها وجهودها البحثية، ويشير الحوثي أيضاً أن هذا الوضع يتعمّد النظام استمراره خدمة للغرب الذي لا يريد أي بلد الأمة الإسلامية والوطن العربي أن تنهض وأن تمتلك قدرات بشرية وعلمية كفؤة تقود البلدان إلى النهوض بعيداً عن التدخلات الغربية وعلى رأسها الأمريكية والإسرائيلية، وأكد الحوثي أيضاً أن النظام بفساده يخدم الغرب ويحقق رغباته في تدمير اليمن، لافتاً أن ذلك يعد نوعاً من أنواع موالاة أعداء الأمة الإسلامية، وأن القرآن أمرنا بالعلم والعمل ولأننا تخلينا عن الثقافة القرآنية كانت النتيجة أننا تركنا العلم والعمل.
نهاية العام 2014 أعلنت حكومة الكفاءات الوطنية حينها “العام 2015م عامًا للتعليم”.. حينها أعدت صحيفة الوسط تحقيقاً يكشف حجم كارثة ظاهرة هروب ونزوح الكفاءات الوطنية إلى الخارج.
نظراً لأهمية ما نشر في هذا التحقيق، يعيد “المساء برس” نشره مجدداً كما ورد في الموقع الإلكتروني للصحيفة.
تسببت الكثير من العوامل، والتي من أبرزها عدم الاستقرار السياسي والأمني، وانعدام فرص العمل، وتراجع مستويات الدخل، وعدم تهيئة حاضنه للكفاءات والخبرات اليمنية المؤهلة الى ارتفاع هجرة العقول من اليمن في الآونة الأخيرة إلى أعلى المستويات، وهو ما يتهدد مستقبل اليمن التنموي، وفيما لم تقدم وزارة التعليم العالي أي حلول لوقف نزيف العقول اليمنية الى الخارج، كما لم تقدم الجهات الرسمية أي احصائيات لإجمالي الكفاءات المهاجرة في الخارج أو التي هاجرت بفعل الاضطرابات خلال السنوات الثلاث الماضية..
إلا ان إحصائيات رسمية اشارت الى أن قرابة الخمسة آلاف كادر متخصص نوعي أكاديمي وطبي هاجر اليمن خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى عشرات الآلاف في المهن والأعمال الأخرى المتعددة، وكشفت الدراسة عن تركز نزيف العقول اليمنية على الكفاءات الأكاديمية والطبية من مختلف المهن والتخصصات النوعية التي تستند عليها أسس التطوير والنهوض التنموي والاقتصادي والعلمي والمعرفي.
ووفق تقرير حكومي حديث فإن العشرات من الخريجين وأصحاب الكفاءات يغادرون اليمن سنويا للبحث عن العمل وتطوير المهارات، وأكد التقرير أن نحو 30 ألف شخص من حملة المؤهلات الجامعية وحملة الشهادات العليا والمعاهد المتوسطة يعملون في دول الجوار وبعض الدول الأخرى، كما أن القطاع الصحي يعاني نقصا كبيرا في الكادر الطبي، في الوقت الذي يفضل فيه الأطباء اليمنيون العمل في دول الجوار لتحسين مستوى دخلهم.
وفي ذات السياق بدأت عدد من الدول، ومنها الخليجية، باستقطاب الكفاءات اليمنية الى جامعاتها بعروض وامتيازات مغرية، وهو ما شكل دافعًا للمئات من الكفاءات الاكاديمية الى الهجرة للعمل في جامعات حكومية او أهلية بعيدا عن الوطن الأم، وفي ذات الاتجاه قال عضو الجامعات الأهلية صلاح مسفر: إنه هاجر إلى المملكة السعودية وحدها أكثر من 1000 دكتور في مُختلف التخصصات، لاسيما الطبية، وأوضح: أن السمة الغالبة على الجامعات والكُليات الأهلية التي فُتحت خلال الفترة الأخيرة هي توجه من لا صِلة لهم بالتعليم العالي ولا خِبرة للاستثمار في التعليم العالي حيث تجد عدد من الجامعات، حديثة النشأة، تعود ملكيتها ورأسمالها لبيوت تجارية معروفة في اليمن، بأن هؤلاء تُجار دوماً ولا صِلة لهم بالتعليم..
“تواصل التحذيرات”
وعلى الرغم من تواصل التحذيرات من استمرار هجرة العقول من اليمن، إلا ان الأوضاع غير المستقرة كفيلة باستمرارها، وفي ذات السياق حذرت دراسة حديثة من خطورة النقص الكبير الذي تشهده اليمن في التخصصات النادرة وهجرة الكفاءات منها، وأكدت الإحصائية أن إجمالي من تبقى من ذوي التخصصات المهمة في اليمن لا يتجاوز (10) آلاف متخصص، وأشارت الى ان هذا العدد يمثل نسبة ضئيلة بالنسبة لعدد السكان الذين يقترب عددهم من 24 مليون نسمة.
ويبلغ أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية – حسب آخر إخصائية للمجلس الأعلى لتخطيط التعليم – 8019 يعملون في عشر جامعات حكومية، بينما يبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس في 23 جامعة أهلية 20018.
“نزوح الأطباء إلى الخارج “
الكثير من الأطباء المشهورين في اليمن يعملون خلف أضواء الإعلام ولكن البعض منهم يتعرض للتهميش والإقصاء والمضايقات التي تدفعه الى البحث عن بديل أفضل حتى ولو كان خارج اليمن، فمن هجرة دكاترة وأكاديميي الجامعات الى هجرة الأطباء اليمنيين الذين اكتظت بهم مستشفيات دول الخليج في الوقت الذي تعاني المستشفيات اليمنية من نقص حاد في الأطباء، ويتم استقدام أطباء من روسيا ودول أخرى..
الشهر الماضي “أواخر العام 2014” هاجر عدد من الأطباء اليمنيين الكبار، ومنهم الدكتور إبراهيم النظاري – استشاري جراحة المسالك البولية وزراعة الكلى في مستشفى الثورة العام بصنعاء – الذي غادر اليمن للعمل في دولة قطر، كما غادر اخرون وجدوا فرص عمل تحقق مستويات عيش آمنة في المهجر.
“هجرة المعلمين”
ولم يسلم حقل التربية والتعليم من هجرة العقول والكفاءات والمتخصصين فيه، ولكن ربما لقمة العيش وإقحام السياسة في مجال التعليم لعب دوراً كبيراً في هجرة المعلمين من اليمن الى دول الخليج للعمل هناك ليس في نفس المجال كما هو الأطباء، بل في العمل بأعمال حرة وخدمية. وإذا نظرنا فقط للكم الهائل من المعلمين المغتربين سندرك حجم الكارثة التي تتهدد اليمن؛ حيث أكدت وزارة التربية والتعليم، العام المنصرم “2014”، عن ارتفاع إجمالي المعلمين المغتربين في دول الخليج الى 40 ألف معلم مغترب يتقاضون أكثر من 2 مليار شهرياً، ومعظمهم يعمل بديلا عنهم، بما يعرف بالمعلم البديل، والذي قد يكون خريج ثانوية عامة أو جامعي، ولم يحصل على وظيفة. وآخرون يتم التغطية عليهم من قبل زملاء لهم، والبعض منهم تصادر مرتباتهم الى جيوب مديري التربية بشرط الحفاظ على الوظيفة حتى وصول المعلم أحد الأجلين.
“ولنزيف العقول أسباب مأساوية”
خلال إعداد هذا التحقيق تواصلت مع عدد كبير من الأكاديميين العاملين في أعرق الجامعات الخارجية، ومنهم من يعمل في دولة الامارات العربية المتحدة التي استقطبت الكفاءات العربية ونجحت في احداث تنمية على كافة المستويات، قبل شهرين من الآن “أواخر العام 2014” كان نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد نشر مقالا كشف فيه أسرار نجاح الإمارات، وقال فيه بالحرف الواحد: “إن نجاح دولة الامارات يعود للنهج الذي اتخذته في استقطاب بعض الكفاءات والعقول العربية المهدرة”.
خلال تواصلي مع أحد الاكاديميين اليمنيين الكبار في دولة الامارات العربية المتحدة، والذي يعد عضو هيئة تدريس في إحدى أعرق جامعات الامارات في مجال الهندسة، الدكتور الذي طلب مني عدم نشر اسمه؛ نظرًا للمأساة التي دفعته الى السفر، والعمل في الخارج، أكد لي انه على استعداد للعودة لليمن، والعمل بأجر لا يتجاوز الـ 20% من الأجر الذي يتقاضاه في إحدى الجامعات الإماراتية؛ حباً لليمن.. وحول أسباب هجرته قال لي: “عدت الى اليمن حاملاً شهادة الدكتوراه وطرقت كل الأبواب بحثاً عن وظيفة في احدى الجامعات الحكومية او وظيفة في أي مكان اخر حتى وصل بي الحال لأن انام في اللوكندات الشعبية في باب اليمن، وشعرت بالضياع”، ولم يستوعبه الوطن، أو يستفد من خبراته فهاجر.
من خلال حديث الدكتور المهاجر تأكد لي ان ما تتعرض له اليمن من اهدار لكفاءاتها ليس نتيجة المال او الاجر بل نتيجة اهمال وتجاهل وتمترس الفاسدين والخانعين والفاشلين في المناصب العامة وتحويل وزارات ومصالح ومؤسسات الشعب الى اقطاعيات تتحكم في مصائرها أسر وبيوت فقط، وكأنها وُجدت لها وليس لكل اليمنيين، كما تأكد لي من خلال حديث الأكاديمي المهاجر ان وطنيته تفوق وطنية الفاسدين في هذا البلد ومدعيي الوطنية والولاء الوطني. اثناء محادثتي معه تذكرت أحد المشردين في شوارع صنعاء، والذي يعد من الكفاءات الوطنية، فالمشرد الذي استسلم لجهابذة الفساد وقبل ان يعيش باسم غير اسمه وشكل غير شكله يعمل في النهار في جمع العلب الفارغة وفي الليل يبحث عن كراتين لينام على قارعة وطن، وهو يحمل شهادة ماجستير في مجال المحاسبة من الولايات المتحدة الامريكية.
“علماء مجهولون”
وفي الوقت الذي علم العالم العربي اجمع بعالم الفضاء المصري فاروق الباز، الذي يعد من ابرز العلماء في وكالة الفضاء الامريكية ناسا، لم يعلم اليمنيون ان عالم الفيزياء النووية البروفيسور فضل احمد طالب السلامي، من ابرز العلماء في وكالة الفضاء “ناسا”، إلا بعد وفاته في حادث مروري، في يناير الجاري “يناير 2015″، بالولايات المتحدة الأمريكية ويعتبر عالم الفيزياء البروفيسور السلامي العالم العربي الوحيد الذي نجح في تقديم الحسابات الدقيقة والمناسبة لهبوط المسبار الفضائي على سطح كوكب المريخ بعد أن تيقن بأن حساب العلماء لم يكن مناسبًا للهبوط، وأن المركبة ستهبط في مكان غير جيد، ولن يستطيع الحركة، ولن تقوم بجمع العينات من الكوكب الاحمر، حيث حاول إقناع رؤسائه بحساباته الصحيحة وأثبتها بالنظريات العلمية بحيث توّج جهده بأن المسبار نزل في الموقع الصحيح، والذي رآه مناسبًا، بحيث حفظ الجهد والمال الذي كان من شأنه سيضيع هباء في حالة الحساب الاول.. وحصل العلماء على العينات المناسبة للدراسة والتي مثلت قفزة كبيرة في علم الفضاء والكواكب، ولكن بسبب تجاهل الكفاءات علم القلة ان هذا العالم الكبير هو يمني الجنسية وينحدر من منطقة المجحفة، مديرية تبن، محافظة لحج.
“أسماء يمنية أذهلت العالم”
وفي التجاهل تمتلك اليمن خبرات كبيرة وكفاءات بحجم اليمن، ولكن الحكومات اليمنية والأنظمة اهملت وتجاهلت ولم تعطها أي اهتمام، ولكنها وجدت البيئة الحاضنة لها في الدول التي يدرك حكامها بأن الأوطان لا تبنيها العقول الفارغة..
ونحن في اليمن لم نعلم شيئا عن البروفيسور ناصر زاوية – عميد الدراسات العليا في جامعة روود أيلند في الولايات المتحدة الامريكية، وقليل منهم يعرفون البروفيسور مصطفى العبسي – مدير معهد “دولوث” الطبي للأبحاث في جامعة مينيسوتا أمريكا، والقليل أيضاً يعرفون عن البروفيسور هلال الأشول – مدير مختبر الأبحاث الجزيئية والكيموحيوية لانحلال الأعصاب في المعهد التقني الفيدرالي العالي لوزان – سويسرا، وكذلك لا نعلم عن الدكتور أحمد الدبعي، المحاضر في كلية علوم الحاسوب في جامعة نابيير إدنبيرج بريطانيا، ولا عن الدكتور محمد الهاروني، الباحث في مجال مقامة البكتيريا للمضادات الحيوية، بجامعة ترمسوا النرويج.
وحتى العام 2012 لم يكن الكثير من اليمنيين يعرفون بأن العالمة اليمنية الدكتورة مناهل عبدالرحمن ثابت، والتي تعد أصغر فتاة في العالم تحصل على دكتوراه في الهندسة المالية، والتي حصلت على أول دكتوراه بعمر 25 عاماً، والثانية في عمر 28 عامًا.. وأصبحت نظرياتها الاقتصادية تستعين بها كبرى المؤسسات المالية في العالم. وقدمت العالمة اليمنية مناهل ثابت، والمقيمة في دبي بدولة الامارات العربية المتحدة، معادلة رياضية يتمكن العلماء من خلالها من حساب سرعة الضوء، وذلك في كتاب مكون من 350 صفحة من الحجم المتوسط. وحسب علماء الرياضيات فإن المعادلة من شأنها أن تحدث تغييرا نوعياً في رياضيات الكم، (والذي هو من أعقد العلوم الطبيعية)؛ مما دعا “ناسا” والعديد من الوكالات المختصة بالفضاء الدولية أن تتفاوض مع العالمة اليمنية لتطوير المعادلة، عيّنت رئيسة لشبكات الذكاء العالمية، وبجانب إنجازاتها العلمية، هي تؤسس شركتها الخاصة الاستثمارية في دبي. ورغم التجاهل من قبل السلطات اليمنية للكفاءات اليمنية التي استطاعت ان تقدم اليمن قوية في كافة المحافل العالمية، الا ان الجميع يحبون اليمن، ولم يتخلوا عن جنسياتهم اليمنية، والبعض منهم لا يزال يحتفظ بجواز سفر يمني.
“كبار الأطباء”
في الوقت الذي يستقبل أحد المستشفيات المختصة بالقلب 2000 مريض يمني وتستقبل مستشفيات مصر والأردن الآلاف من اليمنيين، ومستشفيات المانيا المئات سنويا، يكبدون الدولة قرابة المليار دولار.. ووفق آخر إحصائية فقد بلغت المبالغ المالية التي يتم إنفاقها من قبل المرضى الى 900 مليون دولار سنويا، والرقم مرشح للزيادة، وكل ذلك بسبب ان كوادرنا اليمنية الكبيرة والناجحة لم تُمكّن من خدمة وطنها بالشكل الصحيح، فعشرات الأطباء المختصين في القلب، بل يمكن القول: من أكبر الأطباء المختصين في أمراض القلب والأمراض الأخرى في اعرق المستشفيات العالمية هم يمنيون، ففي مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض يعد اكبر أطباء جراحة القلب يمني الجنسية، وينحدر الى مديرية وصاب بمحافظة ذمار، وهو الدكتور عبدالكريم الوصابي – استشاري جراحة القلب. وكان العام المنصرم “2014” قد حصل فيه الدكتور محمد أحمد المنصوب على درجة الدكتوراة في تخصص جراحة القلب المفتوح على المركز الأول في واحدة من أعرق الجامعات الصينية عن رسالته العلمية لنيل الدكتوراة في مجال تخصص القلب المفتوح، وقد حصلت على صدى واسع بعد أن نشرتها إحدى مجلات الجمعية الأمريكية لأمراض القلب، والتي تعتبر من المجلات العالمية المحكمة وذات المرجعية العلمية في أمراض القلب.
كما هو الحال عشرات الأطباء اليمنيين الذين يعملون في مستشفيات أجنبية، ولم يصل خيرهم الى هذا الوطن، والسبب ان اليمن لم يُعد أي اعتبار لأبنائه المتسلحين بالعلم، كما لم تُتَح الفرص وتُهيأ لهم لخدمة وطنهم الأم. الكثير من كبار الأطباء غادروا اليمن منهم من عاد اليها بحثاً عن عمل ويحمل تخصصا نادرا..
اليمن وشعبها بأمس الحاجة الى خبراته وقدراته العلمية، في أحد أكبر المستشفيات الألمانية وتحديدا في قسم القسطرة بمجموعة مستشفيات مدينة كاسل الألمانية يعمل الدكتور اليمني بسام حميد – تخصص طب الطوارئ وإنقاذ الحياة.. قصة الدكتور بسام أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في علم الأدوية التطبيقية والتخصص في الباطني والقلب والطوارئ وإنقاذ الحياة من ألمانيا، عاد اليمن بحثاً عن وظيفة إلا انه ظل لفترة دون ان يعثر على فرصة عمل، حتى جامعة حضرموت التي عرض عليها مؤهلاته العليا لم تقبله، والبلد بأمسّ الحاجة إليه فاضطر للعودة الى المانيا ليعمل هناك، وقبل ان يعود الى اليمن حاولت المانيا استقطابه إلا انه رفض ومنحته الجنسية الالمانية تقديراً لتفوقه فعاد اليها بعد ان تجاهلته اليمن.
“المال ليس الدافع الرئيس”
الأستاذ بجامعة صنعاء الدكتور عبدالرحمن صلاح نفى ان يكون المال الدافع الوحيد لنزيف العقول وهجرة الاكاديميين.. حيث أشار – في تصريح خاص بـ”الوسط” بالقول: مخطئ من يعتقد ان الكفاءات الوطنية والأكاديمية اليمنية تبحث عن فرص عمل بالخارج من أجل المال فقط، ومخطئ كذلك من يعتقد ان تسرب الكفاءات من اليمن ليس بالأمر المهم؛ لأن تلك الكفاءات هي أهم ركائز التنمية الاقتصادية في اليمن ستعتمد على كفاءة الموارد البشرية. ونصح الدكتور صلاح، قادة اليمن، الحرص على عدم فقد المزيد من الكفاءات الوطنية والأكاديمية إن أرادوا بحق النهوض السريع باليمن. ودعاهم الى الحفاظ على الكفاءات الاكاديمية والوطنية التي تعمل بالخارج، وعلى انتمائها الى الصروح الاكاديمية اليمنية؛ باعتبارها ثروة وطنية هائلة، وقال الدكتور عبدالرحمن صلاح: من الخطأ مثلاً ما يتردد حالياً عن محاولة اللجان الثورية بجامعة صنعاء من فصل بعض الكفاءات الوطنية التي طال زمن وجودها بالخارج نهائياً، أنا لا اقول باستمرار مرتباتهم، فمرتباتهم موقفة، ولكن اقصد استمرار انتمائهم للجامعات اليمنية، واليمن بشكل عام.. ويجب على صانع القرار السياسي ان يعرف ان خروج هذه الكفاءات لم يكن دائماً من اجل زيادة الدخل فقط، بل – أيضًا – من اجل تحقيق الذات وتحقيق الانجازات العلمية في بيئات خارج اليمن توفر البيئة الملائمة لتحقيق تلك الإنجازات، الى جانب بحثه عن مكان وبيئة يتوافر فيها الأمن والأمان، وتوفر له التأمين الصحي ولأسرته.
وتوقع الدكتور صلاح ان يستمر استنزاف وهروب الكوادر اليمنية ما دامت اليمن لا توفر لهم كل ذلك. وبالنظر الى النهضة الاقتصادية الصينية او النمور الآسيوية الاخرى نجد أنها الى جانب جذب اموال الاستثمارات الاجنبية عمدت – أيضًا – الى جذب كوادرها الموجودة بالخارج عبر اعطائهم كل الامتيازات التي تعطى لهم في الخارج، فعادت الكوادر وهي مشبعة بالعلم والخبرات التي اكتسبتها بالخارج، ورفدت الاقتصادات الوطنية بأكثر مما اخذته من امتيازات خاصة.. وعلى اليمن ان تحذو حذوهم إن ارادت النهوض باقتصادها وبمستقبلها.. واختتم تصريحه بالتأكيد على أن المشكلة ليست في خروج هذه الكوادر الى خارج الوطن لتتعلم في بيئات اخرى لتكتسب مزيدًا من الخبرات، ولكن المشكلة الحقيقة ان نقطع أواصر الصلة معها نهائيا، وألا نسعى لجذبها وعودتها مرة اخرى الى اليمن.
“هجرة العقول كارثة”
د. موسى علاية – الأستاذ في جامعتي رادبود نيميخن الهولندية وجامعة صنعاء – أكد في تصريح خاص لـ”الوسط”: ان هجرة العقول تعني هجرة رأس المال الوطني.. واعتبرها خسارة كبيرة على الوطن، وتلاشي أحد ركائز التنمية، بل عمودها الفقري، وهو الانسان المؤهل والقادر على العطاء. وقال: نحن نعلم – جميعًا – أن الانسان هو هدف التنمية الشاملة، وفي نفس الوقت الانسان المؤهل هو اداة للتنمية، وبدون هذا الانسان لن تحقق تنمية حقيقية، ولذلك على الحكومة الحالية ان تدرك أهمية هجرة الادمغة او العقول الى خارج الوطن بالرغم من استثمار الدولة مبالغ طائلة في تأهيل هذه الشريحة المهمة والمهمَلة في المجتمع. ودعا الجميع الى الإدراك بأن هذه الشريحة لها دور ريادي في خدمة التنمية، ولذلك لا بد من تسهيل وتذليل كل الصعوبات التي تواجهها، ومحاولة تدارك وحل كل المشاكل الطاردة لها في الوقت الراهن.
وأكد الدكتور علاية ان هجرة العقول ستكون كارثة وطنية لا تقل عن الكوارث والأزمات التي نواجهها يوميا في البلد الجريح.. وتابع قائلاً: عندما تتأمل جليا في اسرار العمليات النهضوية في أي بلد تجد العقول او الانسان الركيزة الاساس والسر المعروف لدى الجميع, وأشار الى ان دولة ماليزيا لم تحقق التنمية الشاملة بدون استثمار الانسان وتحويله من إنسان عالة على العملية التنموية الى إنسان يعول العملية التنموية, ولذا كان إجمالي المبتعثين من ماليزيا الى جميع انحاء العالم لا يقل عن عشرين الف طالب سنويا، وما زال هذا العدد في تزايد حتى وقتنا الراهن… وأكد ان الحكومة الماليزية بقيادة مهاتير محمد أدركت اهمية التعليم وأهمية العقول في خدمة البلد، وعملت على رسم استراتيجية تعليمية تتوافق مع خطط التنمية طويلة الأجل. واختتم تصريحه بدعوة أصحاب القرار في اليمن الى سرعة معالجة هذه المشكلة؛ لأنها – حد قوله – تشكل خطرا حقيقيا وعبئا جديدا يتحمله الوطن المغلوب على أمره.
“من الباحث العبيدي إلى وزير الخدمة الجديد”
في ظل تواصل ظاهرة “التطفيش”، وعدم استقطاب واستيعاب الكفاءات الوطنية لتقديم خبراتها وخدمة وطنها ما يزال الباحث والمتخصص الأول في اليمن في مجال التوصيف الوظيفي خارج نطاق التخصص، ولم يتم الاستفادة منه على الرغم من فشل العديد من مشاريع التوصيف الوظيفي التي كلفت عشرات الملايين من الدولارات، فالتوصيف الوظيفي في وزارة الخدمة الذي يحتل أوليات لقاءات المسئولين مع الوفود الخارجية، وخصوصًا مسئولي المنظمات والدول الداعمة للإصلاحات الإدارية، لا يزال مجرد مشروع للاستهلاك الحكومي للمنح، وحتى إن قُدمت منح ليس هناك متخصصون قادرون على تنفيذه كما هو حال عشرات المشاريع الممولة خارجياً، ولا يوجد مختص واحد في التوصيف الوظيفي داخل الوزارة، ورغم ذلك رفضت وزارة الخدمة في عهد الوزير السابق على استيعاب الباحث العبيدي، وردت على رسالة الدكتور مرهب الأسد، الذي تخرج على يديه المئات من حملة الماجستير في مجال الإدارة العامة، ومنها الوزير السابق، أن الوزارة لديها عمالة فائضة في هذا الجانب، فالدكتور الأسد من الاكاديميين الأكثر حرصاً على الاستفادة من افضل مخرجات جامعة صنعاء، وبعث برسالة للوزير شمسان طالبه باستيعاب الباحث العبيدي الحاصل على الماجستير بامتياز في مجال التوصيف الوظيفي، والذي يعد اول متخصص في هذا المجال المهم، إلا ان الوزارة حاولت إقناع الباحث بأنه “مش أول ضحية، كما يبدو، وإنما ربما أحد ضحايا إهمال الكوادر الوطنية الكفؤة الذين يهملون من قبل جهلاء يمسكون بزمام الوزارات والبلد”.
وكون الدكتور احمد محمد الشامي متخصصا في مجال الإدارة العامة وأحد أكاديميي جامعة صنعاء، فإننا نوجه رسالتنا له بالاستفادة من الباحث نجيب العبيدي المتخصص في مجال التوصيف الوظيفي في اليمن للاستفادة من مهاراته التي سيثري بها وزارة الخدمة المدنية، والغريب أن طلب استيعاب الباحث لم يكن طلبًا لوظيفة جديدة أو منصب جديد، وإنما نقل العبيدي من وزارة إلى وزارة؛ نظراً لأهميته، وباعتباره إحدى الكفاءات الوطنية المهمة، والذي حصل على درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف في رسالته الموسومة بعنوان “التوصيف الوظيفي وأداء العاملين في وزارة الخدمة المدنية”، كما أوصت اللجنة بطباعة الرسالة على نفقة جامعة صنعاء وتعميمها على الجامعات العربية.
“جمعيات وملتقيات في المهجر”
في العام 2007م نظمت الجمعية الأميركية للعلماء اليمنيين بالولايات المتحدة الامريكية في واشنطن المؤتمر الأول للمهنيين اليمنيين في أمريكا، وفي المؤتمر الأول حضر قرابة الـ 150 عالما يمنيا في أمريكا، البعض منهم يعملون في أعرق الجامعات الامريكية.
الأسبوع قبل الماضي “يناير 2015” أعلن عدد من الأكاديميين والباحثين اليمنيين في ماليزيا عن إنشاء اول ملتقى لهم من مختلف التخصصات الطبية والهندسية والتقنية والعلوم الادارية والإنسانية، وألقى الاستاذ الدكتور سامي الدبعي كلمة الملتقى الترحيبية بالحاضرين، وأعطى صورة مفصلة عن دور الباحث اليمني والنجاحات المتحققة بهذا المضمار، الامر الذي استوجب انشاء هذا الملتقى، والذي يسعى إلى تعزيز القدرات واستنهاض الطاقات والعمل بالممكن؛ سعيًا لتحقيق الطموح.. كما تم استعراض العديد من التجارب الناجحة والمتميزة لعدد من الباحثين اليمنيين في عدد من التخصصات الاكاديمية.
“علماء شباب”
هناك العشرات من العلماء اليمنيين الشباب الذين أثاروا إعجاب واحترام العالم بفعل عطائهم العلمي المتجدد.. في العام الماضي تسلمت في ولاية شيكاجو بالولايات المتحدة الأميركية الدكتورة إقبال محمد عبده دعقان – عضو هيئة التدريس بجامعة السعيد – بمحافظة تعز، جائزة أفضل خمسة علماء للكيمياء في العالم للعام 2013، التى أعلنتها الأكاديمية العالمية للعلوم وتنمية المجتمعات والمنظمة العالمية للنساء في العلوم من أجل التنمية.
وفي مايو الماضي قدّم العالِم اليمني مروان ذمرين بحثًا أمام مؤتمر علمي في مدينة ميلانو الإيطالية، أشار فيه إلى إمكانية استخدام الخلايا الشمسية لإنتاج الكهرباء مباشرة من ضوء الشمس، وأوضح الدكتور ذمرين، وهو زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه لجمعية اليابان لتعزيز العلوم، أن ذلك ممكن من خلال جهاز الكتروني من ألواح خلايا شمسية يستخدم المواد شبه الموصلة لتوليد الكهرباء مباشرة من الضوء.
الحديث عن العلماء اليمنيين في الخارج لا يتوقف عند البروفيسور مصطفى العبسي – أستاذ الطب السلوكي وعلم النفس والعلوم العصبية، وأستاذ علم الوظائف الحيوية والطب العائلي، كلية الطب – جامعة منسوتا، فالبرفيسور العبسي يتملك قائمة طويلة من الإنجازات العلمية والأبحاث والمناصب التي تقلدها في أهم المراكز والجامعات حول العالم ويحتاج سردها إلى صفحات ـ كما لايتوقف الحديث عن كفاءات اليمن وعقولها المهاجرة عند المخترع والطبيب اليمني الدكتور خالد نشوان، الجراح الشهير والمخترع الأشهر، حصد في فترة قياسية جوائز كثيرة جدا، حيث تزيد الجوائز التي نالها عن 30 جائزة دولية. فمخترع جهاز ” نشوان باراسوند”، الذي يعمل على معالجة أمراض الشرايين من خلال إصدار موجات (فوق الصوتية)، ساهم في إنقاذ الآلاف من المرضى حول العالم من العمليات الجراحية المكلفة، حيث يستخدم الجهاز لمعالجة العديد من الأمراض بدون تدخّل جراحي، ويعتبره المتخصصون ثورة جديدة في مجال معالجة الأوعية الدموية، وتوسيعها من الضيق والانسداد، عن طريق نوع جديد من الموجات الصوتية.
وفي الختام نؤكد بان اليمن لاتزال تحتضن في الداخل المئات من القدرات والكفاءات الوطنية والعلمية القادرة على إدارة التغيير ولكن يضل التغيير الى الأفضل مجرد حلم مادامت اليمن لا تحترم خبراتها ولا قدرات أبنائها ويحكمها الجهلاء.
المصدر: صحيفة الوسط – يناير 2015 + المساء برس