“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (2)
المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط
إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.
وهذا الكتاب عند قراءته يمكن من خلاله فهم طبيعة ما يحدث في الشرق الأوسط في الوقت الحالي بالنظر إلى تشابه الأحداث مطلع القرن الماضي مع الأحداث التي تعيشها المنطقة اليوم، وفهم طبيعة التدخلات الغربية في المنطقة والصراع على النفوذ وعلاقة بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل فيما يحدث اليوم.
قصة الأشراف وابن سعود هو كتاب من ضمن مجموعة (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) للمؤلف والمؤرخ العربي علي الوردي.
توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.
الحلقة الثانية: مقدمة عن (الأشراف والمجتمع، العمامة الخضراء)
مقدمة عن الأشراف والمجتمع
حاولت في الفصلين الأول والثاني من هذا الملحق دراسة جانب من تاريخ أشراف مكة. ولعل من النافع أن أتطرق في هذه المقدمة إلى دراسة ظاهرة الأشراف بوجه عام لما لها من أهمية اجتماعية وتاريخية ذات صلة وثيقة بالمجتمع العراقي.
إن الأشراف في الواقع يمثلون ظاهرة اجتماعية نلاحظها في جميع البلاد الإسلامية، وهي ظاهرة تقديس الأفراد الذين ينتمون بالنسب إلى النبي واعتبارهم طبقة عالية متميزة عن غيرهم من الناس.(1)
تُطلق على الفرد من هذه الطبقة ألقام مختلفة في البلاد المختلفة. ففي العراق وإيران واليمن وحضرموت وماليزيا وأندونيسيا يطلق عليه لقب “السيد”، وفي مصر والمغرب لقب “الشريف”، وفي بعض أنحاء الهند وتركيا لقب “المير”، وفي أفريقيا الشرقية والجنوبية “مولى”. أما في الحجاز فيُطلق على الحسني لقب “الشريف”، وعلى الحسيني لقب “السيد”.
إن بداية ظهور الطبقة المتميزة في المجتمع الإسلامي كانت في العهد الأموي تحت اسم “قرش”، أما قبل ذلك فكان المسلمون كلهم طبقة واحدة لا تفريق بينهم. وقد ظلّت قريش تتميز على الناس حتى جاء العهد العباسي، وعند ذلك تقلص نطاق تلك الطبقة حيث أصبحت مقصورة على الهاشميين وحدهم، وهم فئتان: العباسيون والطالبيون. وكانت لكل فئة منهما نقابة خاصة بها ترعى أفرادها وتنظر في أمورهم ودعاواهم. ولما دالت دولة العباسيين أصبحت الطبقة مقصورة على الطالبيين وحدهم، وقد تقلّصت هي أيضاً فصارت تشمل العلويين من أولاد فاطمة فقط. وظلت كذلك حتى يومنا هذا.
ومما يلفت النظر أن هذه الطبقة لها أحكام خاصة بها في الفقه الإسلامي. يقول حسن النجار في كتابه “الأشراف” ما نصّه:
“ذكر العلامة الأجهوري في مشارق الأنوار رواية عن مالك أنه يأخذ الأشراف صدقة الفرض وهي الزكاة السنوية.. ويُمنع أن يأخذوا من صدقة التطوع لأن في الثانية ذُلاً دون الأولى، ولكن المشهور عند أكثر الحنفية والشافعية وأحمد جواز أخذهم من صدقة التطوع دون صدقة الفرض.. وقال بعض الباحثين في حكمة التشريع إن سبب تحريم الصدقة عليهم أنها أوساخ الناس فهم أرفع قدراً وأعظم منزلة من أن تكون يدهم سفلى. وقال البعض إن سبب التحريم أنه قد كان لهم قديماً خمس الخمس من الغنيمة والفيء المأخوذين من الأعداء في الجهاد، فلما مُنع عنهم هذا الحق الآن جاز لهم أخذ الصدقة سواء كانت فرضاً أو نفلاً. وهذا السبب الأخير وجيه مقبول وعليه الفتوى الآن. غير أنه ينبغي للمتصدّق عليهم أن يتأدّب معهم حين يعطيهم فلا ينوي بذلك التصدّق بل ينوي الهدية والتقرّب إلى رسول الله بواسطتهم…”.(2)
هذه هي وجهة نظر الفقه السني في الأشراف، أما الفقه الشيعي فهو قد جعل للأشراف مكانة أعلى ونصيباً أكبر من الخمس إذ خصص لهم نصف الخمس بدلاً من خمسه. وهناك فرق آخر بين الفقهين في هذا الشأن هو أن الفقه السني فرض الخمس على الفيء والغنائم فقط، بينما الفقه الشيعي فرض الخمس على جميع المكاسب والأرباح بالإضافة إلى الفيء والغنائم.
ومن الجدير في الذكر في هذا الصدد أن بعض الفقهاء لم يعترفوا بهذا التمييز الطبقي للأشراف، وحجتهم في ذلك أن الإسلام جاء لمحاربة الطبقات والاعتزاز بالنسب، وليس من المعقول أن تنشأ فيه طبقة جديدة محل الطبقات التي زالت. وهؤلاء الفقهاء يفسرون “آل محمد” بأن المقصود بهم أمة محمد لا عترته، ولهم في ذلك أدلة كثيرة لا مجال هنا لذكرها.(3). ولكن هذا الرأي لا يقول به إلا قلة من المسلمين، أما الجمهور الغالب منهم فهم يرون خلافه، ويروون في ذلك أحاديث نبوية كثيرة وقد جمع هذه الأحاديث ابن حجر الهيتمي في كتابه “الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة.
مقدمة عن العمامة الخضراء:
أصبحت العمامة الخضراء في العصور المتأخرة هي العلامة التي تميّز الأشراف عن غيرهم، وتُنسب بدايتها إلى الخليفة العباسي المأمون، فهو عندما عيّن الإمام العلوي علي الرضا ولي عهد له في عام 201هـ خلع السواد الذي كان شعار العباسيين ولبس الخضرة بدلاً عنه، ولكن ذلك لم يدم طويلاً إذ سرعان ما عاد المأمون إلى السواد بعد موت علي الرضا. وقد نُسي اللون الأخضر بعد ذلك إلى أن أعاده في مصر الملك الأشرف شعبان في عام 773هـ، حيث أمر بأن يضع الأشراف في عمائمهم علامة خضراء تميزهم، يقول المقريزي: إن هذا السلطان ألزم الأشراف بأن يتميزوا بعلامة خضراء في عمائم الرجال وأزر النساء، فعملوا ذلك واستمر.(4).
ظل الأشراف يتميزون بعلامة خضراء في عمائمهم حتى عام 1004هـ عندما أمر حاكم مصر بأن تكون عمامة الأشراف كلها خضراء(5). ومنذ ذلك الحين انتشرت العمامة الخضراء في كثير من البلاد الإسلامية كعلامة تميز الأشراف عن غيرهم.
الواقع أن الأشراف لم يلتزموا كلهم بالمامة الخضراء، فمنهم من ظلّ محافظاً على العمامة البيضاء كما هو الحال في أشراف الحجاز واليمن، ومنهم من لم يرغب أن يميز نفسه بأية علامة مهما كانت. والملاحظ بين شيعة العراق وإيران أن السيد فيهم إذا كان من رجال الدين أو كان موسوياً أي من سلالة موسى الكاظم لبس العمامة السوداء. والمظنون أن هذه العمامة من بقايا العهد العباسي، ولعل الشريف الرضي أول من بدأ بها، فالمعروف عن الرضي أنه عندما تولى نقابة الطالبيين في عام 403هـ اتخذ السواد له شعاراً على زي العباسيين(6).
وعلى أي حال فإن بعض الأشراف اتخذوا العمامة الخضراء وسيلة للاستجداء المقنع، كما أن بعض الذين هم ليسوا بأشراف اتخذوها وسيلة لرفع مكانتهم الاجتماعية وللاستجداء أيضاً. يحدثنا حسن النجار عن بعض الحيل التي يلجأ إليها المشعوذون في مصر في القرن العشرين فيقول ما نصّه:
“يلبس بعض من لا اتصال لهم بآل البيت عمامة خضراء بحجة أنه نقيب أحد الأسياد، أو ليجلس بجوار مقام أحدهم، مدّعياً أنه شريف منكود الحظ فقير الحال وأنه يريد كذا وكذا على قبول جده الحسين والسيدة مع أنه لا يمتّ إليهما بصلة القرابة. وفي نظري أن مثل هذا الدجال الممقوت مع أنه أثم بلبس العمامة الخضراء التي أفتى العلماء باختصاص الأشراف بها، هو فوق ذلك خداع غشاش يبتز أموال الناس بالحيل ويأكلها بالباطل. ومن الدجل بالعمامة الخضراء أيضاً ما يفعله رجل من أقصى الصعيد، فلقد خطب بنتاً شريفة بالقاهرة مدّعياً أنه شريف، فلما رأوا على رأسه علامة الشرف صدّقوه، ثم لم يكد يعقد عليها حتى علم أبوها من أحد أقاربه أنهم بالصراحة ليسوا من الإشراف…”(7).
المراجع: (1): انظر فيما يخص مكانة “السادة” في المجتمع العراقي كتاب المؤلف علي الوردي “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي” – الفصل التاسع.
(2) حسن النجار (الأشراف) – القاهرة 1938 – ص30 – 31.
(3) انظر في هذا الموضوع كتاب “الإسلام الصحيح” لمحمد إسعاف النشاشيبي. وانظر في الرد عليه كتاب “الإيمان الصحيح” لمحمد الكاظمي القزويني.
(4) تقي الدين المقريزي (كتاب السلوك) – القاهرة 1970 – ج3 – ق1 – ص199.
(5) Encyclopaedia of Islama. Art Sherif.
(6) آدم متز (الحضارة الإسلامية) ترجمة أبو ريدة – بيروت 1967 – ج1، ص290.
(7) حسن النجار (المصدر السابق) – ص47 – 48.