“من حوض المتوسط إلى الحديدة”معركة واشنطن التالية للبحث عن انتصار
المساء برس – أصداء – المحلل الجيوسياسي ناصر قنديل/
– تبدو الثنائية التي تفرضها الحقائق والوقائع وموازين القوى، قائمة على استبعاد أيّ حماقة أميركية سعودية «إسرائيلية» بحرب كبرى، من جهة ومن جهة مقابلة، على حاجة هذا الحلف الذي يخسر مواقعه تباعاً، إلى حرب عليه أن يحسن اختيار مكانها وظروفها، وحساباتها، بحيث تضمن عدم الانزلاق إلى الحرب الكبرى الممنوعة من جهة، وتضمن تعديلاً ذا قيمة في موازين القوى الراجحة بقوة لحساب محور المقاومة بحكوماته وقواه وحليفه الروسي، بنتائج المعارك السابقة كلها.
– وضعت على الطاولة للبحث عن جواب لهذه المعادلة المعقدة، الفرضيات كلّها، من اختبار كردستان ودعم الانفصال فيها، بإغراءاتها كلها، والبوكمال بكلّ ما تعنيه، وفرضية حرب محدودة في جنوب سورية او جنوب لبنان، وكلها بدا أنها طريق مختصر للمواجهة الشاملة، فالإصرار على خط أحمر أميركي يمنع تلاقي الجيشين السوري والعراقي وقوى المقاومة في البوكمال يعني دخول حرب مع سورية وإيران وحزب الله والحشد الشعبي في العراق، ومن ورائهم روسيا، والوقوف بحزم لحماية مشروع الانفصال في كردستان العراق بدا طريقاً نهايته القريبة حرب مفتوحة مع إيران والعراق وتركيا على الأقلّ، والحرب في جنوب سورية أو جنوب لبنان ستضع «إسرائيل» تحت ضغط آلاف الصواريخ من لبنان وسورية وإيران.
– الحروب لا يقرّرها الصغار ولا يرسم دوائرها الهواة، خصوصاً الذين خاضوا مغامرت ومقامرات خاسرة كحرب اليمن، خصوصاً في لحظة دقيقة لا تحتمل الأخطاء القاتلة. وكلّ الأخطاء يمكن أن تكون قاتلة، ولذلك يؤدّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لعبة كلّ منهم بأسلوبه، لكن ضمن ضوابط وهوامش يرسم حدودها صنّاع القرار الأميركي من رجال الجيش والمخابرات، الذين يجيدون دراسة الخرائط ورسم الخطط، وتحديد التكتيكات والضوابط، وفتح وإغلاق الهوامش.
– يتعامل الأميركيون، ومثلهم اللاعبون الجديون كلّهم على رقعة جغرافية تشهد حروباً متصلة، تمتدّ من روسيا شمالاً إلى الخليج جنوباً، ومن إيران شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، وتضمّ لاعبين كباراً مثل إيران وروسيا وتركيا والسعودية و«إسرائيل»، باعتبارها تعديلاً لمفهوم الإقليم التقليدي المتعارف على تسميته بالشرق الأوسط، وينطلق الجميع من دون إقرار علني بذلك، من كون منطقة البحار الخمسة التي تحدث عنها الرئيس السوري كمدى حيوي للسياسات والاستراتيجيات قبل عشر سنوات، هي الإطار الإقليمي الجديد، لقلب العالم الجديد، كبديل لما عُرف بقلب العالم القديم، ويضمّ المشرق العربي وشمال أفريقيا، كتوصيف لمعنى الشرق الأوسط، الواقع في قلب كتل إقليمية كبرى هي تركيا وإيران والخليج. حاول الأميركيون تعديله بتسمية الشرق الأوسط الكبير بإضافة هذه الكتل إليه، ففاجأهم الدخول الروسي لقلب الصراع والتحوّل إلى لاعب إقليمي فيه.
– على خرائط المحللين والمخططين، تبدو المجالات الحيوية للبحار الخمسة كما يلي، في بحر قزوين، حيث اللاعبان الكبيران روسيا وإيران، حسم الصراع لصالحهما، مع انضواء الدول المشاطئة للبحر تحت مظلة روسية إيرانية، كازاخستان التي تستضيف في عاصمتها أستانة حوارات الحلّ في سورية بقيادة روسيا، ومثلها أذربيجان التي شارك رئيسها في قمة ثلاثية قبل أيام مع الرئيسين الروسي والإيراني في طهران للإعلان عن شبكة تعاون استراتيجية مع روسيا وإيران، في البحر الأسود حيث الصراع التقليدي بين قطبي البحر واستخداماته، روسيا وتركيا، شكلت الحرب السورية ساحة إنضاج لموقع تركيا وقراءاتها لمفهوم مصالحها وتحالفاتها وأمنها القومي، بصورة جعلتها جزءاً من منظومة روسية إيرانية على المستوى الإقليمي رغم وجودها دولياً في حلف الأطلسي، في البحر المتوسط لا مكان لحروب صغيرة فهو البحيرة الدولية التي يتواجد فيها اللاعبون الكبار وجهاً لوجه، وفي الخليج حيث الوجود الأميركي الإيراني وجهاً لوجه أيضاً لا تجوز المخاطرة، ليصير البحر الأحمر ساحة الحرب الوحيدة المتاحة، ضمن ضوابط تفادي الحرب الكبرى، والسعي لتعديل التوازنات في آن واحد.
– الصين على البحر الأحمر في جيبوتي، وإيران على البحر الأحمر في اريتريا، كما يقول الأميركيون والسعوديون و«الإسرائيليون»، والسعودية ومصر و«إسرائيل» على البحر الأحمر، مباشرة، لكن اليمن ومصر وحدهما يمسكان كلّ من جهة بعنق البحر الأحمر، فحسم السيطرة الأميركية على عنقَيْ البحر الأحمر الشمالي والجنوبي، يحققه فرض الوجود السعودي شمالاً على سواحل اليمن، لأنه يتيح منع تحوّل الوجود المصري جنوباً إلى دور حيادي تسووي، أما بقاء الساحل اليمني يميناً خصوصاً في ميناء الحديدة، فيبقي الدور المصري مصرياً، ويمنع ترصيده في المعادلات الدولية الإقليمية وحسابات توازناتها، خصوصاً أنّ معركة باب المندب لا تحسم إلا بالسيطرة على الحديدة.
– الحرب إذن هي حرب الحديدة، والمعادلة هي، في لبنان ربط قبول تغطية سعودية لتسوية تعترف بانتصارات حزب الله في سورية، بقبول إيران بتسوية في اليمن تعترف بانتصارات السعودية بعد حسم الحديدة، وتصير استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بقرار سعودي استباقاً رادعاً، لحماية مشروع تسوية افتراضية ما بعد حرب الحديدة. وفي الميدان، تصعيد استباقي سعودي بوجه إيران، لردع افتراضي لأيّ دخول إيراني على خط حرب الحديدة، والبداية إعلان إغلاق المياه الإقليمية اليمنية، وربط الصواريخ التي تستهدف السعودية من اليمن بدور إيراني، وجعل ميناء الحديدة عنواناً للربط.
– حرب الحديدة هي الحرب المحدودة والمحسوبة، منعاً لحرب كبرى يعرف الأميركي و«الإسرائيلي»، أن لا قدرة على التورّط فيها، فإنْ فاز بها السعودي صارت كسباً للحلف كله، وإنْ لم يفز يحمل نتائج الهزيمة وحده، وقد نال تعويضه مالاً كثيراً سلفاً بتغطية حملته على أبناء عمومته و«تشليحهم ثرواتهم في ليلة لا ضوء قمر فيها».
– يقول اليمنيون إنهم لا يحتاجون تدخّلاً إيرانياً لحماية قدراتهم في الحديدة، وإنّ وابل صواريخهم على العمق السعودي إذا اندلعت حرب الحديدة سيتكفل بردع السعوديين عن مواصلة اللعب بالنار.
– يقول الجميع إنّ نهاية العام، موعد نهاية الحروب، وانطلاق عام التسويات، فلذلك تذهب سورية لحرب استرداد الرقة وإدلب ومعها إيران وروسيا، ولو تصادمت مع الأميركيين والأتراك، وترسل أميركا و«إسرائيل» السعودية لاحتلال الحديدة شرط عدم التصادم مع إيران.
– بعد رسم وحسم توازنات البحر الأحمر تتحدّد معادلة الخليج، ويستضيف البحر المتوسط قمم التسويات الكبرى، في منطقة البحار الخمسة.