ما علاقة اليمن باللعبة القذرة ضد لبنان وماذا وراء حوض المتوسط

المساء برس – تقرير خاص – يحيى محمد/ حين قال المحلل السياسي ناصر قنديل أنه يستبعد قيام حرب أمريكية إسرائيلية على حزب الله كان محقاً، فالحرب لو قامت مثلاً سيكون أول ضحاياها الكيان الصهيوني (إسرائيل).. وهذه الأخيرة خسرت آخر حرب خاضتها ضد المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في 2006م رغم أن إمكانيات حزب الله العسكرية كانت بدائية وبسيطة آنذاك، فما بالنا بنتائج هذه الحرب على إسرائيل بعد أن أصبحت المقاومة تملك قوة عسكرية لا تستطيع إسرائيل الصمود أمامها، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن أي حرب ضد حزب الله “المقاومة اللبنانية” لن تكون سوريا بعيدة عنها وسيكون من الواجب عليها المشاركة والوقوف إلى جانب المقاومة.

إذاً لماذا هذا الهجوم ضد حزب الله؟

الإجابة على السؤال السابق تكمن في انتصار سوريا على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضدها بشكل غير مباشر مستخدمة عنوان “الثورة السورية” والتي كانت قطر “للأسف” وإلى جانبها تركيا أداة من أدوات هذه الحرب، السعودية أيضاً كانت أداة من هذه الأدوات فهي أرسلت الجماعات الإرهابية إلى سوريا للقتال ضد النظام، لكن السعودية كان لها هدف آخر وهدف ثانوي، بعيد عن الهدف الرئيسي لكل من قطر وتركيا.

قطر وتركيا وقفتا ضد النظام السوري بكل قوة وهما من أشعلا الحرب في سوريا، وكان الهدف إسقاط النظام أو بالأحرى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، الذي رفض عرضاً قطرياً تركياً بمد أنابيب الغاز القطري عبر سوريا ومنها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، بينما السعودية وقفت ضد النظام السوري لأنها تابعة فقط لأمريكا وكل ما قالته السياسة الأمريكية تنفذه السعودية دون نقاش وكانت مهمتها فقط إذكاء الصراع الطائفي في سوريا وإرسال المقاتلين الإرهابيين وتقديم الأموال لهم، وحتى لو كانت انتهت الحرب بسقوط النظام السوري فلن تستفيد السعودية من ذلك أي شيء، وكانتا قطر وتركيا هما المستفيدتان من سقوط النظام السوري لأن مشروع مد أنابيب الغاز القطري سيتحقق، وفي الحقيقة هذا المشروع ليس قطرياً، بل هو مشروع أمريكي وإسرائيلي بامتياز.

ما هو المشروع الأمريكي؟

قبل الإجابة على السؤال السابق يجب إدراك عدة حقائق حتى يسهل على القارئ فهم اللعبة التي تقودها أمريكا في المنطقة:

أولاً: الغاز هو عصب الحياة، وحين نتحدث عن الغاز فإننا لا نقصد الغاز المنزلي الذي يستخدم للطبخ، نحن نقصد الغاز الطبيعي المسال الذي بإمكانه تشغيل المصانع العملاقة.

ثانياً: الغاز هو الطاقة البديلة الناشئة في عصرنا الحالي وهو البديل للنفط ومشتقاته الذي يستخدم حالياً لتشغيل المصانع العملاقة، وبما أن النفط بدأ ينضب، فإن البديل في المستقبل القريب سيكون الغاز، وهو موجود بكميات هائلة تكفي لعشرات السنين مستقبلاً.

ثالثاً: الغاز أيضاً هو مصدر الطاقة النظيفة إذ مع وجود الاحتباس الحراري الذي يهدد العالم اليوم بذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي بسبب استخدام العالم كله للنفط كمصدر للطاقة، بينما الغاز لا ينتج عوادم تضر بالبيئة وتؤثر عليها.

رابعاً: وفقاً لما تم اكتشافه حتى وقت قريب، يتركز وجود الغاز في أربعة أماكن رئيسية في العالم كله هي: (أولاً: روسيا وتحتوي على أكبر مخزون غاز في العالم، ثانياً: إيران، ثالثاً: قطر، رابعاً: أذربيجان) بالترتيب.

خامساً: روسيا قبل سنوات كثيرة بدأت باستغلال ثروتها من الغاز وبيعه لأوروبا، وأوروبا هي أكبر مستهلك في العالم للغاز لأن فيها تركز سكاني كبير وأكثر التجمعات الصناعية موجودة في دول أوروبا.

سادساً:
دول أوروبا هي حليف للولايات المتحدة، لكنها لا تستطيع أن تعادي روسيا أو تحاربها أو تتخذ ضدها موقفاً في مجلس الأمن مثلاً، لأن روسيا تبيع لها الغاز وبإمكانها قطعه في أي وقت في حال أعلنت أي دولة أوروبية العداء لروسيا، وبالتالي فدول أوروبا من وجهة نظر أمريكا “تحت رحمة روسيا والغاز الروسي”.

سابعاً: الولايات المتحدة تسعى لإضعاف روسيا بأي حال من الأحوال ولا تريدها أن تصبح دولة قوية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، تريد أمريكا أن تبقى دول أوروبا بأكملها تابعة وخاضعة لها ولا تريد أن يكون بين أوروبا وروسيا أي علاقات ولا أي تبادل تجاري، حتى تصبح روسيا ضعيفة.

بعد أن سردنا هذه الحقائق كلها نأتي إلى سؤالنا السابق والإجابة عليه “ما هو المشروع الأمريكي؟”..

حتى تضمن الولايات المتحدة خروج أوروبا من عباءة روسيا، كما تعتقد، لا بد لدول أوروبا أن تتخلى عن الغاز الروسي، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا استطاعت الولايات المتحدة توفير مصدر طاقة بديل للغاز الروسي، وهنا يأتي دور “الغاز القطري”.

قطر حليفة للولايات المتحدة وفيها ثالث احتياطي غاز في العالم، وإيران فيها ثاني احتياطي غاز في العالم لكنها عدو للهيمنة الأمريكية وحليف لروسيا، فلا يمكن أن تشترك في مؤامرة أمريكية ضد حليفتها روسيا حتى وإن كان في ذلك مصلحتها من بيع الغاز الإيراني لأوروبا، إذن.. الحل في الغاز القطري.

سبق وأن أشرنا أعلاه أن قطر وتركيا عرضتا على الرئيس السوري بشار الأسد مد أنابيب غاز من قطر إلى تركيا مروراً بسوريا، وكان هذا في قمة ثلاثية عقدت في دمشق عام 2009م، سوريا لم توافق على مد الأنابيب لأنها تدرك أن هذا المشروع هو استهداف مباشر لروسيا وهذه الأخيرة هي حليف استراتيجي لسوريا لا يمكن التفريط به أو التآمر ضده إرضاءً للغطرسة الأمريكية.

إيران أيضاً لديها غاز وتريد أن تبيعه وتستفيد منه، ولهذا في أواخر العام 2010 وبداية 2011م تم الاتفاق بين سوريا وإيران والعراق برعاية روسية على مد أنابيب للغاز الإيراني وبيعه إلى أوروبا، لكن لماذا قبلت سوريا بمد أنابيب غاز إيران ولم تقبل بغاز قطر؟ الإجابة هي أن إيران وروسيا حلفاء ويمكن بشيء من التفاهم فيما بينهما تحديد كمية الغاز الذي تبيعه إيران لأوروبا حتى لا تتأثر روسيا، لكن بالنسبة للغاز القطري فالقرار في حقيقة الأمر ليس مملوكاً لقطر بل هو قرار أمريكي بحت، وبعد أن تم الاتفاق على مد أنابيب غاز إيران، بعد ذلك بشهر واحد فقط اندلعت الحرب في سوريا تحت عنوان “الثورة السورية وإسقاط نظام الأسد”، إضافة إلى اندلاع الحرب السورية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البنوك التي ستشارك في تمويل مشروع أنابيب الغاز الإيراني، وبالفعل استطاعت إيقاف المشروع لفترة مؤقتة استمرت من العام 2011 حتى 2014.

في العام 2014م بدأ النظام السوري يستعيد عافيته شيئاً فشيئاً وبدأت روسيا تدخل تدريجياً على خط الأزمة السورية، فوجدت الولايات المتحدة ومعها إسرائيل أن الأسد سينتصر في الحرب وسيهزم الجماعات المسلحة المدعومة من قطر وتركيا والسعودية وأمريكا، وإن حدث ذلك فسيعود مشروع أنابيب الغاز الإيراني من جديد، وهنا تحديداً ظهر ما يعرف بتنظيم الولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.

إذا تأملنا قليلاً في الخريطة سنجد أن هذا التنظيم الذي أنشئ بتخطيط ورعاية وتمويل أمريكي وإسرائيلي مباشرة سنجد أنه نشأ في مناطق شمال العراق وشمال سوريا وهي المناطق التي كان من المفترض أن يمتد منها أنبوب الغاز الإيراني، ولم يكن هذا هو السبب الوحيد لإنشاء داعش، فقد رأت الولايات المتحدة أن ذلك سيكون مبرراً لخلق تواجد أمريكي عسكري في المنطقة بذريعة محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.

لم تتوقع الولايات المتحدة أن رئيس الورزراء العراقي حيدر العبادي سيتمرد عليها، فرفض الخضوع للهيمنة الأمريكية، كما أنه لم يسعَ للارتماء في أحضان إيران وحاول الحفاظ على علاقات جيدة معها، كما عمل على الحفاظ على استقلالية القرار العراقي من التدخلات الأمريكية، وقاد حرباً حقيقية ضد تنظيم الدولة مستعيناً بقوات الحشد الشعبي “مقاتلين محليين يساندون الجيش العراقي”، وروسيا أيضاً دخلت في التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة لمحاربة داعش، لكن روسيا كانت بالفعل تحارب داعش للقضاء عليه، بينما الولايات المتحدة كانت تدعم سرياً داعش وفي الظاهر تحاربه، وقد لفتنا سابقاً أن أمريكا أنشأت داعش كمبرر للتواجد الأمريكي في المنطقة وكعائق أمام تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الإيراني.

2017م هذا العام بدأت الولايات المتحدة تشعر بأنها لم تستطع تحقيق مخططها، فالعراق ليس بيدها وقد اتخذ قراره بالقضاء على داعش، سوريا أيضاً تحارب داعش إلى جانب الدعم الروسي، وداعش اليوم أصبح في حكم الماضي ولم يعد له وجود.

الولايات المتحدة وإسرائيل تتجه إلى الخطة (ب)

في الأعوام القليلة الماضية كشفت الدراسات عن وجود كميات هائلة من الغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً شرق المتوسط وتحديداً أكثر في المياه الإقليمية وحولها التابعة لكل من لبنان وفلسطين وسوريا.

فلسطين محتلة من قبل الكيان الصهيوني، “إسرائيل” عينها على الغاز الموجود في حوض شرق المتوسط بالكامل بما فيه حصة لبنان التي من المتوقع أن تكون هي الحصة الأكبر، والولايات المتحدة تريد أن يكون هذا الغاز هو البديل للغاز القطري الذي عجزت عن مد أنبوبه عبر سوريا، والعقبة الكبرى أمام هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يسعى لنهب ثروة الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والشعب السوري أيضاً هو “حزب الله”، ولهذا نشهد هذه الأيام وبعد فشل مشروع داعش وقبله مشروع إسقاط سوريا، نشهد وجود هجمة أمريكية إسرائيلية سعودية إماراتية على حزب الله.

ما هي المؤامرة اليوم ضد حزب الله دون اندلاع حرب تتضرر فيها إسرائيل؟

باختصار يمكن القول وفقاً للمعطيات الواضحة للعيان على أرض الواقع، أن العمل اليوم هو على عزل “حزب الله” عن لبنان وليس محاربته عسكرياً، بمعنى، إسقاط شرعية حزب الله عند اللبنانيين وجعل لبنان كدولة وكشعب في جهة وحزب الله في جهة أخرى، أي لا علاقة له بلبنان وسياسة لبنان وقرارات لبنان وتحالفات لبنان، وعزله مجتمعياً، ولهذا نلاحظ محاولة السعودية وضع الشعب اللبناني أمام خيارين إما مع خيار “السلم والسلام” حد زعمها، أو مع خيار حزب الله، وهذه سياسة تخويف ضد الشعب اللبناني، تهدف للتمهيد لإنشاء حكومة لبنانية جديدة لا يشارك فيها حزب الله وخاضعة للهيمنة والقرار الأمريكي، حتى لا تتمكن من الاستفادة من ثروتها الغازية الموجودة في البحر، وحتى تتمكن إسرائيل من الاستحواذ منفردة بغاز شرق المتوسط.

ما علاقة اليمن بكل ما يحدث؟

اليمن دولة من الدول التي أعلنت تمردها على الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، هذا التمرد جعل اليمن في صف الدول المناهضة لأمريكا ومشاريعها في المنطقة.

إيران واحدة من هذه الدول إلى جانبها سوريا ولبنان واليوم أصبحت العراق أيضاً ضمن هذا الحلف، وفيما يبدو فإن قطر في طريقها إلى هذا الحلف أيضاً لأن قطر حاولت الاحتفاظ بشيء من الاستقلالية والقرار السيادي، ولهذا فرضت السعودية والإمارات عليها حصاراً وتتهمها بالإرهاب، وكانت على وشك تنفيذ عمل عسكري ضدها.

اليوم كل من يقف ضد الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط يصبح “وفقاً للحسابات الأمريكية” حليفاً لإيران، وبما أن دول التحالف الذي تقوده السعودية تخوض حرباً ضد “المتمردين الحوثيين” حسب زعمها، والموالين لإيران “وفقاً للرغبات الأمريكية”، فإن استغلال هذه الظروف سيكون مجدياً لزيادة التحشيد ضد حزب الله، كيف؟.. يتم إلصاق التهم ضد “أنصار الله” أنهم يتبعون حزب الله، أو أن حزب الله يخوض حرباً ضد السعودية عن طريق اليمن، بمعنى أن السعودية اليوم تستخدم عنوان “المتمردين الحوثيين التابعين لحزب الله” كمبرر لاتهام المقاومة اللبنانية أنها تحارب السعودية وبالتالي خلق مبررات من العدم تجيز للسعودية اتخاذ إجراءات ضد حزب الله وضد كل من يقف إلى جانب حزب الله حتى ولو كان الشعب اللبناني بكامله.

وللتأكيد على ما سبق في الفقرة الأخيرة، يمكن الرجوع إلى تصريحات وزير الخارجية السعودية عادل الجبير والتي قال فيها صراحة أن حزب الله أطلق صاروخاً باليستياً إيراني الصنع على العاصمة الرياض من داخل الأراضي اليمنية

قد يعجبك ايضا