كيف ولماذا يريدون الوصول إلى مأرب
المساء برس – وما يسطرون – يحيى محمد/
لم يكن العرض العسكري الذي أقيم في سبتمبر الماضي في محافظة مأرب تزامناً مع ذكرى ثورة 26 سبتمبر، لم يكن احتفالاً من الحكومة الموالية للرياض بهذه المناسبة بل كان رسالة عسكرية وسياسية والمقصود بها الإمارات وتحركاتها الأخيرة في مأرب.
ولم تكتفِ أبوظبي بالسيطرة على عدن وحضرموت وشبوة وباقي المحافظات الجنوبية فكل هذا أتى على هامش ما تسعى إليه “إسبارطة الصغيرة” كما يسميها البعض من تحقيق هدفها الرئيسي الذي من أجله خاضت الحرب مع السعودية ضد اليمن، إنها مأرب موطن ثاني أكبر حوض غازي في الشرق الأوسط.
تمثل السيطرة على منابع الغاز المسال في مأرب بالنسبة للإمارات أهمية كبرى واستراتيجية خاصة بعد أزمتها مع قطر التي تشتري منها الغاز المسال بنسبة 25% مما تحتاجه الإمارات من هذه المادة، ولهذا ولضرورة استمرار قطع العلاقات مع قطر نهائياً وضربها اقتصادياً فإن البديل الوحيد لغاز قطر هو غاز مأرب الذي سيكون بالنسبة للإمارات أقل كلفة من ذلك الذي تشتريه من قطر.
لتحقيق هذا الهدف سعت الإمارات في مأرب مؤخراً إلى تأسيس قوات عسكرية خاضعة لها ومشابهة لتلك التي شكلتها في حضرموت وشبوة “قوات النخبة” واليوم هاهي بصدد تأسيس قوات “النخبة المأربية”.
ووفقاً للمعلومات الواردة من مصادر قبلية في مأرب فإن تحركات إماراتية تجري حالياً لاستقطاب المئات من الشباب استعداداً لتجنيدهم كقوات نخبة موالية لها في مأرب، وهذا ما كشفته اللقاءات المكثفة للضباط الإماراتيين في محافظة مأرب والذين يتخذون من معسكر تداوين مقراً لهم، حيث التقوا بمشائخ ووجهاء قبائل مأرب على مدى الفترة الماضية تمهيداً وتأسيساً لإنشاء قوات نخبة مأربية كبيرة جداً يمكنها أن تواجه أي قوات عسكرية موالية لحزب الإصلاح في مأرب في حال وقفت الأخيرة في وجه مخطط الإمارات، الرامي للاستيلاء على غاز مأرب.
الحقيقة الثابتة والتي وردت على لسان ضابط يمني رفيع في مطار الريان بالمكلا تؤكد أنه لم يتبقَ للإمارات سوى السيطرة على قطاع صافر وقطاع 18 النفطي حتى تتمكن من الاستيلاء على الغاز اليمني، خاصة بعد أن تمكنت من إنجاز 50% من هذا المشروع عبر سيطرتها على ميناء بلحاف أكبر الموانئ اليمنية والذي يستخدم لتصدير الغاز المسال القادم من آبار مأرب التي تحتوي على ما يقارب (18.6) تريليون قدم مكعب.
وتفيد المعلومات أيضاً أن الإمارات حاولت الاتفاق مع شركات أجنبية تستثمر في الغاز المسال في مأرب لبيع حصتها لأبوظبي حتى وإن كانت هذه الحصة تقدر بـ10%، فالمهم بالنسبة لها هو إيجاد المدخل الذي من خلاله تستطيع السحب الغاز المسال.
وفي وقت لاحق وصلت معلومات مهمة جداً، ومن حضرموت أيضاً، تفيد بأنه جرى التوقيع على صفقة إعادة بيع الغاز اليمني مع شركة توتال الفرنسية بنفس السعر القديم الذي كان يبيعه نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل العام 2011م، غير أن المثير للجدل هو أن التوقيع على هذه الصفقة تم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهذا يعني أن الإمارات ستكون في موضع من هذين الموضعين “إما أنها البائع للغاز اليمني بحكم أنها المسيطرة فعلياً على الجنوب، أو أنها المشتري لهذا الغاز” وفي كلا الحالتين فإن ذلك يفسر سعي الإمارات الحثيث والذي تصاعد مؤخراً للسيطرة على مأرب “منبع الغاز”.
وتحاول الإمارات استغلال عدم قبول الإصلاح مجتمعياً في محافظة مأرب خاصة وأن الحزب سيطر على المحافظة بالقوة ويستغل ثرواتها من النفط والغاز لصالحه باسم الدولة دون أن يُشرك أبناء المحافظة صاحبة الثروة الحقيقية، ولهذا يرى مراقبون تحدثوا لـ”المساء برس” أن المدخل الذي استغلته الإمارات لتحقيق أهدافها هو عن طريق القبائل، تماماً كما حدث مع قبائل شبوة التي من خلالها استطاعت الإمارات السيطرة على أنابيب الغاز الممتدة من مأرب إلى بلحاف.
في هذا الصدد بلغنا من شخصيات قبلية في مأرب أن قبائل الجدعان ومراد ومعظم قبائل عبيدة وجدت نفسها في مواجهة مع حزب الإصلاح الذي يتخذ من القوات العسكرية والأمنية المتواجدة في مأرب والمشكلة من عناصر الإصلاح، قوة ردع لكل من يتمرد على الحزب من هذه القبائل.
في نوفبمر 2015م تحركت الإمارات لتأسيس النخبة المأربية، وكانت أول خطوة أن حضر محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي إلى مأرب والتقى العشرات من مشائخها وقيادات السلطة المحلية في نفس الشهر وطرح عليهم موضوع تأسيس قوات محلية تابعة لمحافظة مأرب من أبناء المحافظة نفسها ولا يديرها إلا أبناء مأرب للحفاظ على الأمن، تماماً كما فعل المندوب الإماراتي في كل من حضرموت وشبوة وعدن.
ووفقاً لنفس المصادر القبلية السابقة فإن القبائل لم تقبل بهذا العرض ولم ترفضه وحاولت مهادنة الإمارات لمعرفة ما في جعبة السعودية من عروض مقابل رفض التحالف مع الإمارات، فعملت السعودية على دعم هذه القبائل بالمال والسلاح مستخدمة في ذلك رجلها الأول اللواء علي محسن الأحمر الذي يلتقي بين الحين والآخر بمشائخ مأرب ووجهائها كلما حاولت الإمارات التحرك، ورغم ذلك لم يجدِ هذا الأمر نفعاً، فسرعان ما أعادت هذه القبائل التواصل مع الإماراتيين بهدف ابتزاز السعودية أكثر.
إزاء هذه التطورات سعت الإمارات إلى اختراق هذه القبائل تدريجياً ونجحت في هذا الاختراق عبر صنع مشائخ جدد ودعمهم بالمال والسلاح والسيارات والمرافقين، غير أن قبيلة واحدة هي من وقفت عائقاً أمام الإمارات وبدت هذه القبيلة أكثر غموضاً في مواقفها، إنها “عبيدة” القبيلة التي ينتمي إليها الشيخ محسن بن معيلي الذي يتولى نجله “ذياب” منصب وزير النفط في حكومة الإنقاذ التابعة لسلطات صنعاء، وبالإضافة إلى بن معيلي هناك مشائخ آخرين يرفضون استنساخ المشروع الإماراتي في الجنوب وتطبيقه في محافظة مأرب، منهم “الشيخ حمد بن جلال والشيخ جابر الشبواني والشيخ ناصر بن عوشان”.
وبالنسبة لمن استطاعت الإمارات اختراقهم من مشائخ مأرب فقد ساهم أحد هؤلاء المشائخ والمنتمي لحزب الإصلاح في خدمة المشروع الإماراتي، بل إنه أصبح من أبرز المشائخ الموالين للإمارات، وعبر الضباط الإماراتيين المتواجدين في معسكر تداوين تمكنت الإمارات من تطويع الشيخ علي غريب الشبواني، أحد المشائخ المنتمين للإصلاح، لصالحها وتحويله لخدمة مشروعها وتأسيس قوات النخبة المأربية.
من صفحة الكاتب على الفيس بوك