ما لم يُكشف من قبل: شبكة “صالح” المالية وعلاقتها بقرارات “الصماد” والخلافات2

المساء برس – تقرير خاص – الجزء الثاني/ في الجزء الأول من هذا التقرير والذي نشرناه يوم أمس تحدثنا عن الظروف التي أحاطت بتحالف مكوني أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام والتي ظلت إلى وقت قريب من المعلومات الممنوعة من النشر في وسائل الإعلام نظراً لحساسيتها وكانت هذه الظروف هي من هيأت لظهور الصراع بين الحليفين إلى العلن بعد أن وصل مكون أنصار الله مع صالح وحزبه إلى طريق مسدود، وعجزهم عن تنفيذ الإصلاحات الإدارية والقضائية والاقتصادية ومكافحة الفساد التي أعلنوا عنها في العديد من الخطابات والبيانات المعلنة.

ونظراً لطول الحديث عن خفايا الصراع الناشئ بين المكونين والذي مثلت فيه القرارات التي اتخذها المجلس السياسي يوم أمس نقطة بارزة فيه فقد كان لزاماً قصر الجزء الأول من هذا التقرير على الجزء المتعلق بالقضاء وما اتخذ بشأنه من قرارات ولماذا يخشى المؤتمر ورئيسة صالح من إجراء أي تغييرات تمس الجهاز القضائي.

في هذا الجزء الثاني نسرد، وفقاً لما لدى “المساء برس” من معلومات، علاقة القرارات التي اتخذها صالح الصماد رئيس “السياسي الأعلى” في الجانب الاقتصادي بالصراع غير المعلن بين صالح و”أنصار الله” ولماذا كانت قرارات السبت كلها في القطاع الاقتصادي.

من الجدير بالذكر أن جزءاً كبيراً من الصراع بين مكوني سلطة صنعاء يتعلق بالجانب الاقتصادي والخطوات التي تسعى جماعة الحوثي لتنفيذها يقابلها “سعي حثيث”، وفقاً لتعليق قيادي في أنصار الله، من قبل المؤتمر لإيقاف هذه الخطوات والإصلاحات التي إن تمت ستغير من موازين الاقتصاد المعيشي وتخفف عن المواطن كاهل العبء الاقتصادي والمعيشي الذي يستخدمه التحالف كورقة وسلاح إلى جانب السلاح العسكري.

ومن الملاحظ أن القرارات ليوم أمس الأول كانت في مجال الاقتصاد فوكلاء المالية المعينين من قبل الجماعة تم تعيينهم في قطاعي “التنظيم وحساب الحكومة، وأيضاً الوحدات الاقتصادية” وحتى تعيين الجماعة لـ”عبدالله يحيى الضاعني” كوكيل للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة كان في قطاع “الرقابة على وحدات القطاع الاقتصادي”، فلماذا يركز أنصار الله على القطاع الاقتصادي.

وفقاً للمعلومات المتوفرة لدى “المساء برس” والتي تم الحصول عليها من مصادر في اللجنة الاقتصادية التي تم تشكيلها في مجلس الوزراء بعد تشكيل حكومة الإنقاذ، فقد كان لجماعة أنصار الله برنامجاً في تصريف إيرادات الوحدات الاقتصادية، رغم شحتها، في الأبواب المالية الأكثر أهمية والتي من الممكن أن تخفف من الوضع شبه المنهار للاقتصاد الداخلي الذي تسبب به الحصار الاقتصادي ونقل البنك المركزي، بالإضافة إلى ذلك كان لدى الجماعة برنامجاً اقتصادياً مبدئياً متمثلاً باتخاذ بمجموعة من الخطوات الجديدة لتعزيز الوضع الاقتصادي وتحسين الوضع المعيشي ومواجهة ما خلقه الحصار المفروض على اليمن من قبل التحالف.

اصطدم هذا البرنامج واصطدم منفذوه في أنصار الله بما يمكن تسميته بـ”الدولة العميقة” التي كانت ولا تزال موجودة حتى الآن وتتحكم بالكثير من الجوانب الاقتصادية التي تسببت وكانت مساهمة بشكل كبير في مضاعفة معاناة الشعب اليمني جراء الحصار الاقتصادي المفروض على اليمن.

وقد تزامن هذا الوضع مع بقاء معظم القيادات في الهيئات والمؤسسات الإدارية التي تدين بالولاء لنظام الرئيس الأسبق “صالح” في مناصبها، وبناءً على المعلومات المتوافرة فقد كانت هذه القيادات عائقاً أمام توجهات جماعة أنصار الله في المجال الاقتصادي، وخلقت لذلك ذرائع وتبريرات منها على سبيل المثال “الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها اليمن مع المؤسسات المالية الدولية والاتفاقيات الدولية التي اشتركت اليمن في التوقيع عليها” وقد استخدم هذا التبرير كثيراً حتى لا يتم تنفيذ برنامج الحركة الاقتصادي.

أدرك رئيس المؤتمر “علي عبدالله صالح” باكراً، أن الإجراءات الاقتصادية التي يسعى شركاؤه لتنفيذها، سوف تتسبب بشكل أو بآخر إلى القضاء أو تقليص الإمبراطورية المالية والشبكة السرية لتدفق الأموال لصالح وللنافذين المقربين منه.

ويقول مصدر اقتصادي في رئاسة الوزراء لـ”المساء برس” إن “صالح” لا يزال يمسك بشبكة مالية مخفية تسمح بتدفق الأموال العامة له ولحزبه عبر أبواب لم تكن مكشوفة لدى أنصار الله لأنها كانت تحت عناوين تبدو من خارجها على أنها قانونية ولا يوجد فيها أي شبهة فساد مالي، لكن التدقيق في الأرقام والاطلاع على كشوفات الأسماء التي تستفيد من هذه الأموال بالإضافة إلى كشوفات الأسماء الوهمية وانتهاء بإلقاء نظرة على الحسابات البنكية التي تودع فيها هذه الأموال قاد جماعة الحوثي إلى كشف النقاب عن هذه الشبكة ومعرفة بعض دهاليزها”.

ومن هنا يتبين لماذا ركزت “أنصار الله” على جانبي القضاء والاقتصاد في التغييرات الإدارية، فللقضاء على هذه الشبكة لا بد من وجود أدوات قانونية وفي اليمن هناك أداتان لتنفيذ هذا الإجراء “الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والقضاء”، ولهذا شملت القرارات تغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي بيده أهم صلاحيات وزير العدل التي جرى نقلها بقرار جمهوري أثناء حكم الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، بالإضافة إلى شمول القرارات، تعيين وكيل للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتحديداً في الجانب الاقتصادي “وكيلاً لقطاع الرقابة على وحدات القطاع الاقتصادي”.

بقي أن نذكر بأن هذه الإجراءات التي اتخذت أتت ضمن النقاط الـ(12) التي أعلن عنها زعيم جماعة أنصار الله عبدالملك الحوثي في أحد خطاباته بعد أن وصلت درجة الصدام مع المؤتمر حداً لم يعد بعده السكوت والحديث بلغة الرموز مجدياً، خاصة وأن الإعلام التابع لحزب المؤتمر كان قد بدأ بشن هجوم ضد أنصار الله من باب توجيه الضربات الاستباقية قبل أن تقدم الحركة على أي فعل مضاد.

بالتزامن مع ذلك حاول صالح، مستخدماً أدواته التي لازالت تدير العديد من المنشئات الاقتصادية وغير الاقتصادية، حاول قدر المستطاع أن يعيق إقدام أنصار الله لتنفيذ أي برامج أو توجهات قد تؤثر على منظومته المالية المستمرة حتى في ظل هذه الظروف، ولأن ذلك يعتبر بالنسبة لصالح خطاً أحمر فقد اتجه لإعاقة أنصار الله بشكل غير مباشر من خلال إثارة قضايا جانبية من قبيل استخدام ورقة المشتقات النفطية ونقلها من وإلى العاصمة صنعاء والتي لا زالت حتى اليوم بيده، بالإضافة إلى استخدام ورقة صندوق النظافة، واستخدام ورقة شركة النفط، وورقة ميناء الصليف بالحديدة، وفي كل مرة كان يتم في استخدام هذه الأدوات لتشتيت انتباه الجماعة وثنيهم عن تنفيذ برنامجهم، كان يتم تسريب معلومات مغلوطة وتعزيزها بتسريب وثائق مزورة لوسائل إعلامية خليجية أبرزها قناة “سكاي نيوز” وقناة “العربية الحدث” والتي لعبت دوراً كبيراً في هذا الشأن.

وتأسيساً على ما سبق سرده فإنه لا غرابة في أن يرفض المؤتمر قرارات صالح الصماد، التي فيما يبدو تم اتخاذها من جانب واحد بعد أن وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود، وفق ما وصلنا من معلومات اليوم، ومن المتوقع أيضاً أن يحاول صالح استخدام أوراق أخرى للضغط على أنصار الله، من قبيل ما ذكرناه آنفاً.

ختاماً فإن ما تطرقنا إليه في الجانب الاقتصادي والصراع في هذا الشأن بين مكوني أنصار الله وحزب المؤتمر برئاسة صالح، لم نكشف فيه أي تفاصيل تحوي أسماء أو أرقام أو بيانات دقيقة نظراً لحساسيتها وخطورتها، ولكون الزميل الصحفي الشهيد/ محمد العبسي لم يمضِ على اغتياله بالسم سوى أشهر قلائل، حين حاول فتح هذا الباب وكشف اللعبة التي كانت تحاك ضد الحوثيين في صنعاء.

قد يعجبك ايضا