عدن: الكشف عن تحركات بريطانية خطيرة جنوب اليمن
المساء برس – “تقرير: يحيى محمد – العربي”/ سحبت الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن، شمالاً وجنوباً، الأنظار عن التحركات خلف الكواليس التي شهدتها مدينة عدن وميناؤها الاستراتيجي أخيراً، والتي تقف خلفها بريطانيا مباشرة، دون أن يثير هذا التحرك انتباه أحد، عدا عن ما تم تسريبه لوسائل الإعلام في الآونة الأخيرة عن وصول قوات سعودية إلى المدينة الجنوبية.
ورغم تضارب الأنباء والتسريبات عن صحة وصول قوات سعودية إلى عدن من عدمها، إلا أن تلك التسريبات كانت الخيط الذي قادنا إلى كشف ما هو أكبر من تواجد قوات سعودية وما هو أكبر من اليمن والسعودية.
“القوات السعودية موجودة بالفعل”
كشف مسؤول أمني رفيع في عدن، طلب عدم ذكر هويته، أن السعودية أرسلت بالفعل قوة عسكرية وصلت المدينة الجنوبية في 18 أغسطس الماضي. وقال المسؤول الأمني، في حديث إلى «العربي»، إن القوة السعودية «جرى توزيعها في قصر الرئاسة والميناء البحري ومطار عدن الدولي»، لافتاً إلى أن الوضع عند وصولها «بدا وكأن تفاهمات مع الجانب الإماراتي قد جرت مسبقاً بهذا الخصوص»، وهو ما يفسر عدم وجود أي ردة فعل من قبل القوات الإماراتية أو المسلحين المدعومين منها.
وكان من اللافت أن وصول القوات السعودية إلى عدن لم يسبقه أي حديث أو تسريبات إعلامية تشير إلى وجود خطة بإرسال قوات سعودية إلى عدن. وعلى العكس من ذلك فقد كان الرأي العام في الشارع اليمني مشغولاً أو ربما موجهاً نحو متابعة تطورات عمليات القوات الإماراتية وحلفائها ضد تنظيم «القاعدة» في محافظتي شبوة وأبين، رغم ما شابها من غموض يوحي بعدم وجود حرب حقيقية ضد التنظيم، وأن ما يحدث مجرد غطاء لتنفيذ مهام أخرى بعيدة عن الأنظار، خاصة مع وجود قوات أمريكية مشاركة.
يضاف إلى ذلك انشغال الرأي العام بالصراع المسلح بين الفصائل الموالية للسعودية وتلك المدعومة إماراتياً، كترجمة لصراع غير معلن بين جموح النفوذ الإماراتي ومحاولات كبحه سعودياً، ووفقاً لتلك المعطيات كان ذلك اعتقاد الشارع اليمني عموماً، والجنوبي على وجه التحديد، بينما كان هناك من يعبث بعيداً في المياه الإقليمية لليمن وباب المندب.
وكان وصول لواء سعودي بكامله إلى اليمن، وتحديداً عدن «معقل السيطرة الإماراتية»، حدثاً مفاجئاً، قاد إلى إدراك أن ثمة لاعبون دوليون أكبر من السعودية وأكبر من الإمارات.
“تهديدات مصطنعة تستهدف باب المندب”
بشكل مفاجئ، أصدرت بريطانيا في 17 أغسطس الماضي تحذيراً للسفن التجارية من احتمال شن هجمات من اليمن عند باب المندب. وأصدرت عمليات التجارة البحرية في بريطانيا توجيهات جديدة بأن هناك خطراً متزايداً للهجوم على سفن الشحن التجاري في خليج عدن وباب المندب.
وكان اللافت مما جاء في تحذيرات التجارة البحرية البريطانية ورود عبارة أن «هناك حاجة إلى تخطيط صارم للعمليات في المياه المحيطة باليمن»، وتوقيت ذلك قبل يومين من انعقاد جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن في نيويورك. يضاف إلى ذلك أن إصدار التحذير البريطاني كان قبل يوم واحد فقط من محاولة استهداف ناقلة نفط ليبية في باب المندب دون أن يتم الإعلان عن ذلك رسمياً من قبل دول «التحالف»، لكن المفاجأة كانت بما أعلنه ناطق باسم القوات التابعة لحكومة صنعاء، الذي كشف أن «التحالف» كان ينوي استهداف سفينة تجارية في باب المندب ثم يرمي بالتهمة إلى قوات «أنصار الله» والرئيس السابق علي عبد الله صالح، وفقاً لبيان صادر عنه.
وسبق ذلك أن أعلن «التحالف» أن «أنصار الله» استهدفوا سفينة حربية إماراتية كانت راسية في ميناء المخا تحمل على متنها عتاداً عسكرياً، لكن «أنصار الله» لم تعلن استهدافها سفينة حربية، رغم أن وكالات أنباء دولية قالت إن العملية أدت إلى مقتل وجرح عدد من القوات الإماراتية التي كانت متواجدة في الميناء.
وفي العادة حين يتم استهداف سفن حربية تابعة لـ«التحالف» يأتي الإعلان والتأكيد رسمياً من قبل قوات «أنصار الله»، بينما يلتزم «التحالف» الصمت، أو التعليق على الاستهداف بعد إعلان «أنصار الله»، مع محاولة تقليل أو نفي وقوع خسائر مادية وبشرية. لكن أن يبدأ «التحالف» بإعلان تعرض سفنه للاستهداف ويعرض مقاطع فيديو تؤكد هذا الاستهداف دون أن تعلن «أنصار الله» ذلك، كما حدث مع السفينة الإماراتية الأخيرة في المخا، فهذا يعني أن طبخة كانت تُطبخ على نار هادئة وجرى إفشالها في اللحظات الأخيرة.
“بريطانيا تتحرك في الجنوب”
التفسير الوحيد للأحداث الأخيرة في باب المندب هو اكتشاف «أنصار الله» لمخطط بريطاني يهدف للإيقاع بهم في فخ الإدانة الدولية واتهامهم بتهديد الملاحة الدولية، خاصة مع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن، وربما تأكد لـ«أنصار الله» أن تصعيد «التحالف» في باب المندب له علاقة بما قد يتم طرحه في مجلس الأمن، خصوصاً مع ورود أنباء غير مؤكدة بأن بريطانيا كانت تنوي التقدم بمشروع قرار ضد اليمن، وليس من المستبعد أن يكون هذا القرار يتعلق بالمياه الإقليمية اليمنية.
كل المؤشرات تؤكد وجود تحركات بريطانية مكثفة في السواحل اليمنية في الفترة الأخيرة، ومن المؤكد أيضاً أن هناك ارتباطاً مباشراً بين وصول قوات سعودية إلى عدن ووجود القوات الإماراتية جنوب اليمن ودورها الذي تلعبه بشكل غير معلن، بالتحركات البريطانية في باب المندب والسواحل اليمنية، وهو ما حاولنا معرفته بشكل أدق.
مصدر في قوات الأمن الخاصة في عدن أكد أن «خبراء بريطانيين متواجدون جنوب اليمن، ووجودهم له علاقة بقوات خفر السواحل اليمنية، والقوات البحرية السعودية»، وأضاف أنه «لم يتم الإعلان عن الدور البريطاني والترتيبات التي تجري حالياً فيما يتعلق بالمياه الإقليمية اليمنية»، كاشفاً أن «هناك معلومات أخرى لا نستطيع الإفصاح عنها نظراً لسريتها الشديدة» ورغبة رؤوسائه في التكتم عليها.
وأوضح المصدر أن محافظ عدن، عبد العزيز المفلحي، «لا يستطيع هو الآخر الإفصاح عنها لحساسية موقعه في السلطة، لكنه ألمح إليها في أحد خطاباته أمام مسؤولين محليين في عدن».
“قيادة القوات البحرية البريطانية”
وعلى الرغم من التكتم الشديد على ما يحدث حالياً في الجنوب، فإننا حاولنا التقصي أكثر حتى استطعنا الحصول على معلومات في غاية الخطورة. المعلومات التي تحصل عليها «العربي» من مصدر عسكري مسؤول تؤكد أن «القوة السعودية عبارة عن لواء يدعى (لواء المغاوير)، ومدعومة بآلاف المقاتلين الجنوبيين الذين تم اختيارهم وفقاً لمعايير خاصة وتم تدريبهم بشكل مكثف»، حيث ستوكل إلى هذه القوة المشتركة مهام عسكرية بحرية في السواحل والمياه الإقليمية اليمنية، ولن تكون خاضعة للسلطات اليمنية.
كما تؤكد المعلومات أن «هذه القوات المشتركة ستعمل تحت إشراف قيادة القوات البحرية البريطانية، التي ستتخذ من مقر قيادة القوات البحرية اليمنية في التواهي بمحافظة عدن مقراً لها في الأيام القادمة». ويشير المصدر العسكري إلى أن القوات الإماراتية في عدن تعمل في الجنوب على إبقائه مفككاً وخاضعاً لتشكيلات مسلحة غير نظامية لها انتماءات مناطقية وقبلية «لضمان استمرار حالة عدم الاستقرار المجتمعي، بحيث يبقى باب المندب والسواحل اليمنية والجزر تحت إشراف البحرية البريطانية وبعيداً عن اهتمامات القبائل الجنوبية، التي ستكون مشغولة بالصراعات الداخلية الصغيرة فيما بينها».
“من هنا بدأ اللعب”
بالنظر إلى التشكيلات المسلحة التي أنشأتها ومولتها ودربتها الإمارات وخسرت عليها ملايين الدولارات، نجد أن هذه التشكيلات تم اختيار عناصرها بشكل نوعي وبناءً على الانتماء القبلي، حيث نجد أن قبائل الصبيحة لديها تشكيل مسلح تحت مسمى «مقاومة الصبيحة»، ويشارك هذا التشكيل القوات الإماراتية وقوات محلية أخرى القتال في موزع والمخا جنوب تعز وغربها. كما أن قبائل يافع لهم مقاومة خاصة بهم ومدعومة إماراتياً، بالإضافة إلى تشكيلات مسلحة أخرى في مناطق تمت السيطرة عليها من قبل «التحالف»، وتم تشكيلها تحت مسميات قبلية تدعمها وتمولها الإمارات، وربما أن دورها سيأتي في قادم الأيام.
وبالمثل، تم تشكيل قوات «الحزام الأمني» في عدن من مجاميع مسلحة غير نظامية وتمارس حالياً مهام أمنية بدلاً من أجهزة الدولة الرسمية، وتكرر ذلك أيضاً في كل من لحج وأبين والضالع، وإلى الشرق تم تشكيل قوات «النخبة الحضرمية» التي تم تدريبها في الإمارات وعادت لتفرض سيطرتها في حضرموت تحت غطاء مواجهة تنظيم «القاعدة»، وليس ببعيد أيضاً ما تم في محافظة شبوة من تشكيل «النخبة الشبوانية».
ويرى محللون جنوبيون أن الإمارات تسعى إلى خلق وضع أشبه بذلك الذي كانت عليه المناطق الجنوبية أثناء الاحتلال البريطاني في القرنين الماضيين، حيث شكل ذلك الوضع بيئة مناسبة لاستمرار البريطانيين احتلال الجنوب لمدة 128 عاماً.
“الإستراتيجية الاستعمارية”
يرى الصحافي اليمني المهتم بالشؤون الجيوسياسية، أحمد الحبيشي، أن التشكيلات العسكرية والأمنية الأخيرة التي أنشأتها القوات الإماراتية المتواجدة في مختلف المحافظات الجنوبية تشبه إلى حدٍ كبير «الاستراتيجية الاستعمارية التي استخدمتها بريطانيا عندما كانت في الجنوب اليمني».
ويقول الحبيشي لـ«العربي»: «تذكرنا التشكيلات العسكرية والأمنية الموالية لقوات الاحتلال الإماراتية، بدءاً بقوات النخبة ومروراً بالأحزمة الأمنية وانتهاءً بالمليشيات المختلفة في مختلف المحافظات الجنوبية المحتلة، تذكرنا بالاستراتيجية الاستعمارية التي استخدمتها بريطانيا عندما كانت تحتل الجنوب اليمني؛ كيف أنشأت هذه التكوينات العسكرية في حضرموت وشبوة ولحج وغيرها من المناطق المحتلة بهدف خلق نزعات محلية ومناطقية ذات طبيعة مسلحة».
ويضيف: «ثم في وقت لاحق عندما نضجت الحركة الوطنية اليمنية وارتفع شعار الوحدة اليمنية، أنتج الاستعمار البريطاني مشروع الجنوب العربي ومشروع جيش الجنوب العربي»، موضحاً أن جيش الجنوب العربي أساساً تشكل من هذه المكونات المناطقية، بما فيها جيش البادية الحضرمي والجيش المهري و«حتى منطقة سلطنة الكثيري كانت لها قوات خاصة».
ويؤكد الحبيشي أن هناك توجهاً «لإحياء تلك المشاريع الاستعمارية القديمة، سواء من خلال تقسيم اليمن إلى كنتونات جيوسياسية أو من خلال تشكيل تكوينات عسكرية مناطقية»، مشيراً إلى أن بريطانيا هي التي تشرف الآن على هذا المشروع.
“هدف في غاية الخطورة”
ويلفت الحبيشي إلى أن أطماع بريطانيا في اليمن تعود إلى اتفاق 1947م من القرن الماضي، والذي وقع بين كل من الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وأمريكا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية: «إتفاقية أعالي البحار»، التي تنظم وجود القوى الكبرى في السواحل والموانئ وحقوق المرور وقضايا كبيرة تتعلق بمصالح الشركات الملاحية البحرية التي تتبع هذه الدول.
ويشير الحبيشي إلى أن هذه الاتفاقية لم تعد فعالة على الرغم من أنها اتفاقية دولية، مضيفاً: «تحاول بريطانيا إحياء الاتفاقية، وقد بدأت بأول خطوة بالفعل من خلال الدفع بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، والتي في الأساس سيتم تسليمها عاجلاً أو آجلاً لإسرائيل».
ويكشف الحبيشي أن بريطانيا ومعها قوى دولية كبرى «يحاولون تغيير الوضع الجيوسياسي للممرات الدولية والسواحل اليمنية من خلال احتلال الجنوب»، لافتاً إلى أن «احتلال ميناء المخا والتهديد باحتلال ميناء الحديدة أو محاولة وضعه تحت تصرف الأمم المتحدة… كل هذا جزء من هذا المشروع الاستعماري القديم».
“الأطماع البريطانية في احتلال جزر اليمن تتجدد”
إن مساعي بريطانيا للسيطرة على السواحل والجزر اليمنية ليست فكرة جديدة. ما سنورده في السطور التالية مذكرة لوزير الخارجية البريطاني، جورج براون، موجودة ضمن وثائق الأرشيف الوطني البريطاني، تعود إلى أكتوبر 1967، أثناء المحاولات البريطانية الأخيرة للبقاء في الجزر اليمنية أو تدويلها على الأقل، وعدم تسليمها لجبهة تحرير الجنوب، وحتى بعض الجزر التابعة للشمال اليمني كانت تحاول بريطانيا سحبها وضمها للجنوب حتى يتسن لها التحكم بها. ورد في الوثيقة:
«جزر الجنوب العربي:
لقد انتقدت بعثة الأمم المتحدة اقتراحنا بتدويل جزيرة بريم كواحدة خارج الاختصاصات المنصوص عليها بالنسبة لهم. إن تقرير الأمم المتحدة قد أدان اقترحنا، وبالطبع فإن اللجنة الرباعية للأمم المتحدة، بما فيها من ممثلين للدول العربية، قد أكدت على ذلك… وفي نفس الوقت حذرنا الأمم المتحدة بأن جزيرة كمران وجزر بريم وكوريا موريا بأن تأخذ رغبات سكان الجزر في الاعتبار (وهذا الشيء ينسجم بالطبع مع سياستنا في جبل طارق وجزيرة الفوكلاند والقضايا المماثلة). لقد قلت للمندوب السامي بأن يحاول بعد التشاور إبلاغ سكان جزيرة بريم وكمران ــ وهذا مرهون بنتيجة اقتراح التدويل في الحالة السابقة ــ أن هذه الجزر يجب أن تبقى مع عدن، وكذلك إعلام سكان جزيرة كوريا موريا بأن هذه الجزيرة يجب أن تعود إلى سلطان مسقط وعمان ويجب علينا أن نعمل بشكل ايجابي على جزر كوريا موريا لأنه لدينا السيادة هناك. إن هذه الجزر كانت هدية من سلطنة مسقط وعمان منذ 113 عاماً مضت، حيث يسكنها 78 شخصاً وهم مع سلطنة مسقط وعمان. أما صلتها بالجنوب العربي فهي تتبع حاكم عدن إدارياً. إن الجزر المذكورة تبعد 20 /40 ميلاً من سلطنة عمان، و200 ميل من الجنوب العربي».