كما ورد “هذه ملاحظات للرفاق في الانتقالي الجنوبي”
المساء برس – متابعات/
بعيداً عن «الكليشيهات» التي يحب الزملاء الإعلاميون والرفاق من صقور الحراك الجنوبي ترويجها، من مثل «المليونيات»، يبقى ثابتاً، مع كل فعالية من الفعاليات التي يقيمها الحراك في مدينة عدن بمناسباته المختلفة، أن ثمة صوتاً في الجنوب يجب أن يُسمع، لكن هذا الصوت يظلّ مشتّتاً ما بين قيادات لا تزال تؤثر ارتباطاتها الإقليمية على متطلبات الداخل وهواجسه وتطلعاته. هذا ما يمكن الخلوص إليه من خلال متابعة الفعالية التي أقامها «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، اليوم الجمعة، في شارع الشهيد مدرم بالمعلا، بمناسبة الذكرى الـ23 ليوم السقوط النهائي للجنوب في حرب صيف 1994، وما صدر عنها من بيان، راوحت بنوده بين «اللوازم» السابقة، وبين تظهير خطاب جديد في بعض المسائل المتصلة بالجنوب وقضيته.
في مكان إقامة الفعالية، لم يبدُ مفهوماً لكثيرين سبب نقلها من ساحة العروض في خورمكسر، التي اعتاد الحراك الجنوبي على إقامة فعالياته فيها، إلى شارع الشهيد مدرم في المعلا، سوى أن «المجلس الإنتقالي» لم يملك الجرأة على ذلك. ظهر واضحاً أن «الإنتقالي» سرعان ما استجاب للضغوط السياسية والأمنية التي مورست عليه، بحجة عدم وقوع اصطدام بين القوات الموالية له وتلك المحسوبة على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. هكذا، استسهل المجلس التخلي عن «رمزية» أساسية في مسيرة فعاليات الحراك، واضعاً نقطة ضعف أولى في سجل فعالية 7/7، وفاتحاً الباب على مزيد من اهتزاز الثقة به وبقدرته على المواجهة. هنا، يطرح البعض سؤالاً لا يخلو من الخبث: إذا كان «الإنتقالي» عاجزاً عن تجميع أنصاره في أرضه، فكيف سيتمكن من تحقيق أهداف ترقى إلى مستوى «استعادة الدولة الجنوبية»؟
في كلمة رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، أعاد الأخير التأكيد على أن «المجلس سيواصل اجتماعاته لوضع برنامج عمله خلال المرحلة المقبلة، وإعداد لوائحه، وتشكيل هيئاته»، وهو كلام كان قد قيل منذ لحظة الإعلان عن تشكيل «الإنتقالي» في مايو 2017. كلام لم يسلك، البتة، سبيله إلى التنفيذ. على العكس من ذلك، ظل المجلس مجرداً من أي أدوات تمكنه من ممارسة فعل وتأثير على الأرض، على الرغم من أنه قضى أشهراً ما بين الرياض وأبوظبي وعواصم أخرى، قال إنها استهدفت حشد الدعم لوجوده وعمله. لكن الوقائع أثبتت أن من يردد قيادات «الإنتقالي»، دائماً، لازمة الشراكة معهم، لم يمنحوا قياداته أكثر من «كلام معسول» بحسب المطلعين.
وعلى الرغم من ذلك، تظل الكثير من تصريحات «الإنتقالي» وخطواته مرهونة بضابط الإيقاع الإقليمي. من تلك الخطوات، على سبيل المثال، ما أعلنه الزبيدي، اليوم، من حظر لجماعة «الإخوان المسلمين» في المحافظات الجنوبية. صحيح أن «الإخوان» غير مرغوب بهم في الجنوب عموماً، وأن المزاج الشعبي يفضل إبعادهم عن مواقع القوة والقرار، إلا أن إعلاناً من هذا النوع في وقت يحتدم فيه النزاع بين السعودية والإمارات من جهة، وبين قطر من جهة أخرى، يجعله مصطبغاً بصبغة تنفيذ إيعازات لا أكثر، أو مسايرة الجو الإقليمي المعادي للدوحة في أحسن الأحوال. ومع ذلك، يعلن البيان الصادر عن الفاعلية «رفض الإملاءات الخارجية»، وأن «أي علاقة يجب أن يكون معيارها فقط قائماً على الحصول على دعم ومساندة خارجية واضحة، تضمن تحقيق فائدة للثورة، وفي سبيل تحقيق الهدف النبيل المتمثل بالاستقلال، وأن لا يكون ثمنها إثارة الفتنة أو استهداف جماعة أو منطقة جنوبية»، فكيف يستوي هذا الكلام مع الخطوات، التي تثبت يوماً بعد يوم، انقياداً غير محدود ولا مضبوط، للإرادة الإماراتية؟
في المقابل، أعلن البيان، بصراحة، وللمرة الأولى، «رفض المشاركة في أي معارك خارج حدود الجنوب، ورفض الزج بالجنوبيين في تلك المعارك». كما هاجم، بحدة وقسوة، حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، واصفاً إياها بأنها «ليست سوى الوجه الآخر للاحتلال مهما كانت المبررات والحجج». وهو ما يطابق، حرفياً، ما كانت تيارات جنوبية وطنية عديدة، جرى تخوينها، تنادي به، منذ بداية الحرب عام 2015، بأن مشاركة الجنوبيين في معارك خارج حدودهم المفترضة تعني زجاً لهم في مضمار لا ناقة لهم فيه ولا جمل، وأن الإصطفاف إلى جانب «الشرعية»، تحت عنوان التكتيك السياسي، ليس إلا نفاقاً وممالأة، سينتهيان، في يوم الأيام، بصراع لا تحمد عواقبه.
من هنا، يسأل كثيرون: لماذا تأخر التيار الجنوبي الذي يمثله «المجلس الإنتقالي» في إدراك تلك الحقائق؟ وكم يلزمه من صفعات وضربات خفية ومعلنة ليدرك بقية ما حذرت منه التيارات الأخرى من خطورة تحويل الجنوب إلى ساحة تصارع إقليمي، وسجن كبير تنفذ فيه دول الخليج، بدفع أمريكي، إرادتها، وكذلك ما دعت إليه من ضرورة ضبط العلاقة بـ«التحالف العربي» على أساس واضح، لا يكون الجنوب بموجبه مجرد قفاز يستخدم لتحقيق غايات إقليمية ودولية، قبل أن يُرمى عندما تنتهي صلاحيته؟
المحرر السياسي – العربي