الأهداف القاتلة من توزيع أراضي مأرب
مانع سليمان
راسلني أحد أقاربي قبل اسبوعين مبتهجاً بأنه أعطي أرضية في الجفينة ، كتعويض عن ما تعرض له من نهب مليشيات الإنقلاب لكل أملاكه ، وإعانة له عن كلفة التشريد الذي تعرض له من قبل المليشيات الحوثية ، وأن ذلك ليس حكراً عليه ، وإنما في عملية توزيع واسعة يشترك فيها معه آخرون ، حينها أخبرته بأن لا يقبل بذلك ، لأن الأهداف من هذا التوزيع غير نبيلة ، ولها أبعاد صراع تاريخي ، واستراتيجية توظيف ذلك في المستقبل ، وشرحت له طويلاً حول ذلك ، إلا أنه اعتبر ذلك مني هوساً ومبالغات اعتاد سماعها مني ، سألته طيب هل أعطوك ورقة تمليك أم لا ؟ أجابني بأنهم لم يعطوه لأنها أرض دولة ، وأنه ضمن قائمة عريضة لا يمكن الاحتيال عليها !!
المهم كففت عن محاورته كثيراً ، لأني أحسست بأنه اعتبر دافع نصحي له هو الحسد له !! كنت حينها أود الكتابة عن أبعاد وأهداف ذلك ، والأضرار المتوقعة ديموغرافياً في المستقبل ، إلا أني توقفت حتى لا يقال أني أختلق قضايا رأي عام وإثارة إشكالات ليست موجودة في واقع الأمر ، ولكني الآن وبعد إثارة القضية أجد الغرصة لتوضيح ما طويته لنفسي من الفهم والتحليل لأبعاد مثل هذا التصرف والمراد من تمريره .
هناك عدة أهداف أراد تحقيقها القائمون على هذا التصرف ، وتبيينها في التالي :
الهدف الأول : ترجيح كفة الصراع القبلي المزمن في مأرب لصالح الطرف الذي خطط لهذا التصرف ويشرف حالياً على تنفيذه ، والذي يعيش حالة صراع ثلاثي ، مع من يشاركونه في الجغرافيا القبلية المتعارف عليها مأربياً ( الحدد ) وبعض ( الأشراف ) ، ومع القبل من الذين يحاددونه في الجغرافيا المتعارف عليها قبلياً ( جهم – مراد ) ، وهذا أحد الأهداف من إحداث التغيير الديمغرافي الذي يريده القائم على هكذا مشروع غامض ، ظاهره الإعانة لنازحين وباطنه استخدام النازحين في الصراع المحتمل وقوعه بعد أن تضع الحرب الدائرة بين الشرعية والإنقلاب أوزارها ، بمبرر الدفاع عن الأرض الذي أعطيها النازح مكافأة على نضاله ، وتعويضاً لخسائره التي تعرض لها أثناء نضاله ضد الإمامة الإنقلاب .
الهدف الثاني : استخراج المرابطين في الجبهات من جبهاتهم بذريعة الأولوية التسكين للأهل والأقربين ، وجر من في الجبهات من واقع الصراع مع الإنقلابيين إلى صراع مع من سيعارض التوزيع المشبوه لهذه الأراضي ، والذين سيتهمون بممارسة الإجرام في حق النازحين ، وذلك من خلال الرفض لفعل هو في الأساس يستهدف تخفيف المعاناة عنهم ، وذلك سيبرر لاسماتة النازحين على ما تم إعطاؤهم إياه من الأراضي التي لا يملكها من وزعها ، ويظهر واقع ذلك من خلال نوعية الموزع لهم تلك الأراضي ، حيث وقد وزعت لقيادات الألوية التي ترابط في نهم وأغلب الضباط الفاعلين في جبهات القتال المشتعلة ( نهم – صرواح ) ، من ما يؤكد استخدامهم للقوة التي يقودونها عند أول صراع محتمل وقوعه مع أي رافض لهذا التوزيع ، ويصحح هذا الفهم أنه رافق هذا التوزيع هجوماً واسعاً للمليشيات الحوثية على صرواح ، سيطرت المليشيات فيه على بعض المواقع التي استعادها أبطال الجيش بعد ذلك .
الهدف الثالث : طمس ما تبقى من آثار التأريخ اليمني القديم ، حيث وأن القارئ للجغرافيا التي تم توزيعها ، يجدها جغرافيا غنية بالآثار اليمنية النادرة ، من ما يؤكد أن القائمين على التوزيع ، لم يكن اختيارهم لتلك الجغرافيا اعتباطياً ، وإنما اختيار مدروس يستهدف ما تبقى من آثار الماضي الشامخ لليمنيين ، ويسعى لطمس ذلك في المستقبل الذي لا يرى وجود لشيئ غير الآثار التي فرضها دخلاء على التاريخ اليمني اختطفوا حكمه على حين غفلة سياسة مرت باليمنيين .
وبنظري أنه لو تمت قراءة ذلك بدقة وعمق لوجدنا أكثر من هذه الأهداف وأكثرها خطورة ، وما على اليمنيين إلا التنبه جيداً لكل ظاهرة ، وأن لا ينجروا وراء كل فخ يتقن خصومه حفره لهم في طريق التحرير لليمن من حكم جثم على كواهل اليمنيين أكثر من ألف عام .
من صفحة الكاتب بالفيسبوك