حضرموت : موسم الحج الى قبر نبي الله هود
المساء برس : الموقع بوست ( هاني جود )
في العاشر من شهر شعبان من كل عام، يختتم كثير من الزوار اليمنيين والأجانب زيارة شعب نبي الله هود، في محافظة حضرموت (شرق اليمن) والتي تستمر لثلاثة أيام، وتتضمن العديد من الطقوس الدينية، والفعاليات المختلفة، بحثا عما يسمى بالبركة والخلوة والعبادة.
“هود” هو أحد الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم سبع مواقع، وهناك سورة بإسمه، ذكر فيها خمس مرات، وأرسل الى قوم عاد، الذين سكنوا –وفقا لمصادر تأريخية- في أرض الأحقاف، جنوب شبه الجزيرة العربية، وشمال محافظة حضرموت، وإلى الشرق من سلطنة عمان.
الموقع
يقع قبر نبي الله هود في حضرموت، بإحدى القرى المهجورة، ويبعد عن مدينة سيؤون، 140 كم، ويقع الى الشمال الشرقي منها.
ويوجد بالمكان العديد من المواقع الاثرية، التي تضم قبابا، واسواقا، بالإضافة الى قبور بعض مشاهير أعلام الصوفية، الذين دفنوا في المكان، وأضافوا لأنفسهم هناك نوع من القداسة، والطقوس الدينية التي صارت تؤدى، بجانب زيارة القبر سنويا.
وتتضارب الروايات التاريخية عن صحة وجود القبر هناك، وهل هو فعلا يخص نبي الله هود أم لا، ففي العاصمة السورية دمشق، بذكر بعض المؤرخين، أن هناك مسجدا يقع بداخله القبر، لكن بعضهم يشير إلى أن هذا الاعتقاد هو مجرد تقليد لدى السكان المحليين نظراً لقداسة هود لديهم.
أما البعض الآخر فيرى أن قبر هود مدفون في مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف بالعراق، وبجواره قبور الأنبياء صالح ونوح وآدم، فيما يرى آخرون أن قبر هود موجود بالقرب من بئر زمزم في مكة المكرمة.
لكن المصادر التاريخية الموثوقة ترجح بأن القبر الموجود في حضرموت يعود فعلا لنبي الله هود، لقربه من المنطقة التي بعث بها، وهي مدينة الاحقاف التي لاتزال تحمل ذات الاسم عبر التاريخ، وكانت مساكن لقوم عاد التي بعث فيها هود.
وذكر المرزوقي في كتابه ” الازمنة والامكنة ” إن من جملة أسواق العرب المتنقلة سوق يقام ليلة النصف من شعبان، تحت ظل الجبل الذي عليه قبر النبي هود بالأحقاف بحضرموت.
يواصل المرزوقي: بعد الإسلام كان أهل حضرموت ومهرة بما فيهم الإباضية يزورون قبره، وممن يعتاد زيارته من الأسر الحضرمية قبل مجيء السادة آل باعلوي، و ال أبي حاتم، و آل بأفضل، وال الخطيب..)
ويوجد قرب المكان مغارة برهوت الشهيرة، الواقعة في الجزء الأسفل من الوادي، كما تشتهر المنطقة بالصخرة المنسوبة لنبي الله هود، والتي قيل بأنه صعد عليها ودعا الناس للصلاة، وأصبحت اليوم واقعة وسط المنطقة الي يزورها الناس.
وعثر في وقت سابق على أثار قديمة ونقوش مختلفة، تحكي فصولا عديدة من تأريخ المنطقة.
موسم هذا العام
يشهد الموقع سنويا توافد الآلاف من الزوار، لقضاء ثلاثة أيام من الطقوس الدينية المتنوعة، والتي تترافق مع نشاط اقتصادي واسع.
وتقدر احصائيات شبه رسمية عدد الزائرين للمكان سنويا بالآلاف، وبلغ غددهم في ديسمبر من العام 2004م حوالي أربعين ألف زائر من مختلف مناطق اليمن والدول المجاورة، خصوصا تلك التي يعتنق مواطنيها الطقوس الصوفية.
وأدت الاحداث الأمنية والوضع السياسي المضطرب التي تعيشها اليمن منذ أربع سنوات الى تدني نسبة الزائرين للمكان.
يقول عبد الرحمن، وهو شاب من مدينة صلالة بسلطنة عمان القريبة من المكان، أنهم يأتون لزيارة المكان سنويا، لأخذ البركة من المشائخ والعلماء ومعايشة الأجواء الروحانية.
ولفت عبد الرحمن في حديثه لـ”الموقع بوست” أنهم خلال الأعوام السابقة كانوا يأتون عبر حافلات كبيرة، ويصل عددهم الى قرابة الـ 200 فرد، فيما السنوات الثلاث الماضية تقلص عددهم الى حدود 40 فرد، بسبب تخوف بلدانهم على رعاياها من السفر إلى اليمن، بسبب الأوضاع الامنية الغير مستقرة، و الأزمة التي تمر بها البلاد.
وشهد موقع الزيارة نقله نوعية في الخدمات العامة بعد قيام السلطة المحلية بتعبيد طريق إسفلتي الى الموقع، وتوصيل التيار الكهربائي إليه، وبناء خزان للماء تم توصيله للبيوت (الخدور) ويوزع مجانا.
طقوس الزيارة
تتولى عملية الاشراف على جميع تلك الطقوس دار المصطفى في حضرموت، والتي تتيع الصوفيين هناك، والمرتبطين تاريخيا بالطائفة العلوية، نسبة لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه، ولذلك يحضر العلويين بقوة في مختلف محطات وطقوس الزيارة.
تتنوع غايات الزيارة، فالبعض يأتي للتفرغ للعبادة، ومجالسة مشائخ وعلماء الصوفية، فيما الآخرين يأتون للتنزه مع الأصدقاء والأولاد فقط، كون أوقات الزيارة لا يسمح للنساء حضورها، إضافة إلى شراء هدايا للأطفال والأهل، من الأسواق الشعبية المقامة بمناسبة الزيارة.
بالنسبة للزيارة فتشبه الى حد ما مراحل الحج في مكة المكرمة، من حيث التدرج والمناسك والأماكن التي يقف عليها الزائر، وهي في الأساس طقوس، لم يتضح تاريخيا الشخصيات الأولى التي رسختها، وجعلت منها تقليدا دينيا ثابتا.
لكن شخصيات محلية ترى أن التواجد الكثيف لاتباع الصوفية هناك، خصوصا المحسوبة على الطائفة العلوية، المعروفة شعبيا بالسادة، وكان لهم الدور الأكبر عبر الزمن في الوصول الى هذا النمط والأسلوب الذي يسير عليه الزائرون اليوم.
وتؤدى الطقوس على شكل تفويج يسمى “الدخلة”، وكل قبيلة من العلويين تكون لها دخله معينة، وتحمل فيها الراية الخاصة بها.
وكل فوج من الزائرين يقوم بأداء الطقوس الخاصة به، وفقا لما هو معلوم في أداء الزيارة السنوية.
تعد مقابر تريم هي أولى المحطات في الزيارة، وإلى تريم ينتمي أغلب الزوار سنوياً، يعقب ذلك المرور بقباب “عينات” وتسمى بالقباب السبع وهي عبارة عن قباب قديمة على جانب الطريق المؤدي إلى موقع الزيارة، ويتواجد بها ضريح الشيخ ابي بكر بن سالم أحد مشائخ العلم وابناءه، ثم يذهب الزائرون الى الاجتماع بمسجد حصاة الامام عمر المحضار، وهي مكان كان يجلس تحتها المحضار للخلوة والعبادة.
بعد ذلك يتوجه الزائرون إلى بئر “التسلوم”، وهي بئر لاتزال آثارها باقيه، ويعتقد أنها ملتقى أرواح الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين
يعقب ذلك الصعود الى هضبة بها قبة بيضاء، ويقع تحتها قبر النبي هود، جوار حجرة متصدعة، وكان في السابق الصعود اليه مشيا على الأقدام، لكن في الوقت الحاضر تم تعبيد طريق اسفلتي إليها.
نشاط وتفاعل
يرتدي الزائرون للمكان الثياب البيضاء، كما يلبسون طاقيات بيضاء على رؤسهم، وهي ذاتها الزي الذي يرتديه معتنقي الصوفية في مختلف المناسبات.
ويزدحم المكان بالزائرين، الذين يؤدون تلك الطقوس، والتي لا تخلو من اعمال احتفالية، تحضر فيها الطبول والأهازيج، والرقصات الشعبية المعروفة بالمنطقة، ويتم توزع أغلبهم على خيام في المكان نفسه.
ويؤدي هذا الطقس السنوي الى ارتفاع حركة التجارة هناك، خاصة للمنتجات المحلية، التي تشهد اقبالا كثيفا لدى الزوار.
الخلوة للعبادة
يقول شكري باجريش مسؤول الطلاب الوافدين لدار المصطفى بحضرموت، وهي الدار التي تتبع شيخ الصوفية عمر بن حفيظ أن الزوار يأتون للتفرغ والخلوة للعبادة، بعيدا عن الأهل والمشاغل الدنيوية، من خلال قراءة القران والاذكار وحضور حلق العلم والدروس العلمية.
باجريش يشير في حديثه لـ”الموقع بوست” الى ان دار المصطفى يقدم لطلاب الدار برنامج يمتد قرابة خمسة أيام، عبر مركز خاص بموقع الزيارة، ويتضمن خدمات التغذية والسكن والصحة، لغرض تفرغ الطلاب للعبادة، ومجالسة العلماء وزيارتهم للتفقه في أمور دينهم ودنياهم.
البركة من المشائخ
اثناء تناول إحدى الوجبات بالزيارة طلب الشاب “عمر” من أبناء محافظة البيضاء من أحد مشائخ العلويين المتواجدين بالشرب من إناء الماء، ثم قدمه لي بعد ان اخذ رشفة منه هامسا لي “بركة الحبايب”.
ومسألة التبرك هذه هي احدى الأهداف التي يأتي إليها كثير من الزائرين، والمقصود بالحبايب هنا، هم جملة مشائخ الصوفية المتواجدين في المكان، والذين يشرفون على مختلف الطقوس التي يؤديها الزوار.
نظرة أخرى
ظلت هذه الفعالية والطقوس مثار جدل لدى كثير من العلماء، حول مدى صحتها شرعا، وقدم العديد منهم فتاوى عديدة عنها.
ويسبق تنظيمها سنويا جدلا واسعا في حضرموت، من قبل جماعات دينية أخرى، ترى انها نوعا من البدع، والأعمال التي لا تمت للإسلام بصلة.
وشهدت المحافظة قبيل انطلاق موسم هذا العام، دعوات تحذيرية من قبل علماء حضرموت المحسوبين على التيار السني، حذرت الناس من الانخراط فيها، وحضور طقوسها.
وكان أبرز تلك الفتاوى ما أدلى به الشيخ المرحوم عبدالعزيز بن باز، والذي رأى بأنه لا يجوز شد الرحال إليه، او الصلاة عنده أو غير ذلك.
وقدم بن باز في فتاواه المنشورة على موقعه في الانترنت العديد من الدلائل التي تؤكد صحة ما ذهب إليه، معتبرا أن القبر لم يعرف إن كان فعلا لهود أو لا، كما لا تجوز زيارة القبور بشكل عام، وفق فتوى بن باز