عدن على بُعد خطوة من الإنفجار الكبير : سيناريو 86 يلوح في الأفق
قبل يومين، شهدت مدينة عدن حلقة جديدة من مسلسل أعمال العنف، حيث دارت اشتباكات في محيط إدارة أمن عدن بمديرية خور مكسر، عقب قيام قوة أمنية بمحاولة فتح طرق أغلقها محتجون يطالبون بالإفراج عن معتقلين، قيل إن قوات الأمن تمنع عنهم الزيارة، ولا يعلم أهاليهم شيئاً عن المعتقلات التي يقبعون فيها. كان بإمكان بعض الأطراف في عدن إرجاع الأحداث الأخيرة إلى أسباب مطلبية وحقوقية، لكن مصادر في المدينة، أكدت، لـ«العربي»، أن «ما حصل يأتي في سياق مسلسل الإحتقان والصراع بين فصائل المقاومة الشعبية، والمرتبط بالصراع الإماراتي السعودي».
تذكّر المصادر بما حدث قبل ثلاثة أشهر، عندما دارت اشتباكات بين جنود إدارة الأمن التابعين لشلال علي شائع، وبين عناصر من «المقاومة» بقيادة سليمان الزامكي الذي ينتمي إلى أبين، توسعت خلال ساعات واتخذت بعداً مناطقياً (الضالع – أبين). وتؤكد المصادر أن ما حدث قبل أيام هو بين الطرفين نفسيهما، «لكن مع فارق وحيد، هو أن القيادي مهران القباطي، الذي لديه لواء يتبع الحرس الرئاسي، هو من دعم الزامكي»، موضحة أن «الصراع يأخذ بعداً سياسياً أكبر، ولكن بالنفس المناطقي القائم والمتطور».
تشدد المصادر على أن «ما يحصل في عدن هو شغل عصابات، ولا وجود للدولة، وما هو موجود هو عصابات ومجاميع مسلحة، كل قائد عسكري يقود عصابة ويريد أن يفعل نفسه الدولة، وهذه العصابات والمجاميع صارت مرتبطة بنفوذ إقليمي، تنفذ عمليات مسلحة واسعة متى ما تم تكليفها». وتكشف أن «تلك الجماعات تتوزع على النحو التالي: شلال شائع يتحكم بالتواهي والمعلا وكريتر، في حين منطقة خور مكسر يتحكم بها الزامكي، والشيخ عثمان يتحكم بها المحضار، ودار سعد يتحكم بها البوكري ومهران، ومنطقة البريقة والشعب والمنصورة بيد عبد العزيز العقربي، فضلاً عن مكونات صغيرة بشكل مليشيات لها نفوذ في إحداث فوضى».
الجديد هنا هو ما كشفته المصادر العسكرية، لـ«العربي»، من أن «قيادات تلك المجاميع، وبعد توزعها وسيطرتها على مناطق وأجزاء من عدن، توزعت بعض المعسكرات على أساس مناطقي بحت، ووفق الخارطة المرتبطة بالصراع الإماراتي والسعودي، حيث صار أمر معسكر جبل حديد للضالع، ومعسكر الحماية الرئاسية لأبين، ومعسكر الحزام الأمني ليافع ومن خلفها الإمارات». وفي إطار هذا التقاسم المناطقي للمعسكرات، تحدثت المصادر عن أن «هناك خلافات واسعة في مسألة التجنيد ومسألة تدريب قوات جديدة. فالإصلاح حالياً مازال يدرب مجاميع في جبل حديد يتوزعون على معسكرات، إضافة إلى أن معسكر طارق مقسم بين شلال والإصلاح. والحقيقة هي أن المعسكرات مقسمة لكن ليس بالشكل الواضح العلني، والجهات الحكومية العليا تكابر وتقول إنه وطني» بحسب تعبير المصادر.
كما تكشف المصادر أن «الإمارات المحصورة في بير النعامة بالبريقة تظل تراقب التحركات»، مضيفة أن «من تريد الإمارات تصفية حسابات ضده، تنسب له تهمة القاعدة، وتبلغ عنه لاعتقاله، والإمارات مخترقة شيئاً ما من قبل السلفيين». وتتابع أن «هاني بن بريك، وزير الدولة، قام بتوظيف ناس في التحالف، وعمليات التحالف، ناس يعتبرها بن بريك موثوقة، وهذه الشخصيات وفي حال لديها خصومة مع شخصيات أخرى، تقوم بتبليغ بن بريك بأن فلان قاعدة، وبن بريك يبلغ بدوره الشخصيات التي تعمل في التحالف ولها علاقة به، والتحالف يوجه من جهته الحزام الأمني باعتقاله».
خارطة الصراع هذه، والتي يبدو واضحاً ارتباط الأحداث الأخيرة بها، على الرغم من محاولة مدير إدارة المنصورة إرجاعها إلى المطالبة بإطلاق معتقلين وسجناء يقبعون في السجون بدون تهم وبدون مسوغات قانونية، يظهر أنها ستفرز المزيد من المعارك والصدامات في المرحلة المقبلة، بحسب معلومات حصل عليها «العربي». ولهذا، تُطلق مبادرات لمعالجة الحالة الأمنية في عدن، ترتكز على تفعيل أجهزة القضاء والنيابة العامة، وتقديم من تورط في قضايا «الإرهاب» إلى محاكمة عاجلة، وقبل ذلك تشكيل فريق قانوني للنزول إلى السجون والتدقيق في ملفات كل الموقوفين هناك، وإطلاق سراح من لا يثبت عليه أي اتهام. كما يطالب كثيرون، بتفعيل أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم «على وجه السرعة»، لأن كل هذه الأجهزة «لا وجود لها على الإطلاق في عدن».
وفي حين تعتقد مصادر أن الأيام القادمة ستشهد صدامات أوسع، ستمتد لتشمل مناطق ومراكز النفوذ التي يتم تقاسمها، تتوقع أخرى أن تستمر الصدامات بشكل مرحلي، وبين فترة وفترة، طالما أن الأجهزة الأمنية غير موجودة، والمعسكرات والقوات مقسمة بين الأطراف وبشكل مناطقي، والتحكم الإماراتي بمجريات المدينة وتحركات كل من فيها مستمر، لكنها، وفق المصادر الأخيرة، ستتوسع وتنفجر في حال توقفت الحرب بمصالحة وطنية أو بأي صورة أخرى.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال وضع الرئيس عبد ربه منصور هادي، وما إذا كان بقاؤه في الرياض منذ أسابيع على صلة بتلك التطورت. تعزو مصادر سياسية في عدن، في حديث إلى «العربي»، عدم عودة هادي إلى عدن إلى «ضعف شخصيته من ناحية، ومن ناحية ثانية، تقاطر المواطنين إلى مقر إقامته في المعاشيق، باحثين عن حلول لقضاياهم، وتزايد الشكاوى، وتهربه من الباحثين عن دعم، إضافة إلى من يريدون تعيينات، وهم من جناح أبين الذي يعتبر نفسه محارَباً من قبل الأجنحة الأخرى التي تسيطر على عدن عسكرياً وسياسياً، وهم تابعون للإمارات وغيرها». وتزيد المصادر أن «هادي ينتمي إلى محافظة أبين، وأغلبهم يبحثون عن عيشة، يعني فلوس».
مصادر سياسية أخرى في الرياض، وقريبة من هادي، قالت، لـ«العربي»، إن «سبب عدم عودة الرئيس هادي إلى عدن هو أمني بشكل رئيسي، وهناك أسباب تتعلق بالإمارات والضغوطات التي تفرض بهذا الإتجاه»، متابعة أن «الرئيس هادي وصل إلى مرحلة عجز، وأنه صار غير قادر على إمساك كل الخيوط في عدن: يمسك خيوط القاعدة، والا خيوط الامارات، والا خيوط الحراك الجنوبي، والا خيوط الفصائل المسلحة، التي تكونت في إطار المقاومة الشعبية، والا يمسك خيوط المقاومة والجبهات في بقية أجزاء البلاد التي تقاتل معه في الحرب». وأشارت المصادر إلى أن «هناك انطباعاً بأن عدن غير آمنة، وأن سيناريو آخر من تعز سيطالها، وأن كل المؤشرات لا تبشر باستقرار».
وتعليقاً على ذلك، يكتفي مصدر عسكري بقوله، لـ«العربي»، إن «عدن في خطر والأصدقاء سيتقاتلون، سيناريو 86 يلوح في الأفق». وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، ما تزال توترات الأمنية مسيطرة على عدن، حيث أكدت مصادر ميدانية، لـ«العربي»، «توقف خط أبين عدن في نقطة العلم الواقعة شرق مدخل عدن، وذلك بسبب قيام أفراد لواء الحماية الرئاسية بقيادة حيدان بمحاولة الإستيلاء على نقطة العلم التابعة للواء الحماية الرئاسية الذي يقوده سند الرهوة». وتفيد المعلومات بأن «الحماية الرئاسية هي عبارة عن كتائب، وكل كتيبة لها قائد، وكل قائد يدرب أفراده بمعسكر لوحده»
معاذ منصر – العربي