قبل الهجوم على الحديدة.. رسالة روسية للولايات المتحدة والسعودية
المساء برس – خاص/
رغم حصول الطائرة الروسية التي وصلت يوم أمس الأول مطار صنعاء على إذن من قيادة ما يسمى بالتحالف العربي باختراق الحظر الجوي المفروض على اليمن، إلا أن روسيا أرادت من نقل مبعوثين دبلوماسيين روسيين وإيرانيين من وإلى صنعاء إرسال رسالة غير مباشرة للمجتمع الدولي وتحديداً للولايات المتحدة والسعودية مفادها حسب مراقبين سياسيين التالي:
أولاً: أن روسيا العظمى ترفض العملية العسكرية التي ينوي تحالف العدوان على اليمن تنفيذها على الساحل الغربي والسيطرة على آخر الموانئ اليمنية.
وبحسب ما يراه المحللون السياسيون في صنعاء فإن روسيا من المحتمل أن تعارض العملية العسكرية في الحديدة للسيطرة على مينائها الذي يغذي اليمن بالمواد الغذائية والإغاثية وبعض السلع التجارية المحدودة بواقع 70% والتي ستؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على بقاء رعاياها الدبلوماسيين في صنعاء.
ويشير المراقبون إلى أن روسيا لو كانت تنوي غض الطرف على العملية العسكرية في الحديدة لكانت قامت بإجلاء رعاياها بدلاً من استبدالهم بآخرين، وكذلك فعلت إيران.
ثانياً: أرادت روسيا من خلال استبدال مبعوثيها الدبلوماسيين في صنعاء (بدلاً من إجلائهم كبقية السفارات والبعثات الدبلوماسية التي غادرت قبل عامين) التأكيد للولايات المتحدة والسعودية والإمارات بأن علاقاتها مع سلطات صنعاء وعلى رأسها المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ الوطني ومن قبلها المكونات السياسية الرئيسة (المؤتمر وأنصار الله) لا زالت قائمة بل وتزداد في تطورها.
ثالثاً: إن إصرار روسيا على إبقاء مبعوثيها الدبلوماسيين في صنعاء وعدم نقلهم إلى عدن إشارة واضحة على عدم القبول ضمنياً بحكومة الرئيس المنتهية ولايته أو على الأقل تأكيدها استمرار الإبقاء على سياستها تجاه اليمن عبر لعب الدور المتوازن في الأزمة والذي لعبته منذ البداية، تجاه جميع الأطراف.
فروسيا ومنذ اليوم الأول لإعلان البيان رقم “واحد” في صنعاء والذي أطاح بحكم عبدربه منصور هادي لم ترفض التعاطي مع سلطة الأمر الواقع ممثلة بأنصار الله، ولا بمكون المؤتمر الشعبي العام الكيان السياسي القوي حينها والرافض لبقاء هادي على سدة الحكم.
ويحسب لروسيا دورها المتزن في اليمن وهو ما شجع حكومة صنعاء للترحيب بأي مبادرة روسية للحل في اليمن ووقف الحرب خصوصاً لدى أنصار الله.
طبيعة العلاقات الروسية اليمنية خلال 90 سنة
وظلت العلاقات الروسية تجاه اليمن منذ نشأتها قبل تسعين عاماً وحتى الآن قائمة على الندّية وتبادل المصالح المشتركة وعدم المساس بسيادة البلاد أو السعي وراء تحقيق مصالح أحادية الجانب أو فرض الهيمنة على اليمن والتحكم بالقرار السياسي كما سعت غيرها من الدول الإقليمية والكبرى.
قد لا يعرف الكثيرون بأن اول معاهدة للصداقة والتجارة بين موسكو وصنعاء وقعت في عام 1928، بينما اقيمت العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1955، أي قبل انتقال اليمن الشمالي حينها من الحكم الملكي إلى الحكم الجمهوري.
كما كان الاتحاد السوفيتي من أول المؤيدين لقيام الجمهورية العربية اليمنية (شمالاً) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوباً) وقدم لهما المساعدات بدون مقابل وبدون فرض أي أجندات تمس الكيان السياسي للبلد وسيادته.
وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي اعلنت الجمهورية اليمنية في 30 ديسمبر عام 1991 رسميا اعترافها بروسيا الاتحادية بصفتها الوريثة الشرعية للأتحاد السوفيتي السابق، وبضمن ذلك الاعتراف بجميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية السارية المفعول.
كما وقعت اليمن مع روسيا عام 91م اعلان مبادئ علاقات الصداقة والتعاون بين روسيا واليمن، واتفاقية التعاون بين الحكومتين في مجال العلوم والثقافة والتعليم والرياضة والسياحة، والاتفاقية بين الحكومتين حول تشجيع الاستثمارات وحمايتها بصورة متبادلة.
وفي العام 2004 منحت اللجنة الدولية الخاصة بجائزة “اندريه بيرفوزفاني ” الدولية جائزتها للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح تقديرا لخدماته في تعزيز الصداقة بين شعبي روسيا واليمن.
ولهذا نرى بأن روسيا لا زالت حتى اليوم تعتبر “صالح” صديقاً مقرباً لها وهو ما يفسر اللقاءات المستمرة التي تجريها السفارة الروسية في اليمن بصالح وأعضاء حزبه.
وفي العام 2013م اقترح الرئيس فلاديمير بوتين على نظيره عبدربه منصور هادي تقديم مساعدات لليمن بحكم علاقات الصداقة طويلة الأمد مع بلاده.
التعاون العسكري الروسي اليمني أكثر من غيره
وفيما يخص التعاون العسكري والعسكري التقني فقد تحولت اليمن في الاعوام الاخيرة الى زبون دائم لشراء مختلف اصناف الاسلحة الروسية. وانفقت صنعاء منذ عام 1998 مبلغ ملياري دولار لشراء الاسلحة. كانت حصة روسيا منها تعادل النصف.
ويجدر الإشارة هنا إلى أن التعاون في مجال التقنيات العسكرية بين اليمن وروسيا كان لصيقاً بالتعاون العسكري المباشر حيث قدمت المصانع الحربية الروسية برامج تحديث واصلاح للاسلحة الروسية المصدرة الى الجيش اليمني سابقاً.
ولعل أبرز محطة في مجال التعاون التقني العسكري الاستجابة الروسية لتلك المكالمة التي أجراها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح في مارس عام 2007 والتي طلب خلالها من الرئيس فلاديمير بوتين تقديم ارساليات عاجلة من المعدات الحربية وبرامج التطوير وقطع الغيار الى اليمن بأسعار تسهيلية بسبب العمليات القتالية الجارية في محافظة صعدة ضد الحركة الحوثية آنذاك.
كما تطورت العلاقات الاقتصادية والتجارية الروسية اليمنة منذ عام 1956، وبلغت حصة الاتحاد السوفيتي من القروض الاجنبية التي حصل عليها اليمن الجنوبي لأغراض التنمية الاقتصادية ما يربو على 50 بالمائة.
وفي العام 1997 عقد اجتماع نادي باريس لبحث اعادة جدولة الديون الخارجية لليمن ووقعت خلاله وثيقة حول اطفاء الديون اليمنية الى روسيا الاتحادية وفق شروط تسهيلية بالنسبة الى صنعاء. وبموجب الاتفاقية الحكومية الروسية – اليمنية الموقعة في موسكو عام 1999 تم شطب حوالي 80 بالمائة من ديون اليمن البالغة 4ر6 مليار دولار حينها.
وفي المجال الإنساني تم في الاتحاد السوفيتي (ومن ثم في روسيا ) في جميع اعوام التعاون الثنائي بين البلدين اعداد حوالي 50 ألف خبير يمني من ذوي التعليم العالي في مختلف الاختصاصات.
في المقابل فإن العدد الاجمالي للجالية الروسية المتواجدة في اليمن بحدود ألف شخص.
حتى اليوم لا يزال الكريملن يسجل موقفاً إيجابياً لدى جميع الأطراف ويحرص على الأمن والاستقرار في المنطقة ولا يزال متمسكاً بالحل السلمي ورفض الخيار العسكري.
إغراءات السعودية لروسيا
ورغم الإغراءات التي قدمتها السعودية لروسيا مقابل ثني موقفها تجاه الأطراف السياسية في صنعاء إلا أن روسيا ظلت متمسكة بمواقفها المتزنة والمتفهمة لطبيعة الصراع اليمني اليمني من ناحية واليمني السعودي من ناحية ثانية وتعرف جيداً ما تمثله أطراف صنعاء من ثقل سياسي واجتماعي في المجتمع اليمني الذي ينتمي ويستوطن 70% منه للمحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء.
ومن أبرز ما قدمته السعودية من قرابين لاستمالة الموقف الروسي صفقة الأسلحة التي بلغت في دفعة واحدة 10 مليارات دولار أواخر العام 2015 أبرزها منظومة الصواريخ التكتيكية “إسكندر”.
ومؤخراً كشفت وسائل إعلام روسية عن صفقة محتملة لبيع 5 سفن دورية حديثة مزودة بصواريخ “كاليبر” للسعودية.
بالإضافة إلى ما ذكره مسؤولون روسيون من أن السعودية تبدي اهتماماً كبيراً بشراء دبابات “تي-90 إم إس” روسية الصنع، بالإضافة إلى أسلحة خفيفة ومنظومات صاروخية ومدفعية ومروحيات.
هدف روسي محتمل
لم يستبعد المحللون السياسيون أيضاً أن تكون روسيا تسعى من خلال رسائها الضمنية بتأكيد استمرار علاقتها بالأطراف السياسية في صنعاء، السعي للحصول على صفقة بيع أسلحة ضخمة للسعودية في هذا التوقيت تحديداً، ذلك لأن السعودية ودول التحالف تعمل على حشد عتاد عسكري استعداداً لعملية احتلال ميناء الحديدة.