واشنطن بوست تكشف عن تحول في السياسة العسكرية الأمريكية في اليمن تبدأ بالحديدة
كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن مذكرة تقدم بها وزير الدفاع الأمريكي، جايمس ماتيس، هذا الشهر، إلى البيت الأبيض، ودعا فيها إلى “رفع القيود التي فرضتها إدارة الرئيس أوباما على الدعم الأمريكي لدول الخليج” في حرب اليمن، زاعماً أن توفير “دعم محدود” للعمليات العسكرية التي تتولاها القوات السعودية والإماراتية في اليمن، بما يشمل عملية هجومية إماراتية لاستعادة ميناء الحديدة على البحر الأحمر، من شأنه أن يساعد على مواجهة “خطر مشترك” بين واشنطن وحلفائها الخليجيين.
واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن الموافقة على طلب ماتيس سوف يعد مؤشراً على وجود “تحول ملحوظ في السياسة العسكرية الأمريكية داخل اليمن، التي كانت تقتصر بشكل أساسي حتى الآن على عمليات مكافحة الإرهاب ضد فرع تنظيم القاعدة هناك، مع انخراط في تقديم دعم محدود، وغير مباشر لجهود دول الخليج” العسكرية في اليمن منذ عامين، كما يمكن عدّ هذه الموافقة، في حال تمريرها بمثابة “إشارة واضحة على نية الإدارة للتحرك بقوة أكبر ضد اليمن”، تحت مبرر محاربة إيران، خصوصاً وأن إدارة ترامب ما انفكّت “تردّد الاتهامات السعودية والإماراتية لإيران بتدريب، وتسليح، وتوجيه الحوثيين في حرب بالوكالة” ضد دول الخليج، – حسب ما جاء في الصحيفة-، كما أنها الآن في طور “إجراء مراجعة أوسع لسياستها العامة في اليمن”، يتوقع أن تكتمل بحلول الشهر المقبل.
وأضافت الصحيفة أن السؤال الملح الذي جاء في مذكرة ماتيس، التي تسبق انعقاد لجنة كبار مساعدي الرئيس لشؤون الأمن القومي هذا الأسبوع، يتمحور حول ما إذا كان سوف يتم توفير الدعم الأمريكي للعملية التي تعتزم الإمارات العربية المتحدة القيام بها من أجل استعادة ميناء الحديدة من أيدي “الحوثيين”.
وبحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤول أمريكي رفيع، فإن ما جاء في مذكرة وزير الدفاع لا يشمل توصيات بضرورة الموافقة على كل ما تطلبه الإمارات من دعم لتلك العملية، لاسيما المطلب المتعلق بنشر عناصر من قوات العمليات الخاصة الأمريكية على ساحل البحر الأحمر، وإن كان ماتيس ومستشاروه قد “طالبوا برفع الحظر الذي فرضته إدارة الرئيس أوباما، الأمر الذي من شأنه تمكين الجيش (الأمريكي) من دعم العمليات الإماراتية ضد الجيش اليمن واللجان الشعبية، عبر وسائط المراقبة، وتقديم الدعم الاستخباري، إلى جانب توفير خدمات التزود بالوقود جواً، واستشارات في مجال التخطيط العملياتي، دونما حاجة للحصول على موافقة البيت الأبيض لكل حالة على حدة”.
وذكّرت الصحيفة بأن الإدارة الأمريكية السابقة رفضت “مقترحاً إماراتياً مماثلاً” لضرب الحديدة، باعتبار أن نجاح قوات العمليات الخاصة الأمريكية، وسلاحي الجو والبحر الإماراتيين، إلى جانب القوات الموالية لحكومة هادي، في “إزاحة (الحوثيين) يعد أمراً مستبعداً”، لاسيما وأن الإقدام على هذه الخطوة لن يؤدي إلا إلى “تفاقم الأزمة الإنسانية”، و”تصعيد” حرب حاولت كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة في الفترة السابقة إيقافها.
وأشارت الصحيفة إلى وجود هذه “المخاوف نفسها” لدى بعض أركان إدارة ترامب، التي “لم تتخذ قراراً” نهائياً بعد بشأن “كيفية رفع الحظر” عن دعم دول الخليج في حرب اليمن، وذلك على ضوء “الخلافات الواسعة” في أوساط هؤلاء، ولوجود من يعتقد بأن رفع الحظر “قد ينظر إليه على أنه بمثابة ضوء أخضر (أمريكي) للمشاركة المباشرة في حرب كبرى”.
ومع ذلك، نقلت الصحيفة عن مصادر أمريكية رفيعة قولها إن “الخطة التي وضعتها القيادة العسكرية المركزية الأمريكية للمشاركة في العملية تشمل عناصر أخرى لم تأت مذكرة ماتيس على ذكرها. وفيما كانت سفن حربية تابعة لمشاة البحرية الأمريكية، تبقي على تواجدها قبالة سواحل اليمن، على مدى عام مضى تقريباً، لم يكن واضحاً ما هو الدور الذي يمكن لها أن تلعبه”، وفق تلك المصادر.
كما لفتت الصحيفة إلى أن أطقم المستشارين الأمريكيين ينظرون في ما “إذا كان تقديم الدعم المباشر للتحالف المناهض للحوثيين، سوف يأخذ الكثير من الموارد، ويشتتها بعيداً عن أولوية الولايات المتحدة المتمثلة في مكافحة الإرهاب ضد تنظيمي القاعدة، وداعش في اليمن”، مشيرة إلى وجود مخاوف مما يطلق عليه “الخطة العارية” للإمارات العربية المتحدة، لناحية الشكوك بمدى قدرة قوات الأخيرة على تنفيذ “مثل هذه العملية الكبيرة” المنوي تنفيذها في الحديدة، فضلاً عن الشك بقدراتها على “فرض الاستقرار” في أي منطقة تستعيد السيطرة عليها، دون تدخل من القوات الأمريكية. كذلك، وفي ظل غياب أي معرفة بنوايا “الحوثيين”، يتخوف مسؤولون أمريكيون من أن يفاقم الهجوم على الحديدة “الأوضاع الإنسانية”، وأن يزيد من “تقويض الجهود التفاوضية” المتوقفة، والرامية إلى “وضع حد للحرب”، وفق “واشنطن بوست”.
هذا، وعادت الصحيفة إلى تصريحات للمدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، ايف داكور، حذر فيها من أن “حدوث معركة موسعة للسيطرة على المدينة الساحلية، سوف يضع المزيد من الضغوط على السكان”، ويمكن أن يقود اليمن إلى “أزمة إنسانية أكبر”، إلى جانب تشخيصه للمشكلة في البلاد، على أنها نابعة من اعتقاد جميع أطراف الصراع بـ”المقدرة على تحقيق نصر عسكري”، مع العلم بأن إدارة ترامب قد قامت “برفع بعض القيود على تبادل المعلومات الاستخبارية” مع قوات “التحالف” في اليمن، على نحو سمح “بالكشف عن معلومات أكثر تفصيلاً بشأن مواقع إطلاق الصواريخ التابعة للحوثيين”، وسط توقعات بأن تتخذ واشنطن “خطوات أخرى لمواجهة هذا التهديد، بما في ذلك إرسال سفن إضافية للتمركز في المنطقة”.
وفي هذا الإطار، أوردت “واشنطن بوست” ما أدلى به السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، بشأن “عودة الولايات المتحدة، والسعوديين، والإمارات العربية المتحدة، جنباً إلى جنب، لتشارك الصفحة عينها”، فيما عبّر لونغلي لي، كبير محللي “مجموعة الأزمات الدولية” للصحيفة بقوله إن الهجوم على الحديدة “سوف يزيد من معاناة اليمنيين، ويطيل أمد مأزق المفاوضات”، محذراً من “مأساوية” الوضع داخل اليمن، وإمكانية “ارتداده سلباً على (دول) التحالف”.