روسيا وطريق الأشواك في اليمن
المساء برس – أحمد الحبيشي
قي عام 1934 شنت بريطانيا والسعودية هجوما مشتركا على المملكة المتوكلية اليمنية أسفر عن إحتلال بريطانيا لكل من البيضاء والضالع وكرش وعسيلان ومنفذ ذباب وجزيرتي ميّون وكمران ، فيما أحتل السعوديون كلا من نجران وجيزان وعسير وميدي وميناء الحديدة.
في ذلك الوقت أعلن الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود قائد القوات السعودية الغازية ، ميناء الحديدة منطقة عمليات عسكرية ، الأمر الذي تسبب قي عدم وصول سفن البضائع التجارية الى الميناء ، وحدوث أزمات تموينية حادة كادت أن تؤدّي الى مجاعة في أوساط السكان.
كان المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الأولى يتحرك من خلال ما تسمى ( دبلوماسية القوة) المستندة الى المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعد من أبرز مصادر القانون الدولي ، وقد وقعت الدول ـــ منذ القدم ـــ على اتفاقيات تنظم علاقاتها وتحمي مصالحها المشتركة ، وتبنت خطط عمل لتنظيم العلاقات فيما بينها.
وعلى مدارالقرون والعقود ، تطورت مدوّنات قانونية نظمت العلاقات بين الدول، وسُّميت لاحقاً بالقانون الدولي الذي يتضمن فروعا عديدة منها القانون الدولي العام والقانون الدولي الانساني والقانون الدولي الجنائي .. .فيما يشير البُعد الدولي لهذا القانون إلى ترابط القضايا التي يعالجها في الساحة الدولية (أي خارج الدولة أو دول أخرى). ويعالج هذا الفرع من القانون الدولي قضيّة سريان أو عدم سريان هذه القوانين على قضية معينة ، ويحدد ما إذا كانت هناك أحكام صدرت في سارية المفعول أم لا في سياق المحاكم المحلية. وفي المقابل يعالج القانون الدولي العام العلاقات بين الدول والواجبات القانونية الملقاة على كل دولة ودولة تجاه الدول الأخرى والأفراد الخاضعين لسيطرتها.
والثابت ان القانون الدولي في العصور الوسطى انشغل بمسألة قانونية وشرعية الحروب والهجمات المسلحة التي تشنها الدول.
وبعد الحرب العالمية الأولى و الثانية والويلات التي شهدتها الشعوب، تركزّ القانون الدولي في حقوق الإنسان والواجبات الإنسانية تجاه الأفراد.
الى ذلك يسري القانون الدولي العرفي على كل دول العالم ويلزمها، سواء كان مكتوبا أو غير مكتوب، وهذا على عكس القانون الدولي التقليدي، الذي يستند إلى معاهدات دولية لا تلزم إلا الدول التي تقبل طوعاً الالتزام بها (أي الإنضمام الى هذه المعاهدات والتوقيع عليها ).
عندما احتلت السعودية بدعم من بريطانيا ميناء الحديدة وفرضت حصارا خانقا على اليمن في منتصف ثلاثينات القرن العشرين ، نظرت روسيا السوفييتية وايطاليا ما قبل الفاشية الى ما يقوم به البريطانيون والسعوديون في اليمن من منظور التأثير المتبادل للنطاقات الحيوسياسة بين خليج عدن والقرن الأفريقي وباب المندب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والمحيط الأوراسي ، وما يترتب على ذلك من تهديد للأمن والسلم الدوليين والمصالح التجارية والحيوية الإستراتيجية للدول الواقعة في هذه النطاقات البحرية .
وعليه تدخلت روسيا وإيطاليا من خلال دبلوماسية القوة لوضع نهاية لتلك الحرب وفق قواعد القانون الدولي ، وهو ما أدى الى إنسحاب القوات السعودية من ميناء الحديدة ، وبدء مفاوضات مباشرة بين بريطانيا واليمن في صنعاء من جهة ، وبين السعودية واليمن في الطائف من جهة أخرى .. وأسفرت تلك المفاوصات على انسحاب بريطانيا من البيضاء باستثاء الضالع ومكيراس وكرش وجزيرتي ميّون وكمران ، بعد توقيع اتفاقات هدنة واتفاقات لترسيم الحدود بين الأطراف الثلاثة لمدة 40 عاما ، قابلة للتجديد بين بريطانيا والسعودية واليمن.
يكاد التاريخ أن يكرر نفسه عندما شنت السعودية بدعم من بريطانيا وامريكا ما تُسمّى عاصفتي (الحزم والأمل) في 26 مارس 2015 ، وهي عبارة عن حرب شاملة على اليمن تم فيها استخدام أسلجة متطورة جدا ومحرمة دوليا ، تسبّبت في ارتكاب جرائم حرب وجرائم معادبة للإنسانية، بعد تفكيك الجيش اليمني وإضعافه باسلوب ممنهج طوال الفترة 2011 ــ 2015 بذريعة تنفيذ أهداف ثورة 11 فبراير التي كانت واحدة من الثورات العربية الملوّنة التي اجتاحت الشرق الأوسط في ربيع 2011.
يشير الأصدقاء الروس في شرح مقدمات التفويض الأممي الذي حصلت عليه روسيا ، لبلورة مبادرة شاملة ومترابطة ومتزامنة ذات طبيعة أمنية وسياسية تؤدي الى وقف الحرب وتحقيق تسوية سياسية قابلة للإستمرار ، الى أن روسيا استخدمت مقاربات متماسكة على صعيد ممارسة دبلوماسية القوة في سوريا والدبلوماسية المتربّصة ، في اليمن بهدف مساعدة هذين البلدين في مواجهة غطرسة القوة التي تمارسها امريكا وبريطانيا وتركيا زالسعودية وقطر.
لكن هؤلاء الأصدقاء يشددون على ضرورة مقاربة المصاعب التي واجهتها روسيا في التعاطي مع مسار الأزمة السياسية في اليمن منذ أحداث 11 فبراير 2011 التي لا تنكر روسيا دور الولايات الأميركية ودول عربية وخليجية في إشعالها وتمويلها ، مرورا بالقرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي خلال الفترة (2011 ــ 2017 ) وهي (القرارات رقم 2014 لعام 2011 و2051 لعام 2012 ، و 2217 لعام 2013 والبيان الرئاسي المؤرخ 15 فبراير 2013 ، والقرار 2140 لعام 2014 ، والقرار 2204 الصادر في 26 فبراير عام 2015 ، والقرار 2216 لعام 2015 ، والقرار رقم 2266 الصادر في 26 فبراير عام 2016 وصولا الى القرار الأخير رقم 2342 الصادر في 26 فبراير عام 2017 ).
يتساءل البعض عن أسباب موقف روسيا السلبي الذي ساهم في تمرير جميع هذه القرارات الظالمة ، وهل يمكن للمبادرة الروسية المرتقبة تجاوز تأثير هذه القرارات التي يستند اليها القرار 2216 كأساس لوقف الحرب العدوانية والحصار الجائرعلى اليمن أرضا وشعبا ، أم ستعيد إنتاح الآثار السلبية لهذه المرجعيات ؟
يجيب الأصدقاء الروس :
قبل الإجابة على هذا السؤال يتوجب استعراض هذه القرارات أولاّ وقبل كل شيئ واحدا واحدا ، والتعرف على (القادة اليمنيين) الذين ساهموا بدور بارز في صياغتها وشرعنتها ، وأوصلوا بلدهم الى هذا الوضع المأساوي ، ثم وضعوا روسيا أمام وضع صعب حال دون تمكُّنها من استخدام الفيتو ضد هذه القرارات ، على العكس من موقف الحكومة السورية المتماسك رغم التحديات الخطيرة التي واجهـتهاََ!!
ولنبدا بالقرار رقم 2014 لعام 2011 وهو القاعدة الأساسية لجميع القرارات الدولية (ذات الصلة ) والتي وضعت الأزمة السياسية في اليمن قيد النطر في مجلس الأمن الدولي منذ اندلاع ( ثورة ربيع فبراير 2011 الملوّنة ) باشراف السفارة الأميركية والسيدة هيلاري كلينتون.
يجب أن يقرأ جميع اليمنيين القرار رقم 2014 لعام 2011 بدًّقة وعناية ، والذي شارك في صياغته ومراجعته كل من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون و السفير الأميركي جيرالد فرنشتاين والمبعوث الأممي جمال بنعمر ونائب رئيس المؤتمر الشعبي العام الدكتور عبدالكريم الأرياني ، والسيد محمد قحطان الناطق باسم المجلس الأعلى للقاء المشترك والسيد محمد سالم باسندوة رئيس المجلس الأعلى لقوى (ثورة 11 شياط 2011).
وعلى الرغم من أنه لم تتم الإستعانة بالخبراء الروس في هذه المحطة الخطيرة ، إلا ان السفير الروسي فيتالي تشيرنيكين تصرّف بوحي من ضميره لتخفيف حجم الضرر الكبير الذي ارتكبه الأميركيون وبعض اليمنيين في هذا القرار ، بحق اليمن وشعبه الصديق.
يقول الأصدقاء الروس أنه يتوجّب على الذين ينتقدون موقف روسيا من هذا القرار الذي تمت صياغته في صنعاء بدون علم أو مشاركة روسيا ، أن يتساءلوا عن مسؤولية القادة اليمنيين ودورهم في تفخيخ هذا القرار الذي اشتمل على القنابل الملغومة التالية :
1/ الترحيب ببيان مجلس التعاون الخليجي في 23 سبتمبر 2011ت والذي دعا فيه الرئيس علي عبدالله صالح الى التوقيع (فورا) على مبادرة مجلس التعاون الخليجي وسرعة تنفيذها ، وأدان استعمال القوة ضد المتظاهرين العزّل ،وتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداثالتي أدّت الى قتل المتظاهرين اليمنيين!!
2/ التشديد على ضرورة ان تتحمل الحكومة اليمنية مسؤولية حماية مواطنيها كافة.
3/ إدانة انتهاكات حقوق الانسان المتواصلة التي ترتكبها السلطات اليمنية بواسطة الإستخدام المُفرط للقوة ضد المتظاهرين المسالمين .. والتشديد على أنه ينبغي محاسبة كل المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف وانتهاك حقوق الانسان والاعتداء عليها من قبل بعض الأطراف الفاعلة الأخرى.
4/ يؤكد على ضرورة التوقيع في أسرع وقت ممكن على اتفاق للتسوية السياسية قائم على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ،ويلاحظ التزام رئيس اليمن بالتوقيع فورا على مبادرة مجلس التعاون ويشجّعه هو أو من آذن له التصرف باسمه على إجراء تسوية سياسية تستند اليها دون مزيد من الإبطاء.
5/ دعم المجلس جهود السيد جمال بنعمر مبعوث الأمين العام الى اليمن.
قبل أن نشرح كيف تطورت هذه الألغام الى مفخخات مدمّرة عصفت بالأخضر واليابس في البمن ، ينوجب تحليل مضمون القرارات اللاحقة ذات الصلة بالأزمة اليمنبة ، إبتداءً من القرار رقم 2051 لعام 2012 وصولا الى القرار رقم 2216 لعام 2015 .
وبهذا الصدد نود الإشارة الى أن القرار 2014 لعام 2011 تعرّض لتعديلات روسية تكررت في كل القرارات اللاحقة ، بهدف نزع أكبر قدر ممكن من المفخخات التي تضمّنتها هذه القرارات اللاحقة ذات الصلة ، مع العلم انها قوبلت بترحيب متهافت من قبل الأحزاب والقيادات اليمنية وبضمنها المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله!!