هكذا خسر “هادي” بعد أن حاول اللعب على الخلاف الإماراتي السعودي
المساء برس – وما يسطرون / كتب جمال عامر
في نظرة متأملة لخارطة الحرب التي تضع السعودية أوزارها على معظم الساحة اليمنية، يتبين بوضوح كيف أن العدوان لم يعد يهدف إلى إحداث نصر كي يتباهى به النظام السعودي على محيطه في الجزيرة العربية والخليج بغرض فرض سطوته عليهم، في حال كان تمكن من تحقيق انتصار خاطف في اليمن كما كان يتوهم.
الواقع اليوم، ومع اكتمال عامين من حرب استنفد فيها النظام معظم إمكانياته السياسية والاقتصادية والعسكرية، يقول: إنه لم يعد في الجعبة ما يمكن أن يمثل تهديداً إضافياً باتجاه حسم عاجل وسريع على الأرض يمكن أن يقود إلى العاصمة، كما أن ولي عهد أبوظبي ودولة الإمارات قد أسقطت منذ سيطرتها الفعلية على عدن وحضرموت من خلال مشاركة قواتها الفاعلة وخسارتها المضاعفة، أي ادعاء بطولي للملك ونجله وجيشهما في إحداث أي نصر، سواء في الجنوب، والذي امتد إلى محافظات شمالية وصلت إلى المخا، أو حتى في محافظة مأرب في أقصى الشمال الشرقي.
كما أن الواقع يؤكد بالمشاهدة كيف أن بسط اليد على الأرض بسبب السيطرة على الجو لا يمكن أن يقود إلى انتصار كامل، بما يعنيه من تحقيق للاستقرار عبر مؤسسات الدولة وليس الفصائل المسلحة كما هو حاصل في الجنوب، والمواجهات التي اتخذت بعداً أكبر في الصراع على مطار عدن تمثل إحدى نتائج أوجه القتال بالوكالة في ظل الوجود الاسمي لرئاسة وحكومة توصف بكونها السلطة الشرعية التي يدار القتال وتقسم البلاد باسمها.
في مواجهة المطار التي جرت، حاول هادي أن يطلق أول بالونة اختبار لمدى سلطته، حيث أصدر توجيهه الأول ليثبت لنفسه ولمن حوله بأنه رئيس يملك سلطة القرار وتنفيذه، وكي يثبت حجم ولائه للملكة وانتمائه لولي ولي العهد، محمد بن سلمان، على حساب ولي عهد أبوظبي، حاول هادي أن يطلق أول بالونة اختبار لمدى سلطته ودون تقدير للتداعيات وحساسية “التحالف”، وبتهور لا يتناسب مع وضعه وجه جنوده الرسميين المنضوين تحت لواء الحماية الرئاسية بمواجهة فصيل الحزم الممولين من أبوظبي، فجاءت النتيجة على عكس ما قدر، إذ تكالبت عليه الدولتان وتم حرمانه علناً وبطريقة مهينة حتى مما تفرضه بروتوكولات السلطة الإسمية كرئيس، بمعاملته كمدير لفرع مخابرات حين استقبل في أبوظبي، ثم كموظف في قنصلية حين عاد غاضباً إلى الرياض واستقبله سفيرها في اليمن لا لسبب إلا لكونه تجرأ على اتخاذ قرار دون مشاورة، لينتهي به الحال مقصياً حتى من مجرد الاشراف أو المشاركة بحل المشكلة، وهو ما أوحت به دعوة المملكة عبر “التحالف” لرؤساء أجهزته الأمنية، بمن فيهم وزير الداخلية، للاجتماع بهم بالرياض، واستثنائه رغم تواجده فيها بغرض حل الأزمة التي كان قد تم اتخاذ قرار فيها وقضى بنزع أي علاقة لهادي بالمطار، على الرغم من محاولة اللعب على اقتراح نقل السيطرة الإماراتية إلى السعودية مع ما مثله من عملية استلاب غير مسبوقة لسيادة بلد لا يملك رئيسها الشرعي التحكم بإدارة المطار الوحيد الذي يغادر ويعود منه.
القضية هنا تتجاوز مسألة التشفي أو إظهار مهانة الرجل باعتبار أن ما جرى هو مجرد حلقة في سلسلة لامتناهية من إهانات طالت كل من ولى وجهه صوب النظام السعودي طالباً الاستجارة والنصرة بمظنة العودة إلى السلطة على ظهر دبابة بأقل الوسائل خسارة وكلفة، خاصة بعد أن كان تم فتح قصر المؤتمرات في الرياض على مصارعه للوافدين الذي تم استيعابهم ومنحهم مناصب عليا أفقدت الكثير فضيلة التفكير بسوء العاقبة. هؤلاء، ومع أول انكشاف لتدني حجم تأثيرهم في مجريات الصراع، بدأوا في رحلة من المهانة، بدأت بطردهم من قصر المؤتمرات إلى فنادق من ذات الخمس نجوم، ليتم تخفيض أهميتهم بنقلهم إلى فنادق أقل نجومية، ومع ذلك وكما حكى لي أحدهم فإنه لم يكن بمقدورهم حتى طلب طعام لأسرهم في غرفهم الخاصة، لإرغامهم على النزول إلى مطعم الفندق، وهذا قبل أن يتم تهجيرهم إلى منطقة تبعد عن الرياض ما يزيد عن أربعين كيلو متراً، كما أن حال الصحافيين أشد نكالاً للأسف، كما أن هؤلاء، بمن فيهم نواب وزراء ووزراء، يرغمون على متابعة تأشيرات الدخول إلى المملكة في سفاراتها كأي طالب عمل، وبحيث يطول انتظارهم ثم إن عدداً كبيراً لا يحصل عليها إلا إذا استدعت الحاجة إليه.
ما استدعى التطرق إلى امر كهذا محاولاتُ المملكة التي لم تتوقف والتي يتعاطى معها الكثير من تابعيها في الداخل في استقطاب المزيد من المشائخ والوجاهات والعسكريين لزجهم في فتح جبهات في مناطق ظلت محايدة تحت وعود كاذبة بالدعم العسكري والمالي والتغطية الجوية، ثم وحين تنفجر الأوضاع مخلفة عشرات القتلى والجرحى يكتشف هؤلاء سراب الوعود.
مثل هذا حصل في عتمة بذمار، وقبله في محافظة إب، وفي مناطق مقبنة وغيرها في تعز، والغرض فقط المزيد من تفتيت المجتمع وتدمير أي منطقة مسالمة، وهو ما يوجب أولاً على سلطة صنعاء وكذا “المؤتمر” و”أنصار الله” العمل على إسقاط الذرائع أولاً، من خلال تجنب استفزاز الناس وظلمهم وبسط قيم العدل والتسامح بين الناس دون تفريق.