الصراع الهادئ في عدن وعلاقة أميركا بأحداث مطار عدن ما لا يعرفه “أوبراين”
المساء برس – متابعات خاصة
قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين أن هناك حملة إنسانية تنظم لدعم اليمن، وتقديم مزيد من مساعدات الإغاثة، وستنطلق في 25 أبريل القادم لتأمين الإحتياجات الأساسية من الغذاء والماء والدواء للمحتاجين.
وأضاف أوبراين عقب وصوله إلى مدينة عدن لبحث الاوضاع الإنسانية إن عدن باتت أكثر أماناً – حسب تعبيره – وأن مظاهر الحياة فيها تطبعت وباتت أفضل من ذي قبل.
لكن عدن التي يرى فيها أوبراين أنها باتت آمنة تعيش حالة من الحرب الهادئة بالنظر إلى من يسيطر عليها فعلياً بحسب ما أفاد محللون لـ”المساء برس” عقب تصريحات أوبراين.
وفي المحافظات الجنوبية عموماً ينقسم المشهد السياسي، اليوم، بين ثلاث قوى رئيسة؛ هي الحراك الجنوبي بتفرعاته وحكومة “هادي” وتوابعها و”التحالف العربي” بتحالفاته. ولا تمكن الإحاطة ببواطن الأحداث، ومعرفة ما الذي يجري في عدن ومحيطها، بمعزل عن مواقف هذه الأطراف الثلاثة.
وبحسب تقرير لصحيفة العربي فقد تمكن الحراك الجنوبي من توسيع رقعة نفوذه في الجنوب منذ العام 2011م حتى اندلاع حرب 2015م، التي لا زال أوارها مشتعلاً في أكثر من محافظة يمنية حتى اليوم. وسيطر “الحراك” على عدد من المرافق الحكومية والمدارس والجامعات، عبر الأطر النقابية والطلابية. كما عمد إلى تنفيذ عصيان مدني أسبوعي استمر لسنوات، تَوَّجَهُ باعتصام مفتوح وسط مدينة عدن، استمر لأكثر من عام، شارك فيه الكثيرون من ناشطي الحراك، عبر فعاليات يومية لم تستطع معها حكومة “الوفاق”، التي شُكلت في صنعاء وفق المبادرة الخليجية، من احتواء الحراك الجنوبي، على الرغم من الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها قيادات بارزة فيه، بغرض المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في صنعاء، بدعم دولي وإقليمي كبير.
كما قاطع الحراك الجنوبي في العام 2012م الانتخابات الرئاسية بمرشحها الوحيد، الرئيس اليمني الحالي، عبد ربه منصور هادي، في معظم المحافظات الجنوبية، وتمكن من فرض مقاطعة شعبية لمراكز الإقتراع. ويرتفع علم الجنوب على عدد من مرافق الدولة وأقسام الشرطة والوزارات في عدن وحضرموت وأبين وشبوة والضالع ولحج، في مؤشر إلى أن “الحراك” على الرغم من تحالفه المعلن مع “التحالف العربي” بقيادة السعودية، لا يمكن لقيادته المنضوية في إطار “الشرعية”، تجاوز ثوابت تُعرّف بين نشطاء الحراك الجنوبي بالضرورة، ومنها رفع علم الجنوب.
وتحكم علاقة “الحراك” بـ”هادي وحكومته” الكثير من المتناقضات ونقاط الإختلاف، التي يسعى الطرفان إلى احتوائها مؤقتاً – على الأقل – حتى لا تستفيد الأطراف المناوئة في صنعاء منها واستثمارها لصالحها إعلامياً وسياسياً.
وتبقى هذه العلاقة الملغومة قابلة للتفكيك الآمن أو الإنفجار في أي وقت، تبعاً للمتغيرات على الأرض. فحادثة المطار، على سبيل المثال، كانت مؤشراً أنبأ إلى ما يمكن أن يحدث حال داس أحدهم على ذلك الحقل المتفجر، وإن على سبيل التجربة وجس النبض. مصادر مطلعة كشفت، لـ”العربي”، أن “مواجهات المطار كانت خطّة اتفقت بشأنها جهات مناوئة لحزب الإصلاح اليمني، والغرض منها إظهار (رؤوس الثعابين) التي سعى إلى زرعها في عدن ومناطق تموضعها، ومعرفة قياداتها وحجم ترسانتها العسكرية التي كانت مخزّنة في مواقع نفوذ جماعات سلفية تقاربت مؤخراً بشكل أو بآخر بنائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر”. وأكدت المصادر نفسها أن “تلك المجاميع وقعت في فخ نُصب لها بإحكام، حين نفذت انتشاراً واسعاً لمسلحيها في مديريات الشيخ عثمان والمنصورة ودار سعد وبالقرب من مطار عدن الدولي، وهو الغرض الأساسي الذي أقلعت من أجله طائرات تابعة للتحالف العربي”. وقالت المصادر إن “العملية تمت بإشراف أمريكي”.
وكانت الطائرات التابعة لـ”التحالف” حلقت فوق سماء عدن في اليومين التاليين لأحداث المطار، بعد توارد أنباء عن وجود عناصر تابعة لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” تقاتل في صفوف الجماعة السلفية التي شكلت باسم قوات الحرس الرئاسي. كما كشفت المصادر أن “الإستخبارات الأمريكية أعربت عن قلقها من وجود تلك العناصر ضمن قوات الحرس الرئاسي، وهو الأمر الذي نفته الخارجية اليمنية مراراً، غير أن معلومات حصلت عليها الإمارات العربية المتحدة واعترافات أدلى بها موقوفون لدى التحالف بتهم إرهابية، بالإضافة إلى تسجيلات صوتية لمكالمات، أكدت وجود تعاون وتنسيق عالي المستوى بين شخصيات رفيعة محسوبة على الشرعية وقيادات في تنظيمي (القاعدة) و(داعش)”.
واعتبرت المصادر أن “ترتيبات وتغييرات كبيرة ستطرأ على المشهد في عدن تحديداً، وفقا لتلك المعلومات والإدانات”، موضحة أن “الإمارات ستزيح قريباً رؤوساً كبيرة دون ضجيج، وستختفي شخصيات معروفة من الأضواء، بينها قيادات عسكرية وسياسية وأخرى في المقاومة”، مضيفة أن “الإمارات العربية المتحدة ستبدأ بعملية إصلاح واسع في عدن، والبت في ملفات الخدمات، إذا ما تمكّنت من تهيئة المشهد العدني وفق رؤية استراتيجية تمسك هي بزمامها، تشبه إلى حد بعيد وضع محافظة حضرموت”.
على الجانب المقابل، قال مسؤول رفيع في الحكومة “الشرعية”، طلب عدم كشف اسمه، لـ”العربي”، إن “الحرب في اليمن تُدار وفق مخطط كبير هو إعادة تقسيم المنطقة وفق توازنات إقليمية وتحالفات مصالح دول كبرى، وحرب اليمن ليست بمعزل عن ذلك المخطط الكبير. فالمشهد في عدن وطريقة إدارة الحرب تبيّن لكل ذي بصيرة أن اللاعبين المحليين باتوا بيادق وسط الملعب يتم تحريكها وفق خطّة جهنمية مرتبطة بذلك المشروع، وهي التي تحجّم جهات بعينها بطرق متنوعة بينها إفشالها في القيام بمهامها ومراقبة أخرى وجرّ أخرى”.
ويعتقد البعض أن الدولة العميقة الموالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، فاقت التصور بقدرتها على العمل والتأثير في إطار الحكومة “الشرعية”، وإمساكها بملفات حيوية وخيوط هامّة باتت ترمي بكل ثقلها لضرب أي تقارب بين الرئيس هادي والحراك الجنوبي. هدف، وفق اعتقاد هؤلاء، تتوافق عليه القوى المناوئة للحراك الجنوبي، وعلى رأسها الشخصيات والأحزاب اليمنية الراديكالية، والتي بينها نائب الرئيس هادي، الجنرال علي محسن الأحمر. غير أن ما يعيب ذلك التصور أنه لا يأخذ بعين الإعتبار واقع ما بعد الحرب، والذي هو بالتأكيد مختلف تماماً عمّا كان قبلها داخلياً وخارجياً.
كثير من الملفات والتفاهمات باتت تطبخ اليوم من تحت الطاولات، وما يتم نشره إعلامياً يجري تسريبه بحرفية كبيرة من قبل الجهات نفسها التي تدير حرباً
إعلامية لا تقل أهمية وشراسة عن حربها العسكرية في الجبهات ومناطق التماس.