جيش الجنوب.. عدد من هؤلاء القادة ممنوع من دخول المملكة وبات تحت طائلة الابتزاز
المساء برس – متابعات خاصة – جمال عامر
لم تصبح الأوضاع في جنوب اليمن مستقرة بعد أن تقاسمت السيطرة عليه المملكة السعودية ودولة الإمارات، منذ أكثر من عام، بل ازداد تشظيا وصار مسرحا للفوضى كنتاج طبيعى لصراع محموم ظل خفيا بين الدولتين، قبل أن يظهر إلى العلن مفضوحا وسافرا على الملأ في عدن، التي دارت أولى مواجهاتها في المطار الذي تسيطر عليه الأولى، وعجز لواء الحماية التابع لهادي الذي يقوده نجله عن استعادته، ورد بالاعتكاف في الرياض بعد أ فشل حتى الآن، ومعه المملكة، في استلام المطار الذي أغلق قبل أن يعاد الوعد بفتحه، عقب ما قيل عن اتفاق سعودي إماراتي، وليس يمنيا، بهذا الخصوص، كاشفا عن ما لم يعد ممكنا ستره بعد أن تطور الصراع إلى مواجهات كانت أطرافها وضحاياها من أبناء الجنوب.
ليست قوات “الحزام الأمني” ذات الإنتماء السلفي سوى فصيل واحد من فصائل مسلحة تشكلت على أرض الجنوب، وهي مليشيات وإن تسمت بمسميات نظامية. تم إنشاؤها على حساب الجيش الجنوبي الذي تم تسريح بعضه بعد حرب 94، ويتم السعي للقضاء عليه نهائيا على يد هادي باعتباره جزءا من هدف سعودي لم يقتصر على الجيش المحترف في الشمال، بالإضافة إلى كونه يصادف هوى هادي المناطقي، ولعلمه استحالة انضواء ما تبقى من جيش الجنوب الأساس تحت قيادته.
لقد استخدمت كل أساليب التطفيش لتطهير ما تبقى من جيش الجنوب، بغرض استبداله بقوى عسكرية ذات ولاءات مناطقية وقبلية ودينية بحسب المتبني للتجنيد، سواء من جانب الإمارات أو من هادي ومن خلفه السعودية.
وفي سياق سياسة المضايقات تم التنكيل بالقيادات العسكرية الجنوبية المؤهلة، لإرغامها على التخلي عن مسؤولياتها من خلال حرمانها من المرتبات، وشل قدراتها بجعل الألوية التي عينت فيها بدون مخصصات أو حتى عتاد وأسلحة، وجعلها تواجه قوة المعسكرات المرابطة التي لم يتم تعزيزها بمرتبات.
وهو ما دفع بعناصر هذه المعسكرات إلى تنظيم أكثر من عملية احتجاج في عدن وغيرها من المحافظات، للمطالبة بصرف رواتبهم. وفي بيان صدر عنهم قبل أكثر من شهرين، طالبوا هادي بالكشف عن مصير المبلغ الذي قدمته دولة قطر، والمقدر بـ 350 مليون دولار، أثناء مؤتمر الحوار في يوليو 2013، كتعويض لآلاف المبعدين من وظائفهم بالسلك العسكري والمدني في المحافظات الجنوبية، وصدور قرار رئاسي بذلم معزز بقرار مجلس الوزراء، إلا أنه تم التحايل عليه.
التآمر على الجيش الجنوبي لم يتوقف منذ الإجتياح السعودي الإماراتي، بل وتم تجاوزه إلى القيادات والأجهزة الأمنية التي لم يتم تفعيلها، ومنها جهازا الأمن القومي والسياسي. واستخدمت سياسة إفساد القادة العسكريين والأمنيين الكبار، ممن هم على صلة بالدولتين، والذين نهبوا مخصصات واعتمادات أجهزتهم، بل ووصل الأمر إلى سرقة مرتبات الأفراد، وصار عدد من هذه القيادات، ودون داع لذكر الأسماء، ممنوعا من دخول المملكة، حيث تم الإكتفاء بجعلها موضوعة تحت طائلة الإفتضاح، وهو الضمان لعدم تمردها أو تغيير ولائها.
ولم يتوقف الأمر على اجتثاث الجيش الجنوبي المحترف مثل ما حصل مع اللواء 19 مشاه، بل تعداه إلى استهداف أي قوة عسكرية ناشئة على أساس مهني، حيث يتم استبعاد عناصرها واستبدالهم بميليشيا، كما حصل مع من أكملوا دوراتهم في إريتيريا، مع أنه قد تم ضمهم إلى اللواء الخامس في قاعدة العند.
خلق النزاعات بين قدامى القيادات العسكرية، وتأجيج الصراع في ما بينها، على خلفية مناطقية أو انتماء حزبي
من ذلك ما حدث بين اللواء 19 ببيحان الذي يتشكل من مقاتلين جنوبيين من شبوة يعدون أقرب إلى الحراك الجنوبي، وبين اللواء 21 الذي يضم جنودا من محافظات يمنية مختلفة وتقوده قيادات “إصلاحية” مدعومة من اللواء علي محسن، حين كادا أن يقتتلا بسبب الخلاف على السيطرة على مواقع في بيحان شبوة، لينتهي الأمر بتغيير قائد اللواء مشاه، مسفر الحارثي، وتعيينه في وزارة الدفاع كترضية لقبيلته التي رفضت إقالته وهددت بالمواجهة، بعد أن تم احتجازه في السعودية وتكليف قائد آخر لقيادة اللواء هو علي صالح الكليبي.
ولم يتم التوقف عند ماسبق، بل تعدى الأمر ذلك إلى خلق النزاع بين القيادات الأمنية والجيش، والذي تجاوز إلى العلن عقب تبادل الإتهامات بالتقصير، إثر نجاح تنظيم “داعش” في الاختراق المتكرر لمعسكر الصولبان، وتنفيذ انتحاريين بشكل منفصل عمليات ضد تجمعات مجندين، وقتل العشرات منهم في كل مرة. وأبرز ذلك بيانات الإتهام بين قيادة اللواء111 مشاه وزارة الداخلية في نوفمبر الماضي، والتي أوضحت كيف تعمل هذه الأجهزة كجزر معزولة عن بعضها بل ومتنافرة، وهي جزء من سياسة التفكيك التي لا يجيد هادي غيرها.
وربما ما يحيط بالجيش الجنوبي من مؤامرات دفع بالقيادي في الحراك الجنوبي، علي محمد السعدي، وهو عميد في الجيش، إلى القول في حائطه على “فيس بوك” : “لم أسمع ولم يسمع من سبقوني أن وحدات عسكرية تتكون من قبيلة أو محافظة إلا جيش وأمن الشرعية”، مطالبا بدمج الوحدات وتشكيل قوات عسكرية وأمنية وطنية وليس قبلية.
ويأتي كل ما سبق على الرغم من تأكيد الحكومة على البدء ببناء قاعدة بيانات جديدة لمؤسستي الجيش والأمن في البلاد. وكان المفترض أن يتم العمل بها في يناير الماضي بحسب المتحدث الرسمي باسم الحكومة، راجح بادي، ونقلت ذلك وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، إلا أن مثل هذه الوعود ذهبت كما غيرها أدراج الرياح.
ولذا، فإنه لا يمكن الحديث عن استقرار ممكن في ظل وجود قيادة مستلبة بالكلية للخارج، كونها لن تكون قادرة على فرض احترامها وشرعيتها على من تحكمهم سواء كمواطنين أو منتمين لأجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
العربي – جمال عامر