عيد الحب في اليمن.. الورود تهدى للمقابر
المساء برس – العربي – فايز الأشول
عارض القديس ” فالنتاين” حرب الإمبراطور الروماني كلاوديس الثاني في القرن الثالث الميلادي. وأنقذ حياة العديد من الشبان بعقد قرانهم وإدخالهم عش الزواج بدلاً من الموت في جبهات القتال. لبى رغبات العزاب وجمع بين العشاق والمحبين ليدفع حياته ثمناً لذلك في 14 فبراير الذي صار عيداً للحب في معظم دول العالم. لكنه يحل في اليمن على استحياء. فحروب تلاميذ “كلاوديس” مزقت النسيج المجتمعي وزرعت الكراهية والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد.
و”فالنتاين” اليمني يمني العزاب بحوريات الجنة. لتموت الزهور في أكمامها ولا تتفتح إلا في المقابر.
“رياض الشهداء”
يتزامن عيد الحب في اليمن هذا العام مع احتفاء “أنصار الله” بـ”أسبوع الشهيد” (من 8 إلى 15 فبراير). آلاف من القتلى سقطوا في الحروب التي خاضتها الحركة منذ العام 2004 وحتى اليوم، خصصت لهم مقابر تطلق عليها “رياض الشهداء”. تكتظ بالأرامل واليتامى والزوار. الجميع لا يحملون باقات الورود. والكثير لا يعرفون أسماءها. لكن “أنصار الله” تتكفل بتسوير المقابر وزراعة الزهور فوق الأضرحة ومحيطها بأشكال هندسية متناسقة. كما تمدها بالمياه على مدار العام عبر شبكة ري بالتقطير، ويتناوب على حراسة كل مقبرة والإعتناء بزهورها مسلحون من “أنصار الله” التي تبني لهم غرفة في مدخلها.
أغلب “الشهداء” في المقابر من العزاب، عاشوا حياة قصيرة في بيئة قبلية محافظة ترى في الورود ترفاً وكمالية للأنثى المتزوجة. أما الذكور فقد ترسخ في أذهانهم الغزل بـ”البنادق والرصاص”. ويحفظ الكثير في المناطق الخاضعة لسيطرة “أنصار الله” تغريدة حرب مأثورة تقول: “يا حيا من شمه بارود… ولد السوق شمه معطارة”.
حرب وفقر
في العاصمة صنعاء، وفي ظل الحرب واشتداد وطأة الفقر تبرز ملامح البؤس في وجوه معظم السكان. ووصل الحال لدى البعض إلى فقدان الإحساس بالحياة فضلاً عن الحب. محمد جسار (27 عاماً) والذي يعمل سائق سيارة أجرة بصنعاء، يقول لـ”العربي”: “كنت أشتري عقد فل طبيعي مرتين في الأسبوع للحفاظ على الرائحة العطرة في سيارتي، والآن لم أعد أهتم لذلك. فمنذ شهور يمضي اليوم واليومان ولا أجد راكباً، وأعود إلى منزلي في وقت متأخر من الليل ولا أملك ريالاً واحداً”. ويختم محمد بحسرة: “أيش من عيد حب؟ أيش من فالنتاين؟ نشتي قيمة قمح ودقيق نأكل”.
الأحمر ليوم فقط
لكن الفنانه التشكيلية ومصممة الأزياء والديكور، غادة الحداد، لها رأي مغاير، إذ تقول لـ”العربي” إن “الورد الرسالة الأبلغ للإحتفاء بالمحبة والسلام والحياة”.
وتضيف غادة التي تسكن في صنعاء: “تدهورت الأوضاع الإقتصادية وفقد الكثير من المواطنين مصادر دخلهم وتراجع مستوى الإقبال على محلات بيع الورود وهدايا المناسبات. لكن مظاهر الإحتفاء بعيد الحب تشاهد في صنعاء. ويكتسح اللون الأحمر المحلات التجارية التي تبيع الورود والهدايا والملابس والأحذية في الـ 14 من فبراير، لأنه رمز الحب”.
وتؤكد: “حتى وأنت بتمشي في الشارع بتلاقي اللون الأحمر بيمشي معك، لأن الكثير يلبس الأحمر الذي يرتبط بهذا اليوم فقط، وإذا تجرأت ولبست في غير هذا اليوم تلاحقك النظرات والتعليقات الساخرة”.
غادة تتسآءل: “لماذا لا نجعل كل أيامنا حباً وسلاماً؟”، وتختم بقولها: “سأهدي في هذا اليوم وروداً بيضاء كرسالة سلام”.
موجة تدين
إلى ما قبل اندلاع الحرب في مطلع العام 2015 م، تنامت وعلى استحياء مظاهر الإحتفال بعيد الحب في المدن الكبرى: صنعاء، وعدن، وتعز، والمكلا. وخلال ما يقارب العامين من الصراع، تعرضت هذه المدن لتشوهات لطخت واجهاتها المدنية وأفسدت متنفساتها وحدائقها وشواطئها. محمد عمر، الموظف في شركة خاصة بعدن، يقول لـ”العربي”: “الجماعات السلفية فرضت سطوتها وتشددها على مدينة عدن، وألبست المرأة السواد. وتزامن عيد الحب لهذا العام مع توتر أمني أجبر الكثير من السكان على ملازمة منازلهم”. ويضيف: “موجة تدين شهدتها عدن مؤخراً. واعتمر الكثير من شبابها قبعات (مشدات) سوداء والتحقوا بالجماعات السلفية التي تستغل فقرهم. كما أن الفتيات والنساء يمارسن السباحة في الشواطىء بالعباءات السوداء”. لكنه يستدرك: “هذه المظاهر لا تعبر عن حقيقة الحياة اليومية للسكان، وإنما جلبتها الجماعات المسلحة التي تستغل الفوضى. فالمجتمع العدني لا يزال محباً للحياة ومتمسكاً بقيم التعايش”، مؤكداً أن بعض المقاهي والمتنفسات الخاصة تحتصن الإحتفال بعيد الحب.
رياحين ومشائخ دين
وبالإنتقال إلى مدينة تعز التي عرفت بانفتاحها على العصر لعقود من الزمن ومحاكاة أبنائها لجديد الموضة والتمدن، يقول الصحافي وجدي السالمي لـ”العربي”: “مدينة تعز تعيش وضعاً مأساوياً وكارثة إنسانية، ولاشيء يوحي باحتفاء السكان بعيد الحب”.
وبرغم زراعة الزهور والورود والنباتات العطرية في جبل صبر الذي تستند المدينة به كحارس يحتويها بحب، وتتمشقر الفتيات والنساء بها وتسوقها على امتداد تعرجات الطريق الأسفلتي في الجبل وأسواق المدينة، فإن الحرب عززت حضور الجماعات الدينية المتشددة. وأصدر النائب عن حزب “الإصلاح” في البرلمان، الشيخ عبد الله علي العديني، فتوى بتحريم اختلاط الذكور والإناث. وحذر الشباب والشابات في تعز من اللقاءات في المقاهي.
كذلك أجبرت جماعات سلفية أصحاب محلات بيع الملابس في المدينة على إزالة دمى العرض من الفاترينات، بحجة أنها تخدش الحياء وتفسد أخلاق المجتمع.
وبرغم محاصرة “عيد الحب” بالفقر والحرب والفتاوى، فإن ما تحتاجه اليمن اليوم… هو الحب.