الدفاع الإسبانية: هذه أسباب تآكل العلاقة بين أمريكا ومملكة “البترودولار”
المساء برس – رأي اليوم
أصدر المعهد الاسباني للدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الاسبانية دراسة منتصف الشهر الجاري تطرق فيها لأسباب تآكل العلاقات الثنائية التي تجمع الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية، راسماً ملامح مستقبلها على المديين القريب والبعيد. وأكد الباحث كارلوس ايغوالادا تولوسا في دراسته التي جاءت تحت عنوان “علاقات الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعوية، التطور وأسباب التآكل”، أن العلاقة بين القوة المهيمنة على العالم ومملكة “البترودولار” لا تمرّ بأحسن فتراتها.
مرحلة البرودة الحالية التي تمر بها العلاقات بين الرياض وواشنطن لا ترجع الى اختلافهما حول المصالح بقدر ماهي، حسب الكاتب، ناتجة عن تراكمات تتعلق بالسياسة الدولية، اجتمعت لتزيد من تدهور علاقات الصداقة التي كانت تجمعهما الى وقت قريب. هذه العلاقات التي استحضر الباحث سياقها التاريخي، انتجت تحالفاً بين البلدين يعتبر حديث العهد نسبياً بالعودة الى أول اتصال بينهما والذي يعود الى سنة 1933 أين حصلت شركة شيفرون الحالية على عقود للتنقيب عن النفط شرق المملكة العربية السعودية، لتفتح الباب بذلك أمام بقية الشركات الامريكية التي نقلت بدورها تكنولوجيا التنقيب عن النفط. هذه التكنولوجيا استغلها الملك السعودي عبد العزيز بن سعود لإطلاق شركاته الخاصة بالتنقيب عن النقط لتدر تلك الشركات عليه ارباحاً طائلة. وبذلك التبادل يضع البلدان أسس بناء علاقاتهما السياسية والاقتصادية الثنائية ابتداءً من سنة 1945. ويواصل الباحث الكشف عن خبايا حكم الملوك الذين تداولوا على عرش السعودية، حيث وصف حكم الملك سعود بن عبد العزيز بالفترة المظلمة في تاريخ المملكة، معللاً ذلك بالتفشي الكبير للفساد وسوء تسيير موارد الدولة الاقتصادية، وهوما أدى الى تراكم المديونية التي تجاوزت 200 مليون دولار، هذا بالرغم من ارتفاع الإيرادات النفطية. فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز (1964/1979) التي شهدت، حسب الكاتب، انغماس الدولة في نشر التطرف وتسخير امكانياتها ومواردها لخدمة تمدد المنهج الوهابي، والدخول في صراع سياسي، ديني وطائفي مع ايران لازال مستمراً الى اليوم.
ويورد الكاتب في دراسته بعضاً من اسباب توتر تلك العلاقات والتي يذكر من بينها توجه الولايات المتحدة الاستراتيجي الجديد نحومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، واعطائها كل الاهمية على حساب حلفائها بالخليج، وبصفة خاصة السعودية التي تحتاج الى وقوف الولايات المتحدة الى جانبها الآن اكثر من أي وقت مضى في وجه طموح ايران للسيطرة على الشرق الاوسط، هذه المنطقة التي تتجه الأنظار إليها اليوم بصفتها حلبة صراع جيواستراتيجي وسياسي بين مختلف القوى الاقليمية والدولية. الى ذلك يستطرد المحلل الاسباني بقوله ان تدهور العلاقات بين البلدين قد تجاوز المؤسسات الرسمية في كليهما، مذكراً بتصريح اوباما شهر مارس الماضي الذي قال فيه: “إنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة مواصلة التقيد بالسياسة الخارجية لواشنطن، عن طريق تقديم الدعم التلقائي للسعوديين وحلفائهم”، مبرزاً ان بلاده لا يمكن ان تواصل تحمل عبء حماية السعودية وبعض الدول الخليجية. الرد السعودي جاء مهادناً وبعبارات تخطب ود الامريكيين عن طريق مقال نشرته صحيفة “آراب نيوز″ السعودية الناطقة باللغة الانجليزية ويحمل توقيع مدير المخابرات السعودية السابق والسفير السعودي لدى واشنطن، تركي الفيصل، نافياً ان تكون بلاده قد امتطت ظهور الآخرين لتبلغ مقاصدها، معتبراً انها في المقدمة وتقبل أخطاءها وتصححها، وستستمر في اعتبار الشعب الأمريكي حليفها. وبذلك يكون اوباما قد نجح في نقل خلافات بلاده مع الرياض الى الرأي العام الامريكي ووسائل اعلامه المؤثرة. هاته الاخيرة رمت بكامل ثقلها خلف الادارة الامريكية، خاصة فيما تعلق بربط اسم المملكة بدعم ورعاية الارهاب ومطالبتها بتعويضات باهظة كما ينص على ذلك قانون “جاستا”، الذي اعدته شهر يوليوالماضي لجنة التحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ومما ساهم ايضاً في اتساع الهوة بين واشنطن والرياض، يضيف الخبير الاسباني، دعم الاخيرة “للانقلاب” الذي نفذه الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي سنة 2013، وهوالموقف الذي ازعج واشنطن. كما يوضح الكاتب استياء السعودية من قرار الولايات المتحدة سحب جنودها من العراق وتسليم المهام الامنية والعسكرية لحكومة حيدر العبادي الذي ترى الرياض فيه حليفاً لغريمتها ايران. غير أن القشة التي قصمت ظهر بعير العلاقات الامريكية السعودية كانت إقدام اوباما على توقيع الاتفاق النووي مع طهران. لأن ذلك يعني بالنسبة للرياض رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران ونهاية عزلتها الدولية وبالتالي عودتها بقوة الى الساحة السياسية الاقليمية كلاعب اساسي، وهوما يعني تهديد نفوذ السعودية في المنطقة بل وفقدانها لمكانتها المتميزة كحليف استراتيجي ليس للولايات المتحدة فقط، بل للغرب بأكمله. وللرد على الاتفاق لجأت الرياض الى تخفيض اسعار البترول علّ ذلك يضعف الاقتصاد الايراني، الذي يعتمد على النفط والغاز بنسبة 33% بينما تضاهي نسبة اعتماد الاقتصاد السعودي على المحروقات نسبة 90%، في المقابل تركت تلك الاستراتيجية آثاراً سلبية على الاقتصاد السعودي. أما فيما يخص الملف السوري فإن الولايات المتحدة لا تبدي أي تحمس لتبني الموقف السعودي، كما تنتقد بشدة الحرب التي تشنها السعودية على اليمن في إطار تحالفها الذي يضم اضافة الى البلدان الخليجية الأردن والمغرب.
ويوضح الباحث الاسباني كارلوس ايغوالادا تولوسا كيف اتخذ الغرب من السعودية فرامل لعرقلة الطموح الايراني بالهيمنة على منطقة الشرق الاوسط، ومن مظاهر دعم الغرب للرياض في هذا المسعى زيادة مبيعات السلاح اليها، حيث يستدل الكاتب بإحصائيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام التي تشير الى ارتفاع مشتريات السعودية من السلاح الغربي بنسبة 250% خلال الفترة الممتدة بين سنوات 2006 و2010، ناهيك عن ان نسبة 10% من صادرات السلاح الامريكية بين سنوات 2011 و2015 هي موجهة للرياض. أما في حالة اسبانيا التي تعد البلد الرابع عالمياً في تصدير السلاح فإن نسبة 25% من مجمل الصناعات العسكرية الاسبانية كانت قدر صُدّرت للمملكة العربية السعودية حسب احصائيات سنة 2015.
ويؤكد المحلل ان مستقبل العلاقات بين البلدين يعود الى من سيتولون شؤون الحكم في كل من واشنطن والرياض، ففي الولايات المتحدة ينتظر تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب، اما في السعودية فلم يحسم الموضوع بعد مع تقدم الملك سلمان في العمر، ورغم ان المحلل الاسباني يؤكد ان الحليف الحالي للولايات المتحدة والغرب هي الرياض، غير انه لا يستبعد ان تتحول طهران الى حليف الغرب القوي بالمنطقة، موضحاً ان الخطوات الاولى في هذا الاتجاه قد تمت فعلاً بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران.
ويختم المحلل بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الاسبانية بقوله ان التدهور الحاصل في علاقاتهما يدفع كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الى البحث عن حلفاء محليين واقليميين، يضمنون مصالح كل طرف، وقد يصل الحال ببعض المجموعات الممولة من كل طرف الى درجة الاقتتال فيما بينها في بعض الساحات الاقليمية الساخنة، وبذلك يصل الطرفان الى مرحلة الصدام وإن على أرض وبأيادي غيرهما.